باريس – كشفت مصادر فرنسية مطلعة أن باريس تقود حملة أوروبية هدفها ممارسة الضغوط على إيران لوقف تمددها داخل بلدان الشرق الأوسط، وتتولى هذه الحملة التفريق بين الملف النووي، وبين تهديد إيران لمحيطها الإقليمي مستفيدة من المزايا التي وفرها الاتفاق النووي عبر رفع العقوبات.
وأعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الثلاثاء رفض أي “محور إيراني من البحر المتوسط إلى طهران”، وطالب برحيل المقاتلين الإيرانيين المتواجدين في سوريا.
وأكدت هذه المصادر أن التحرك الفرنسي يستند على قناعة جماعية لدول الاتحاد الأوروبي بأن لا استئصال حقيقيا لمعضلة الإرهاب في منطقة من دون وضع حد للسياسات التي تنتهجها طهران والتي ستوفر حاضنة شعبية جديدة لإرهاب آخر تحت مسميات أخرى.
وقال لودريان “لا للوجود الإيراني وللرغبة الإيرانية في إقامة محور من البحر المتوسط إلى طهران”، وذلك في مقابلة خاصة حول سوريا على قناة فرانس 24.
ولفتت مصادر دبلوماسية فرنسية متابعة للملف الإيراني إلى أن فرنسا والاتحاد الأوروبي ما زالا متمسكين بالاتفاق النووي الذي أبرم بين طهران ومجموعة الخمسة زائد واحد على عكس الموقف الذي عبر عنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
واعتبر مراقبون تصريحات لودريان تشخص الفرق بين الملف النووي الإيراني والتهديد الإيراني للمنطقة، وتؤكد قناعة جديدة بأن التهديد الحقيقي للمنطقة ليس نوويا.
وأضاف هؤلاء أنه إذا استوعب الغرب هذا الموضوع، تكون الأمور في مسارها الصحيح.
ونقل عن مراجع مالية واقتصادية أوروبية أن الشركات الأوروبية الكبرى ما زالت مترددة في الاستثمار داخل السوق الإيراني على الرغم من المغريات التي تقدمها الدبلوماسية الإيرانية، وأن السوق الإيراني سيبقى خطرا على رؤوس الأموال الدولية طالما أن إيران في حالة حرب دائمة تمارسها عبر ميليشياتها المنتشرة من اليمن إلى لبنان مرورا بالعراق وسوريا.
وفصّل لودريان المشكلة بأن “إيران توفد مقاتلين وتدعم حزب الله في سوريا”، كما يحظى نظام الرئيس السوري بشار الأسد بدعم عسكري من روسيا التي أعلنت الاثنين سحب قسم كبير من قواتها في سوريا.
ويكرر وزير الخارجية الفرنسي ما سبق أن صرح به في نوفمبر الماضي وأثار غضب طهران عندما ندّد بـ”نزعة الهيمنة” لدى إيران في الشرق الأوسط ولبنان واليمن مرورا بسوريا والعراق.
وشدد على أن سوريا يجب أن تعود “دولة ذات سيادة أي بعيدة عن الضغوط ووجود دول أخرى”.
وتقول المصادر نفسها إن تطورا طرأ على موقف باريس والعواصم الأوروبية في هذا الصدد مفاده ربط التأييد للاتفاق النووي بآلية دولية جديدة لمراقبة البرنامج الصاروخي الإيراني من جهة وبتخلي طهران عن سياساتها العدائية وتدخلاتها في بلدان الشرق الأوسط.
ويطالب الموقف الأوروبي الجديد إيران وروسيا بتغيير سياساتهما وفق ما يحمل السلم والاستقرار إلى المنطقة.
وأشار لودريان في هذا الصدد إلى مسؤولية موسكو وطهران في عملية السلام في سوريا قائلا إن “أبرز جهتين فاعلتين في هذه القضية هما روسيا وإيران ولا بد أن تمارسا ثقلهما من أجل التوصل إلى حل سياسي مع الدول الأخرى الأعضاء في مجلس الأمن الدولي”.
جان إيف لودريان: فرنسا ترفض أي محور إيراني من البحر المتوسط إلى طهران
ولاحظ مراقبون فرنسيون تصاعد إيقاعات الدبلوماسية الفرنسية في الشرق الأوسط كما وضوح تموضعها الجديد في ما يتعلق بملفات المنطقة، لا سيما في الشأن السوري ما بين موقفي واشنطن وموسكو.
وأشار لودريان في هذا الصدد إلى أن الأسد “ليس الحل” ولو أن الدول الغربية لم تعد تشترط رحيله لإطلاق أي محادثات سلام.
وقال “قلنا سننتظر رحيله لكنه هنا يحظى بالدعم، إنه همجي لكنه هنا”.
وينقل عن مرجع سياسي فرنسي كبير أن فرنسا مصرة على بقاء التواصل مع إيران وأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يستعد لزيارة طهران العام المقبل.
ويضيف هذا المرجع أن سلسلة المواقف التي تصدرها الإدارة سواء على لسان ماكرون أو على لسان وزير خارجيته هدفها وضع قواعد وشروط لطبيعة العلاقة التي تريدها المجموعة الدولية، لا سيما فرنسا والاتحاد الأوروبي مع إيران.
وكان الرئيس الفرنسي قد اعتبر في نيويورك في سبتمبر الماضي أن الاتفاق النووي مع إيران والذي أبرم عام 2015 لم يعد كافيا نظرا إلى “التطورات الإقليمية”. و”الضغوط المتزايدة التي تمارسها إيران في المنطقة”.
وقال ماكرون “نحن بحاجة إلى اتفاق 2015. هل هو كاف؟ كلا، نظرا إلى التطورات الإقليمية والضغوط المتزايدة التي تمارسها إيران في المنطقة”، مشيرا أيضا إلى “النشاط الإيراني المتزايد على صعيد الصواريخ الباليستية”.
وتؤكد مصادر أوروبية في بروكسل أن الموقف الفرنسي الأوروبي الجديد يستند على عملية إعادة تقييم جذرية قامت بها المؤسسات المتخصصة في تحديد السياسة الخارجية للاتحاد بمساهمة كبرى من قبل المؤسسات الأمنية والعسكرية المعنية بشؤون العلاقة مع الشرق الأوسط.
وأجمعت القراءة الجديدة لوضع المنطقة ما بعد داعش على ضرورة التصدي بشكل حازم لـ”الحالة الإيرانية” من أجل المساهمة في تهدئة الموقف في العراق وسوريا واليمن، بما سيساهم في تعزيز الأمن الإقليمي والدولي.
ووفق مصادر سياسية فإن الدبلوماسية الفرنسية ترصد عن كثب سعي إيران للتمسك بأساليبها وأدواتها التقليدية المعروفة سواء من خلال حركة الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني أو من خلال حركة الميليشيات التابعة لإيران والتي قادت أحد قادتها، قيس الخزعلي زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق العراقية، إلى جنوب لبنان على الحدود مع إسرائيل، إضافة إلى ما تقوم به طهران من استغلال لقرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وكانت طهران قد عرضت دعم المقاتلين الفلسطينيين، عقب إعلان الولايات المتحدة الأسبوع الماضي اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وذكر الموقع الإلكتروني للحرس الثوري أن سليماني قدم هذا العرض لقائد كتائب القسام الفلسطينية، الجناح المسلح لحركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة، في اتصال هاتفي الاثنين.
ورأى مراقبون أن هذا التطور يعني أن سيناريو تخفيف الضغط عن إيران عبر إشعال المواجهات مع إسرائيل عبر غزة مرشح للتكرار.
لكن مراقبين للشؤون الإيرانية اعتبروا أن تصاعد مواقف طهران في هذا الصدد تعود إلى إدراك إيران لجدية الموقف الدولي الشامل ضد إيران، وأن قادة النظام الإيراني يسعون للهروب إلى الأمام للمحافظة على مواقعهم في العراق وسوريا ولبنان كما دعمهم الكامل لجماعة الحوثيين في اليمن.
العرب اللندنية