في 13 كانون الأول/ديسمبر، تلتقي ثلاثة تطورات مهمة مرتبطة بالاتفاق النووي الإيراني. ففي هذا اليوم، تنتهي مهلة الستين يوماً الممنوحة للمسؤولين في الكونغرس من أجل إقرار قانون معجّل بمقتضى “قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني” (INARA)، بينما تعقد “اللجنة المشتركة” التي أنشئت بموجب هذا الاتفاق اجتماعها ربع السنوي، وفي الوقت نفسه، يستحق موعد رفع التقرير الجديد للأمين العام للأمم المتحدة حول تطبيق “قرار مجلس الأمن رقم 2231”. ومع أنه من المستبعد أن تترتب أخبار جمة عن أيّ من هذه المستجدات، إلّا أنّه قد آن الأوان لتمهيد الطريق أمام مواصلة الدور الأمريكي في «خطة العمل الشاملة المشتركة» (JCPOA) التي أصبحت مهددة على نحو متزايد.
المهلة النهائية المنصوص عليها في “قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني” (INARA)
بموجب “قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني”، يمكن لرئيس الأكثرية أو الأقلية في كل من مجلسي الشيوخ والنواب الأمريكيين أن يطرح قانوناً خاضعاً لصلاحية التعجيل الصارمة، أي أنه لا يمكن تأخير هذا القانون من خلال مداولات اللجنة أو النقاش المطوّل، وذلك في غضون ستين يوماً من صدور قرار رئاسي بسحب المصادقة. ولو أُقرّ هذا القانون لأعاد فرض عقوبات قانونية على إيران وحظّر “أي إعفاء أو تعليق أو تخفيض أو أي تخفيف إضافي” بمقتضى الاتفاق النووي. وفي حين يفسّر البعض “قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني” على أنه يتيح إعادة فرض بعض العقوبات القانونية وليس كلها، إلّا أنّ البعض الآخر لا يوافقهم الرأي.
وجاء إعلان الرئيس ترامب أنه لن يعيد التصديق على الاتفاق النووي خلال خطابه الذي ألقاه في 13 تشرين الأول/أكتوبر حول السياسة تجاه إيران. وبالتالي، تشارف مهلة القانون المعجّل على الانتهاء. ونظراً إلى أن الكونغرس كان منشغلاً بعدة مسائل خلال الأسابيع الأخيرة، فليس من المستغرب أنه لم يتم اقتراح أي تشريع. فضلاً عن ذلك، فإن البعض على الأقل في الأغلبية الجمهورية يفضلون قانوناً يحظى بتأييد ساحق في الكونغرس، على غرار “قانون مواجهة أعداء أمريكا من خلال العقوبات” الذي نال تأييد مجلسَي النواب (419 مقابل 3) والشيوخ (98 مقابل 2) في تموز/يوليو المنصرم. وقبل فترة وجيزة من إعلان ترامب، أتى رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي بوب كوركر (جمهوري عن ولاية تينيسي) وعضو مجلس الشيوخ توم كوتون (جمهوري عن ولاية أركنساس) على ذكر مشروع قانون لا يستوفي شرط التعجيل الخاص بـ”قانون مراجعة الاتفاق النووي” إنما سيكون برأيهما أكثر ملاءمةً في حال سحب المصادقة من الاتفاق. ولكن لم يُسمع أي خبر يذكر عن اقتراحهما في الآونة الأخيرة، وسوف يكون من الصعب التوصل إلى توافق بين الحزبين حول أي قانون مماثل – حيث أن الديمقراطيين لا يريدون التلميح إلى أن الإنجاز الكبير في سياسة أوباما الخارجية مشوب بالعيوب، بينما لا يريد الجمهوريون المصادقة على «خطة العمل الشاملة المشتركة». ومع ذلك، لا يبدو أحدٌ في مجلس الشيوخ مستعداً لنسف الاتفاق، فيما يُظهر قانون العقوبات الصادر في تموز/يوليو إمكانية التوصل إلى توافق بين الحزبين بشأن إيران. ولذلك، يتعين على الأطراف التي تريد الحفاظ على الاتفاق بشكل أو بآخر أن ترتقي بالعملية إلى مستوىً أعلى.
“القرار 2231” والانتهاكات الإيرانية
لن يكتفي تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بالتطرق إلى الاتفاق النووي فحسب، بل سيتناول أيضاً جوانب أخرى من “القرار 2231”. فهذا القرار الذي يدعو إلى وقف برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية يتضمن أيضاً أوامر مختلفة موجهة إلى طهران بموجب “المادة 41” من ميثاق الأمم المتحدة (المدرجة في “الفصل السابع” ضمن الفقرة التي تخوّل مجلس الأمن فرض الشروط على الدول). ويشار إلى أن التقرير السابق الصادر في حزيران/يونيو ذكر أن إيران متهمة بانتهاك عدد كبير من تلك الأوامر، وهي:
· حظر عمليات النقل المرتبطة بالأسلحة إلى إيران. ففي شهر كانون الثاني/يناير 2017، على سبيل المثال، اكتشفت السلطات الأوكرانية أسلحةً مخبّأة على متن طائرة متجهة إلى إيران.
