أعاد اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل وما تبعه من جدل حاد عربياً وإسلامياً العلاقات السعودية التركية إلى الواجهة مجدداً، وكشف هشاشة الاتفاقيات والعلاقات بين الجانبين رغم المحاولات الكبيرة التي بذلت طوال السنوات الماضية لتمتين العلاقات بين البلدين.
وطوال الأيام الماضية شنت وسائل إعلام سعودية وأخرى ممولة بشكل غير مباشر من الرياض وأبو ظبي هجوماً إعلامياً واسعاً على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على خلفية مواقفه الأخيرة من القدس وهو ما دفع الإعلام التركي إلى الرد بالمثل على هذه الهجمات.
رد الإعلام التركي كان بمثابة إعلان انهيار لـ»الهدنة» التي التزم بها طوال الأشهر الماضية، حيث توقف الإعلام التركي لا سيما المقرب من الرئاسة والحكومة وحزب العدالة والتنمية الحاكم عن توجيه انتقادات للمملكة في محاولة للحفاظ على العلاقات بين البلدين.
هذه «الهدنة» التي التزم بها الإعلام التركي طوال الأشهر الماضية كانت نتيجة لسببين رئيسيين، الأول متعلق بتوجيهات رسمية تركية من أعلى المستويات السياسية للإعلام الموالي بضرورة عدم مهاجمة المملكة ورموزها وسياسياتها بشكل مباشر وحاد وذلك ضمن جهود الحكومة والرئاسة التركية لإثبات وقوفهم «على مسافة واحدة» من جميع أطراف الأزمة الخليجية، وعدم الدخول في خلافات سياسية قد تتطور لخلافات اقتصادية مع المملكة، وهو ما سعت أنقرة جاهدة لتجنبه.
أما السبب الثاني والأكثر حساسية فيتعلق بجهود السفير السعودي في أنقرة وليد الخريجي والذي يقول البعض في الإعلام التركي إنه «نصب نفسه رقيباً على كل ما يكتب عن السعودية في الإعلام التركي»، حيث شكل حالة من الضغط والرقابة عن ما ينشر حول المملكة من خلال توطيد علاقاته مع شريحة واسعة من وسائل الإعلام والصحافيين الأتراك وهو ما بات يطلق عليه البعض «اللوبي السعودي في تركيا».
ويقول صحافيون عاملون في الإعلام التركي لـ«القدس العربي» إن السفير يراسل بشكل دوري ومكثف في بعض الأحيان مدراء وصحافيين في وسائل إعلام تركية ويزودهم بأخبار عن المملكة متمنياً نشرها كما انه يعترض في كثير من الأحيان على أخبار منشورة يعتبرها مسيئة للسعودية.
وعلى الرغم من أن الكثير من وسائل الإعلام المدعومة من السعودية والإمارات لم تتوقف بشكل كامل عن مهاجمة تركيا طوال الأشهر الماضية، إلا أن الأيام الأخيرة شهدت تصعيداً إعلامياً كبيراً من هذه الوسائل ضد تركيا والرئيس أردوغان.
وركزت هذه الوسائل على اتهام أردوغان وتركيا بالتعاون مع إسرائيل واعتبار مواقفه من القدس «وهمية وللاستهلاك الإعلامي» حيث نشرت مقاطع فيديو تسرد «العلاقة التاريخية بين تركيا وإسرائيل»، و»علاقات أردوغان مع المسؤولين الإسرائيليين»، فيما ركزت عشرات المقالات التي نشرت في الصحافة الإلكترونية والمطبوعة على مهاجمة تركيا وأردوغان.
وفي المقابل، نشرت الكثير من وسائل الإعلام التركية خلال الأيام الماضية تقارير وأخبار عن «الموقف الهزيل والمتواطئ» للسعودية اتجاه أزمة القدس، وربطت بين التطورات الأخيرة وزيارة ترامب إلى المملكة وطموحات محمد بن سلمان في تسلم الحكم من والده، كما وجه الإعلام التركي انتقادات واسعة للصمت الرسمي وصمت الدعاة وخطاء مكة والمدينة عن ذكر أي شيء يتعلق بالقدس، وجرى التطرق إلى الصمت السعودي من خلال العديد من الزوايا منها قرار وقف عمل المذيعة الأردنية علا الفارس في قنوات أم بي سي السعودية بسبب تغريداتها حول القدس.
هذا التراشق الإعلامي والتوتر الجديد في العلاقات بين أنقرة والرياض يتوقع أن ينعكس على مستوى تمثيل السعودية في قمة منظمة التعاون الإسلامي التي دعا الرئيس التركي في إسطنبول «على مستوى الزعماء»، وعلى الرغم من أن المملكة لم تكشف بعد عن مستوى تمثيلها لا يتوقع أن يشارك الملك سلمان أو ولي العهد ابنه محمد بن سلمان.
وقبل أيام بحث أردوغان مع الملك محمد بن سلمان هاتفياً القرار الأمريكي حول القدس، حيث سعى الرئيس التركي بحشد أعلى مستوى من التمثيل والمشاركة في القمة الإسلامية التي قال، الاثنين، إنه يتمنى أن تشكل «نقطة تحول» في الوقف الإسلامي اتجاه القدس.
وأمس الاثنين، كتب الكاتب السعودي جمال خاشقجي عبر تويتر: «هل ثمة خلاف حاد بين المملكة وتركيا؟ إن لم يكن، فلماذا هذه الحملة الشرسة على أردوغان حتى بات السعودي يقسم بكرهه له ليثبت براءته من شبهة التعاطف معه؟»، مضيفاً: «إن كان هناك خلاف مستحق، ليعلن رسميا».
وقبل فترة برز الخلاف السعودي التركي مجدداً عندما وجه أردوغان انتقاد لاذعة لمحمد بن سلمان بشكل غير مباشر، وذلك عندما انتقد مصطلح «الإسلام الوسطي المعتدل»، الذي يستخدمه الأخير، وقال أردوغان: «لا يوجد شيء اسمه إسلام معتدل أو غير معتدل، الإسلام واحد، لا ينبغي أن يحاول أحد أن يضع الإسلام في موقف ضعفٍ عن طريق تنويع الإسلام أو إلصاق بعض الأوصاف به».
وفي تطور آخر، أجرت صحيفة «عكاظ» السعودية قبل أيام حواراً خاصاً ومطولاً مع أحد أبرز قياديي تنظيم بي كا كا التي تعتبره أنقرة منظمة إرهابية، ووجه القيادي الذي تحدث من جبال قنديل شمالي العراق تهديدات غير مسبوقة لتركيا متوعداً بمواصلة «الحرب» عليها.
أنقرة ـ «القدس العربي»: