الجزائر – رجحت أوساط جزائرية مطّلعة أن تكون زيارة وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني الأحد إلى الجزائر على صلة بالحراك الذي تتزعمه فرنسا للحصول على دعم مالي واستخباري للقوة العسكرية التي يجري تشكيلها لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء، وذلك وسط مساع قطرية لبناء تحالف للغاضبين من تحالف فرنسي سعودي في المنطقة.
وأشارت هذه الأوساط إلى أن زيارة وزير الخارجية القطري إلى الجزائر جاءت أياما قليلة بعد اجتماع باريس حول دعم القوة العسكرية لدول غرب أفريقيا، وقد حضرته كل من السعودية والإمارات، ما يعني أن الدوحة تبحث عن تحالف مضاد يعمل على إفشال هذه القوة في سياق خلافها مع الرياض وأبوظبي.
مارين لوبان: قطر لم تقبل التدخل في مالي لأنه يستهدف متشددين موالين لها
واعتبرت أن قطر تسعى للاستفادة من موقف الجزائر، الرافض لوجود قوات عسكرية أجنبية في محيطها الإقليمي، للحيلولة دون مسعى سعودي إماراتي للتأثير غرب أفريقيا، وهو ما يسمح لخصومها بأن يكتسبوا نفوذا خارجيا باعتراف دولي علني، وهو ما فشلت الدوحة في الحصول عليه في تدخلاتها في سوريا وليبيا واليمن، وعلى العكس اضطرتها ضغوط مختلفة إلى التخلي عن أدوارها في رعاية تيارات متشددة كانت تأمل في الحصول من ورائها على اعتراف دولي بوكالتها لتلك التيارات مع انطلاق موجة “الربيع العربي”.
ووافقت السعودية والإمارات على تقديم نحو 150 مليون دولار لقوة دول الساحل المعروفة باسم جي5 والمؤلفة من قوات من جيوش مالي وموريتانيا والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد، والمدعومة فرنسيا، في مؤشر على أن البلدين الخليجيين يسعيان لكسب نفوذ في تلك المنطقة.
ويرى خبراء أمنيون أن قطر تلجأ إلى الجزائر في محاولة لجرها للاعتراض الجدي على تكوين القوة العسكرية الأفريقية لأن هذه القوة ستعمل على محاصرة أنشطة أي دولة من خارج منطقة الساحل والصحراء، وهو ما يهدد أنشطة الدوحة في المنطقة، وقد يزيح الستار عن أسرار دورها في مالي منذ 2012، وهو الدور الذي هاجمته شخصيات ووسائل إعلام فرنسية وقتها.
ولا يقتصر دور قطر المثير للجدل على مالي فقط، فهناك شكوك في أن لها دورا داعما لمنطقة رمادية تتواجد بها إيران ممثلة بحزب الله “الأفريقي”، وهو أمر لا يقل خطورة عن دورها في مالي.
وكانت مجلة “لوكانار أنشينيه” الفرنسية نشرت في 2012 مقالا بعنوان “صديقتنا قطر تمول المتطرفين في مالي”. ونقلت المجلة حينها عن مصدر في المخابرات الفرنسية معلومات موثقة تفيد بأن حركة “أنصار الدين” التابعة لتنظيم القاعدة، وحركة “التوحيد والجهاد” المتطرفة في غرب أفريقيا، والانفصاليين الطوارق، تلقوا دعما من قطر.
ولاحقا اتهمت مارين لوبان، زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليمينية، قطر بتقديم الدعم المالي لهذه المجموعات.
وتعقيبا على تصريح لأمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني عن أن القوة لن تحل المشكلة شمال مالي، قالت لوبان “قطر غير راضية عن التدخل العسكري الفرنسي في مالي لأنه يهدف إلى دحر الإسلاميين المتشددين الموالين لهذه الإمارة في كافة أنحاء العالم”.
وعلى الرغم من العلاقات القوية بين الجزائر وفرنسا، والتي يصفها سياسيون من البلدين بالراسخة، فإن الأولى رفضت المشاركة في “المبادرة العسكرية لمكافحة الإرهاب” التي أطلقتها باريس في منطقة الساحل.
ولا يقتصر الرفض الجزائري على المانع الدستوري، مثلما أشار إلى ذلك رئيس الوزراء أحمد أويحيى، خلال مؤتمر صحافي مشترك، مع نظيره الفرنسي إدوارد فيليب في السابع من الشهر الجاري، وإنما مرده أسباب أخرى سياسية.
ويقول الخبراء إن قضية تحالف الساحل تعد أكبر ملف خلافي بين الجزائر وفرنسا منذ حرب ليبيا 2011، مشيرين إلى أن الجزائر ترفض أي نشاط فرنسي في فضائها الحيوي، مشيرين إلى أنها حاولت بدورها أن تستثمر الحرب على الإرهاب للبحث عن نفوذ في دول جنوب الصحراء مثل مالي وتشاد، وهو الدور الذي كشف عنه أويحيى حين قال إن بلاده خلال السنوات الـ8 الماضية، أنفقت 100 مليون دولار، لتدريب 12 قوة خاصة من موريتانيا حتى تشاد، إلى جانب منح هذه الدول عتادا عسكريا”.
ويشير الخبير الأمني الجزائري، محمد تاواتي إلى أن بلاده “كانت قادرة على اقتراح مثل هذه القوة في وقت مبكر، لكنها ركزت أكثر على مجال رفع القدرات القتالية لجيوش المنطقة حتى يصبح بمقدورها التعامل بشكل فعال مع الجماعات الإرهابية”.
ويرجع الخبير الجزائري، محمد الصغير، رفض الجزائر المشاركة في المبادرة الفرنسية إلى “وجود دول (لم يسمها) من خارج المنطقة ضمنها”، في إشارة إلى السعودية والإمارات، ما يعكس انحيازا جزائريا للموقف القطري وتمركزا في صف الدوحة في قضية الأزمة مع رباعي المقاطعة.
ويميل محللون سياسيون إلى أن الجزائر تبحث بدورها عن بناء تحالف لتعطيل نشاط هذه القوة يمكن أن يوصف بتحالف الخاسرين من نشاط قوة عسكرية مدعومة دوليا لمواجهة الإرهاب في الساحل والصحراء، وأن استقبالها وزير خارجية قطر هو لبنة أولى لهذا التحالف.
لكن المحللين يلفتون إلى أن هذا التحالف ليس الأول بين الطرفين، فقد سبقه تحالف في التعاطي مع الملف الليبي، وأن الجزائر استفادت من وكلاء قطر وتركيا على الأراضي الليبية للتأثير في هذا الملف، ورفض أي حل لا يراعي مصالحها، ما قاد إلى تصدع في علاقتها بمصر في فترة من الفترات.
ولا تخفي الجزائر أنها دخلت على خط الأزمة الليبية وأنها استضافت أكثر من 200 شخصية ليبية في اجتماعات سرية وأنها أمضت مع البعض من هؤلاء اتفاقيات. ومن بين من زاروا الجزائر نجد محمد صوان رئيس حزب “العدالة والبناء” الذراع السياسية لجماعة الإخوان، وعبدالحكيم بلحاج رئيس حزب “الوطن” والقيادي السابق بالجبهة الليبية المقاتلة، وعبدالرحمن السويحلي رئيس المجلس الأعلى الحالي، وأحد الداعمين لميليشيا فجر ليبيا، بالإضافة إلى أعضاء من المؤتمر الوطني المنتهية ولايته وأغلبهم إسلاميون.
العرب اللندنية