· حظر عمليات النقل المرتبطة بالأسلحة من إيران، حيث تم مثلاً اعتراض عدة أسلحة مخبأة في السفن الشراعية قبالة الساحل اليمني.
· حظر السفر إلى خارج البلاد على إيرانيين معيّنين، ومن بينهم قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني.
وبموجب القانون الدولي، لا تتمتع إيران بحرية اختيار ما يعجبها أو لا يعجبها في “القرار 2231”. ولذلك، يتعين على المسؤولين الأمريكيين وحلفائهم إدانة الانتهاكات الإيرانية المتواصلة بشكل مباشر وصريح.
النقاط الغامضة لدى “اللجنة المشتركة”
أنشئت “اللجنة المشتركة” لتكون منتدىً يعمل فيه المسؤولون الإيرانيون ومسؤولو «مجموعة الخمسة زائد واحد» على معالجة الخلافات المتعلقة بتنفيذ الاتفاق النووي. بيد أن طهران تريد من اللجنة التركيز على مخاوف المصارف الدولية من التعامل مع إيران بسبب العقوبات الأمريكية، وهذا مطلب كرره المتحدث باسم “منظمة الطاقة الذرية الإيرانية” بهروز كمال فندي في 4 كانون الأول/ديسمبر. وفي الواقع أن المشكلة المالية الأكثر إلحاحاً التي يواجهها النظام الإيراني هي اقتراب موعد انتهاء “خطة العمل” مع “فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية” في كانون الثاني/يناير. فهذه الهيئة الحكومية الدولية المؤلفة من 37 عضواً علّقت توصياتها بتدابير مكافحة الأنشطة الإيرانية لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب في حزيران/يونيو 2016، إلا أنها قد تطلب قريباً من المصارف والحكومات إعادة فرض هذه التدابير. وفي تشرين الثاني/نوفمبر حثت “فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية” إيران على “المضي سريعاً في طريق الإصلاح من أجل ضمان تنفيذ «خطة العمل» بشكل كامل ودقيق” قبل حلول موعد الاجتماع المقبل للمنظمة في شباط/فبراير.
والأهم من أي مسألة مصرفية هو أن توضح “اللجنة المشتركة” القواعد التي يخضع لها دور “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” في مراقبة الاتفاق النووي. فقد أفاد المدير العام لـ “الوكالة الدولية” يوكيا أمانو أن هناك نقاط غامضة في صلاحية “الوكالة” بالتحقيق في امثتال إيران للاتفاق لاسيما في المسائل التي لا تتعلق بالمواد النووية. فقد تعهدت طهران بموجب “القسم 20” من «خطة العمل الشاملة المشتركة» بعدم الانخراط في مجموعة متنوعة من الأنشطة التي قد تسهم في تطوير سلاح نووي، مثل “تصميم أجهزة تفجير نووية أو تطويرها أو الاستحصال عليها أو استخدام النماذج الحاسوبية لمحاكاة هذه الأجهزة”. وفي مقابلةٍ أجرتها صحيفة “فاينانشال تايمز” مع أمانو في 7 تشرين الثاني/نوفمبر، أشار المدير العام للوكالة إلى أنه من “المفيد” “توضيح «القسم 20» بصورة أكثر”، وأعرب عن أمله بصدور إعلان أساسي عن إيران بهذا الخصوص.
أما عن قدرة الوكالة على تفتيش المواقع العسكرية الإيرانية، فقال أمانو: “لدينا إمكانية الوصول إلى جميع المواقع التي نحتاج إلى زيارتها”، مضيفاً أن المخاوف بشأن هذه المسألة “مبالغ فيها بشكل مفرط”. ولكن الرئيس ترامب قال في خطابه في 13 تشرين الأول/أكتوبر أن “المسؤولين والقادة العسكريين الإيرانيين ادعوا مراراً وتكراراً بأنهم لن يسمحوا بدخول المفتشين إلى المواقع العسكرية”. فإذا كان أمانو يدعو إلى الوضوح بينما ينكرالمسؤولون الإيرانيون الصلاحية التي يقول إنّ “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” تمتلكها، فهذا يعني أن هذه الأمور تثير القلق في الحقيقة. ومن واجب “اللجنة المشتركة” أن توضح أي غموض في «خطة العمل الشاملة المشتركة» ليكون للأطراف تفسير مشترك لواجباتهم. ويشكّل تجاهُل هذه المخاوف تأييداً لترامب في قوله إن الاتفاق بحاجة إلى رقابة أفضل.
