قرار ترامب حول القدس: نهاية مرحلة من المراهنة على تسوية أميركية

قرار ترامب حول القدس: نهاية مرحلة من المراهنة على تسوية أميركية

يشكل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل مفصلا هاما في مسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يؤرخ لما قبله وما بعده، وربما يفضي إلى نهاية مرحلة كاملة من المراهنة على تسوية لصراع طويل ومعقد بالطرق السياسية برعاية واستئثار كاملين من الإدارة الأميركية لما يقرب من عقدين.

ويشكل القرار أيضا نسفا لكل الوعود التي قدمت من قبل الرئيس الأميركي وطاقمه حول مبادرة شاملة منتظرة لحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. ويتعارض مع الاستراتيجية الحالية للحملة ضد الإرهاب وحصار النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط.

تنوّعت الآراء والتحليلات حول الأسباب والدوافع لاتخاذ مثل هذه الخطوة المتطرفة والمنحازة وتراوحت بين تفسيرات دينية عقائدية وأخرى غرقت كثيرا في الحديث عن الصفات الشخصية للرئيس والتي تتميز بالتهور وعدم الاتزان وضعف الخبرة بالشؤون السياسية الدولية.

لكن، إلى جانب كل ما سبق، هناك فرضية أخرى تقول إن قرار ترامب استراتيجي عميق الدلالة، فهو حصيلة قراءات يمينية متطرفة صدرت في بعض مراكز الدراسات في الولايات المتحدة والغرب ومواقع القرار في الإدارات المتعاقبة بعد عملية البرجين 2001 وغزو العراق وأفغانستان والتي تتمحور حول نظرية “الفوضى الخلاقة كمدخل لإعادة تركيب خرائط الشرق الأوسط، التي ظلت ولسنين طويلة مصدرا أساسيا للإرهاب والعداء المتأصل للحضارة الغربية”.

وتشكل الحالة الدولاتية العربية الهشة، النموذج المثالي لمتابعة تدمير ما تبقى من بنية الدولة العربية التقليدية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية. وكانت إقامة الكيان الإسرائيلي في قلب هذه المنطقة المقدمة التي أسست لمتابعة النسق الاستعماري الغربي بكل أثقاله ومحمّلاته التاريخية والثقافية وأهدافه العقائدية والاقتصادية والسياسية.

أدّى هذا الكيان وظيفته في ضبط إيقاع المنطقة ونموها وتطورها بما يخدم فكرة الاستعمار الحديث، واليوم يعاد تجديدها من بوابة الفوضى والإرهاب العابر للحدود وتسعير نار الحروب الإقليمية، ومثال ذلك السنوات السبع الماضية لما يسمى بالربيع العربي وما أفضت إليه من حروب أهلية مستمرة وطاحنة وكذلك تفكك محاور الدولة الوطنية وفكرتها المركزية في سوريا والعراق واليمن وليبيا وتهديد ما تبقى من دول لا يزال بعضها يعيش إشكالية الهوية الوطنية والانشغال في مساعي تأمين الاستقرار والتنمية المتعثرة أصلا، وما إلى ذلك من أزمات تتعلق بشرعية النظام السياسي والديمقراطية والحريات العامة، ما يعزز مأزقها وانسداد آفاق تطورها.

ولن تجد الإدارة الأميركية ومؤسساتها المختلفة أفضل من هذه المرحلة للإجهاز على القضية الفلسطينية من خلال التركيز على حل اقتصادي ودويلة في غزة تلحق بها بعض التجمعات السكانية في الضفة الغربية، فالحالة الفلسطينية ومنذ تغييب مؤسسها ياسر عرفات، شهدت تفسخا في معنى ومبنى الوطنية ومشتركاتها الجامعة.

