موسكو/ القاهرة – أكدت مصادر روسية مراقبة أن موسكو تتجه إلى توسيع حضورها في الشرق الأوسط مستغلة التخبط الأميركي في المنطقة منذ عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما والذي بقي مرتبكا في عهد خلفه دونالد ترامب.
وكشفت المصادر أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيستغل بشكل كامل، خلال زيارته للمنطقة، حالة الغضب التي تعتري العالم العربي جراء قرار ترامب اعتراف بلاده بالقدس عاصمة لإسرائيل للظهور بمظهر الزعيم الدولي المتفهم لقضايا المنطقة مقارنة بالسلوك الذي ينتهجه نظيره الأميركي والذي يقلق حلفاء الولايات المتحدة قبل الخصوم في المنطقة.
وقالت إن الزيارة التي بدأها بوتين الاثنين إلى القاهرة تتجاوز مسألة البحث التقليدي في العلاقات الثنائية باتجاه الخوض في ما من شأنه إقامة تعاون عسكري وأمني وسياسي واقتصادي بين مصر وروسيا على نحو يزيل نهائيا حقبة الانهيار التاريخي للعلاقات بين البلدين إثر قرار الرئيس المصري الراحل أنور السادات طرد الخبراء السوفيات من بلاده في سبعينات القرن الماضي وما تلاه من استدارة مصرية كاملة صوب الخيار الأميركي.
روجر بويز: لعبة بوتين الشرق أوسطية خدعت الولايات المتحدة
وكان بوتين وصل ظهر الاثنين إلى مطار القاهرة حيث كان في استقباله نظيره المصري عبدالفتاح السيسي.
وأعلنت الرئاسة المصرية أن بوتين والسيسي سيجريان مباحثات حول “عدد من القضايا الإقليمية والدولية” وسيبحثان “دفع التعاون الثنائي في المجالات المختلفة، خاصة السياسية والتجارية والاقتصادية وفي مجال الطاقة”، وبينها توقيع العقود النهائية بين الحكومة المصرية وشركة روساتوم الروسية لإنشاء أول محطة نووية لإنتاج الطاقة الكهربائية في مصر.
ورأت مصادر خليجية مراقبة أن دول الخليج عامة تنظر بعين الرضا إلى السياسة الحذرة والمتأنية التي يتخذها بوتين بالشؤون المتعلقة بالمنطقة، وأن الدول الخليجية، لا سيما السعودية، حريصة على تطوير علاقات استراتيجية مع موسكو لتكون ثابتة من ثوابت العلاقات الخارجية للمنطقة ولا تتأثر بتقدم أو تراجع العلاقة مع الولايات المتحدة.
وأضافت هذه المصادر أن منطقة الخليج عوّلت على انتقال نوعي في العلاقات الخليجية الأميركية، لا سيما بعد القمم الثلاث التي عقدت مع ترامب في مايو الماضي، إلا أن ارتباك السياسة الخارجية الأميركية والتناقض في أداء البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية صب ظلالا من الشك على نجاعة وثبات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط مقارنة بتلك الثابتة الصادرة عن موسكو.
وتلفت مراجع دبلوماسية غربية في القاهرة إلى أن تعريج بوتين على قاعدة حميميم الروسية العسكرية في سوريا قبل وصوله إلى القاهرة، يهدف، ولو بشكل استعراضي، إلى إرسال إشارات للعالم، لا سيما للعواصم المعنية أو المنخرطة بالشأن السوري، بتحكم موسكو الكامل بمجريات الأمور في هذا البلد، بما في ذلك مفصلية الدور الذي تلعبه روسيا للخروج بتسوية.
وكان بوتين أمر الاثنين ببدء سحب القوات الروسية من سوريا قائلا إنه بعد حملة عسكرية دامت عامين أنجزت موسكو ودمشق مهمتهما بتدمير تنظيم داعش.