حان الوقت لدعم «خطة العمل الشاملة المشتركة»
من خلال خطوات عدّة مثل سحب المصادقة من إيران، والانسحاب من اتفاق باريس بشأن تغيّر المناخ، والاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، أثبت الرئيس ترامب أنه مستعد للوفاء بالوعود التي قطعها خلال حملته الانتخابية حتى وإن أثار ذلك غضب الكثيرين داخل الولايات المتحدة وخارجها. وفي ضوء ذلك، فلا بد من التذكير في هذا السياق بأن الخطاب الذي ألقاه في 13 تشرين الأول/أكتوبر تضمّن التصريح التالي: “أنا أعطي إدارتي توجيهاتٍ بالعمل عن كثب مع الكونغرس ومع حلفائنا من أجل معالجة العديد من العيوب الخطيرة التي تشوب الاتفاق… وفي حالة عدم تمكننا من التوصل إلى حل بالتعاون مع الكونغرس وحلفائنا، فعندئذ سيتم إنهاء الاتفاق…. يمكنني أنا شخصياً، بصفتي الرئيس، أن ألغي مشاركتنا في أي وقت”. وبالفعل، إن معظم الإعفاءات الراهنة من العقوبات ستنتهي مدتها ما لم يجددها ترامب في 12 كانون الثاني/يناير، مما يعني فعلياً أن الولايات المتحدة تنهي الدور المسند إليها بموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة».
والجدير بالذكر هو أن «خطة العمل الشاملة المشتركة» لا تحظى بشعبيةً كبيرةً لدى الرأي العام الأمريكي. ففي استطلاع هارفرد -هاريس الذي أجري خلال تشرين الأول/أكتوبر الماضي، تبيّن أن 70 في المائة من المشاركين في الاستطلاع – بما فيهم 57 في المائة من الديمقراطيين – اعتبروا أنه يجب إعادة التفاوض على الاتفاق، في حين اعتبر ثلثا المشاركين أن إيران لم تحترم التزاماتها المنصوص عليها في الاتفاق. لكن هذا لا يعني أنهم يريدون الانسحاب كلياً من الاتفاق – ففي استطلاع آخر أجراه “مجلس شيكاغو للشؤون العالمية” في تشرين الأول/أكتوبر، تبيّن أن غالبية الأمريكيين (60 في المائة) يفضّلون المشاركة في اتفاق “يرفع بعضاً من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على إيران مقابل فرض قيود صارمة على برنامجها النووي، على الأقل في العقد المقبل”. ولكن مهما كانت المشاعر الحقيقية للشعب الأمريكي، يجدر بالبيت الأبيض أن يفي بالوعد الذي تعهّد به الرئيس الأمريكي في تشرين الأول/أكتوبر، أي العمل عن كثب مع الكونغرس والشركاء الخارجيين للوقوف على ما يمكن إصلاحه قبل أن يذهب الصالح بعزاء الطالح. وحتى الآن، لا تتوافر أي أدلة علنية تُذكر عن وجود اتصالات رسمية بشأن هذه المسألة، لا سيما مع أوروبا.
والأهم من ذلك هو ضرورة استمرار «خطة العمل الشاملة المشتركة» بشكلٍ ما لكي تتمكن واشنطن من حصد الثمار الجوهرية المتمثلة بالحفاظ على تحالف دولي واسع ضد إيران. فالعمل الفردي ليس خياراً ممكناً عندما يتعلق الأمر بالتحقق من أنشطة النظام المزعزعة للاستقرار في مجال الصواريخ وانتشار الأسلحة النووية والإرهاب والتخريب.
لكنّ الحفاظ على التحالف لن يكون مضموناً إلا من خلال آلية ملموسة لمعالجة عيوب «خطة العمل الشاملة المشتركة» التي ألقى عليها ترامب الضوء في خطابه في 13 تشرين الأول/أكتوبر، وتحديداً بنود الانقضاء التي نصّ عليها الاتفاق، وآليات تنفيذه “غير الكافية”، و”صمته شبه التام” عن برامج الصواريخ الإيرانية. ويتفق العديد من الديمقراطيين والمسؤولين الأوروبيين على ضرورة اتخاذ المزيد من الإجراءات بشأن البندين الأول والأخير، أضف إلى أن تعليقات أمانو بشأن توضيح “القسم 20” وزيارة المواقع العسكرية تتيح سبيلاً للتوصل إلى توافق واسع في الآراء بشأن مسألة رئيسية متعلقة بالتنفيذ. وصحيحٌ أن معالجة المخاوف التي تطرّق إليها ترامب سيستغرق وقتاً، إلا أنه يجب المباشرة فوراً بالعملية – في “اللجنة المشتركة” وفي العواصم الأوروبية وفي الكونغرس. وحتى إذا جدّد الرئيس الأمريكي الإعفاء من العقوبات في كانون الثاني/يناير، ليس من المؤكد على الإطلاق ما إذا كان سيفعل ذلك مرة أخرى في أيار/مايو حين يستحق الإعفاء القادم ما لم يتم إحراز تقدم ملموس. وفي غضون ذلك، سوف تدق عقارب الساعة بصوتٍ أعلى كل يوم.
باتريك كلاوسون
معهد واشنطن