قرار ترامب استراتيجي عميق الدلالة، فهو حصيلة قراءات يمينية متطرفة صدرت في بعض مراكز الدراسات في الولايات المتحدة والغرب ومواقع القرار في الإدارات المتعاقبة بعد تفجيرات 11 سبتمبر 2001

مفاعيل القرار الأميركي

يدرك العقل الأميركي العميق الذي يقف خلف القرار بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل والمبادرة الموعودة للتسوية، أن أيا من الأطراف الدولية والإقليمية بإمكانه تحمل كلفة مواجهة مشروع التصفية النهائية للقضية الفلسطينية، أو قيادة عملية سلام وصلت نهايتها المتفق عليها دوليا أواخر العام 1999، تلك التي افترضت قيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، والمعادلة الداخلية في إسرائيل لا تفضي في المدى المنظور سوى معادلة “ولا شبر تنازل على الأرض للفلسطينيين، ولا دولة ثانية بين البحر والنهر”.

جاءت الهدية الأميركية لتعزز تيار التطرف اليميني الديني والقومي الذي يحتل نحو ثلثي مقاعد البرلمان والحكومة. كما أن المراهنة على استبعاد واشنطن من دورها الحاسم في إدارة تسوية متعثرة لصالح المجموعة الأوروبية أو روسيا يبقى في دائرة الأمنيات غير الواقعية في المدى القريب، خاصة مع تهميش الدور الفاعل للمنظمة الدولية، وصعوبة اتخاذ قرار يخصّ أيّا من النزاعات الدولية بفعل قصور آليات اتخاذ القرارات في مجلس الأمن.

كما أن الدول الطامحة إلى لعب أدوار كبرى إلى جانب الولايات المتحدة متورطة في نزاعات خارجية وداخلية تمنعها من دفع كلفة قيادة عالمية فاعلة، وأقصى ما يمكنها فعله أو تأمله في الوقت الراهن هو المشاركة مع الولايات المتحدة للتدخل في بعض النزاعات، المثال الروسي في الحرب على الإرهاب في سوريا والعراق ودول الناتو في الحرب على ليبيا.

بسبب هذه القناعة المؤسسة على واقع وحال الوضعين الدولي والإقليمي، تضرب الولايات المتحدة وبقوة على عصب المسلمات التاريخية والثقافية الحساسة دون تردد أو اعتبار لدول الاعتدال العربي والإسلامي، ولم تلتفت إلى صرخات الليبراليين من النخبة السياسية والأكاديمية والدبلوماسية الأميركية ومواقف السفراء السابقين في إسرائيل الذين حذروا إدارة ترامب من هذه المجازفة الخطرة التي تنسف جهود سبعة عقود من السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط.

واشنطن تتخلى اليوم عن دور الوسيط، بل وتحسم نفسها طرفا يسعى بكل أدوات القوة لفرض حل قسري لصالح طرف واحد. هذا الحل يلغي الأساس القانوني المكرس بقرارات دولية بما فيها قرار التقسيم 181 في نوفمبر 1947، أو ما يتعلق بالقدس وقيام دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967 وينهي قضية اللاجئين وكل القرارات التي تضمن حق العودة والتعويض، ويقترح كيانا لا تواصل سياديا له ولا سيطرة له على الحدود والأمن.

وإذا ما ألحق قراره الكارثي حول القدس وطرح مشروعه للتسوية بالسياق المتداول بعنوان “صفقة القرن”، فإن الرئيس ترامب وإدارته يحكمان على القيادة الفلسطينية الحالية بالموت السياسي والوطني إذ لم يتركا خيارا لها غير الاختفاء النهائي من المشهد.

كما أن هذا القرار من شأنه إحراج الأنظمة العربية المعتدلة وفرملة التحولات الداخلية، التي كانت مطلبا أميركيا قبل عام ثمنا لحمايتها في مواجهة المخاطر الخارجية والإيرانية تحديدا، وسيدفع غالبية هذه الأنظمة إلى الحذر والانغلاق وتخفيض سقف الحريات العامة لحماية استقرارها.