وأدلى بوتين بذلك خلال زيارة لم يعلن عنها مسبقا لقاعدة حميميم الجوية الروسية في محافظة اللاذقية السورية حيث أجرى محادثات مع نظيره السوري بشار الأسد وألقى كلمة أمام الجنود الروس.
وقال بوتين في تصريحات أذاعها التلفزيون الروسي “مهمة قتال العصابات المسلحة هنا في سوريا، وهي مهمة كان من الضروري إنجازها باستخدام القوة المسلحة المفرطة، تم إنجازها بشكل كبير وبطريقة مذهلة”.
واعتبر مراقبون للشؤون السورية أن اللقاء الخاطف الذي جمع بوتين بالأسد في حميميم هو مشهد مكرر للقاءات سابقة، بما يؤكد للمنخرطين في المفاوضات الحالية الجارية في جنيف مدى إمساك روسيا، وبوتين شخصيا، بورقة مصير الأسد التي تعتبر حجر الزاوية لفشل أو نجاح أي تسوية مقبلة.
وقالت وكالات أنباء سورية إن بوتين أبلغ الأسد أيضا أنه يريد العمل مع إيران وتركيا لبدء عملية سلام سورية.
دينامية نشطة
ونُقل عنه قوله للأسد إنه يأمل أن يكون بالإمكان بدء عمل المؤتمر السوري للحوار الوطني وإنه سيبحث الأمر خلال اجتماعاته المقبلة مع رئيسي مصر وتركيا.
وينقل عن مصادر مصرية مطلعة أن الدينامية النشطة التي تقوم بها الدبلوماسية المصرية تمنح القاهرة موقعا متقدما في العالم العربي يوفّر للرئيس الروسي إطلالة على الشؤون العربية والأفريقية والإقليمية عامة بما يتجاوز الملف السوري.
وتضيف المصادر أن المفاوضات التي كشف عنها مؤخرا عن إمكانية الاستخدام المتبادل لقواعد عسكرية في البلدين لا يعتبر تطورا كبيرا لروسيا فقط، بل أيضا نقلة استراتيجية نوعية لمصر لجهة توسيع خياراتها في العالم شرقا دون أن يكون ذلك متناقضا مع علاقات الغرب مع واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي.
وتعترف مصادر أميركية بأن بوتين يمتلك في الشرق الأوسط دورا بات مطلوبا من كافة عواصم المنطقة مقابل تصدّع الأداء الأميركي في الشرق الأوسط.
وأضافت المصادر أن موسكو تبدو أكثر فعالية في أستانة وسوتشي لترتيب الوضع السوري فيما لا تملك واشنطن خيارات واعدة بديلة غير تلك التي توفرها مظلة الأمم المتحدة في جنيف.
وسبق وأن اعتبر المحلل السياسي البريطاني روجر بويز أن لعبة بوتين الشرق أوسطية خدعت الولايات المتحدة.
وقال بويز في مقال في صحيفة التايمز البريطانية إن “بوتين قد تفوّق في دهائه ولعبته السياسية الشرق أوسطية على كل من أوباما وترامب عبر استخدام واقعيته السياسية وخبرته في المنطقة”.
وأكد أن “ثمة لحظات تحتاج فيها موسكو وواشنطن للتعاون بوضوح، لكن بوتين كانت لديه في معظم الأحيان نية اللعب على ترامب وخداعه”.
وتعترف المصادر أن المفاتيح التي تملكها موسكو مع طهران بإمكان عواصم المنطقة التعويل عليها لإجبار إيران على تغيير سياساتها في المنطقة، فيما لا تحظى السياسة الأميركية التي يعلنها ترامب بأي دعم أوروبي، ناهيك عن قلة الثقة التي تقابل بها عواصم المنطقة مقاربات ترامب في هذا الشأن كما في كافة شؤون المنطقة وهو ما أثبته الرئيس الأميركي بالدليل من خلال قراره المتعلق بمدينة القدس والذي أثار سخطا عاما في المنطقة.
العرب اللندنية