التداعيات المحتملة

من التداعيات المباشرة المحتملة للاندفاعة الأميركية في الشرق الأوسط باتجاه فرض وقائع نهائية للقضية الفلسطينية والعبث بقضية القدس ذات الحساسية الدينية والثقافية أنها ستحدث صدمة أو كيا للوعي الفلسطيني والعربي لا يقل خطورة عن إقامة دولة إسرائيل عام 1947، لكن الحالة الفلسطينية والعربية تفتقر إلى روافع سياسية وفكرية وتنظيمية في الوقت الراهن، تمكنها من المواجهة، أو تأمين مشروعية وقدرة على استعادة دور قيادي يلقى قبولا من الشارع، والتقديرات الأولية في المدى المنظور، أن قوى جديدة/ قديمة ستسعى لالتقاط الفرصة وملء الفراغ الذي أحدثه الزلزال المقصود، ففي الإقليم تبدو إيران وتركيا وإسرائيل هي الأطراف المرشحة للتعاطي مع تداعيات السياسة الأميركية الجديدة وحماية مصالحها والمجال الحيوي لأمنها القومي، وهناك ما يغري ويستدعي هذا الدور للأطراف الثلاثة، باستمرار الحرب الأهلية والفوضى وانهيار الدولة في عدد من البلدان، أو صيغ دولاتية هشة لا تمتلك مشروعا قوميا للمنطقة في عدد من البلدان، وانهيار منظومة الأمن والدفاع القومي الموحد، ومعها الدور الهزيل للجامعة العربية وعجزها عن تأمين الحد الأدنى من الفاعلية في حل أيّ من النزاعات العربية الداخلية.

وعلى الجانب الآخر، فإن الحالة العربية والفلسطينية الراهنة تستدعي أيضا قوى راديكالية متطرفة في الشرق الأوسط ستشتغل جاهدة لإعادة إنتاج ذاتها بعد الضربات التي تلقتها في العراق وسوريا من بوابة الأقصى ومدينة القدس والقضية الفلسطينية، ومن غير المستبعد أن تجد السلفيات الجهادية المختلفة حلفاء جدد في بعض التيارات القومية واليسارية العربية، وربما تجد استقطابا إحيائيا للحالة الإخوانية الراكدة مؤقتا بفعل الظروف المحيطة بها، والتي تتشارك في النقمة على الأنظمة والعداء لأميركا، ما يعني إعادة إنتاج حالة الفوضى والاضطراب في الشرق الأوسط، وتهديد ما تبقى من الدول العربية وإشغالها في حروب داخلية وذات طابع ديني متطرف يستمر لسنوات طويلة.

وتذهب بعض التقديرات إلى أن هذا بالضبط أحد أهداف القرار الأميركي الذي استهدف القدس بكل ما تحمله من أبعاد دينية وقومية، فهي المدخل لإعادة إنتاج ما يعرف بالحرب على الإرهاب والتي قدر وزير الدفاع السابق ليون بانيتا (اكتوبر2014) بأنها قد تستمر لثلاثين عاما قادمة.

كان الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية أحد الموضوعات التي استند إليها الجهاديون لترويج سردية الضحية الإسلامية، ضد الغرب الاستعماري “الكافر”. لهذا، تعاملت فروع القاعدة والحركات الإسلامية شيعية وسنية في جميع أنحاء العالم مع القرار الأميركي حول القدس باعتباره “حربا على الإسلام”.

أما تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) فاختار مهاجمة الحركات الإسلامية الأخرى”التي تتاجر بالقضية الفلسطينية خدمة لأجنداتها الخاصة”، وبحسب بيان داعش فإن “التركيز يجب أن يكون بدلا من ذلك بالعمل الجاد على هزيمة الدول العربية التي تحيط بإسرائيل، كالسوار بالمعصم وتحمي اليهود من ضربات المجاهدين”.

الحالة الفلسطينية والعربية تفتقر إلى روافع سياسية وفكرية وتنظيمية في الوقت الراهن تمكنها من المواجهة، أو تأمين مشروعية وقدرة على استعادة دور قيادي يلقى قبولا من الشارع

من التداعيات الأخرى المحتملة للقرار الأميركي، إضعاف الدول العربية المركزية المعتدلة وخاصة السعودية، التي قدمت الخطوة الأميركية زادا إضافيا لخصمها اللدود إيران، وستصبح دول الاعتدال العربي الهدف الأول لتيارات التطرف والتخوين ولن تسلم منها تيارات العقلانية والواقعية في العالم العربي التي ستشهد انكفاء وتراجعا في دورها ومكانتها في المنطقة العربية المتراجع أصلا.

ولا تستبعد بعض التقديرات الغربية أن تشكل هذه الصدمة الأميركية لحلفائها في المنطقة تباطؤ عمليات التحديث والتنمية ودمقرطة الحياة السياسية والاجتماعية، وإعادة استدعاء التيارات الدينية، لتكون سندا وداعما للأنظمة في وجه المتغيرات الجديدة ومنافسة خطاب الجوار التركي- السني، والإيراني- الشيعي وامتداداتها السياسية والمذهبية.

إن حالة الفوضى غير الخلاقة المتوقعة في الشرق الأوسط وحالة الاستقطاب الحاد على أساس ديني وقومي، من شأنها إشعال الأضواء في العواصم الأوروبية، التي ستكون الأقرب إلى تداعيات هذه الفوضى، بموجات الهجرة والإرهاب، ما يعطي دفعا للتيارات القومية المتطرفة في أوروبا والداعية إلى الانعزال ورفض الهجرة للمهاجرين من الشرق الأوسط والبلدان الإسلامية، وتراجع قوى العولمة والاعتدال، وتكشف ردود فعل العواصم الأوروبية الرئيسية منفردة ومجتمعة، الرافضة لقرار الإدارة الأميركية، استشعارا بالمخاطر التي يحملها على القارة والسلم والاستقرار الدوليين.

الموقف الفلسطيني

على الرغم من حالة الضعف والانقسام الفلسطيني وهزال السلطة وعزلتها شعبيا، إلا أنها لا زالت تشكل رافعة أساسية لحالة استنهاض عربي ودولي، فهي في وضع لا تحسد عليه، إذ عليها الرد سياسيا على اقتراح شطبها ومعها الحقوق الفلسطينية الثابتة دون التخلي عن دورها كممثل شرعي للفلسطينيين، في مناطق سيطرتها على الأقل، وفي ذات الوقت مواجهة الضغوط الشعبية التي تطالب القيادة بالاستقالة من دورها و”تسليم مفاتيح السلطة للاحتلال ليتحمل مسؤولياته”، وهي فكرة ساذجة ترددها قوى على هامش العملية السياسية أو قوى إسلامية وجهادية تعتقد أن ذلك قد يوفر بيئة ثورية والتحاما مباشرا بين الشعب والاحتلال، باعتبار أن “فكرة الثورة والمقاومة مفتوحة نحو السماء ولا يرتبط نجاحها بظروف موضوعية وبيئة إقليمية ودولية تدعمها”.

لا تملك السلطة الفلسطينية من خيارات واقعية غير التمسك بحل الدولتين باعتباره المخرج الوحيد المتاح في الوقت الراهن لمأزق الصراع التاريخي بين الشعب الفلسطيني ودولة الاحتلال، وهو الحل الذي يمتلك أساسا قانونيا ودعما إقليميا ودوليا، لأن البدائل الأخرى (حل الدولة الواحدة أو دولة ثنائية القومية) تحتاج إلى سياقات أخرى في البيئة الدولية والإقليمية.

بمعنى آخر، مغادرة مسار السلام بصيغته الراهنة بعد استقالة الراعي الأميركي لصالح صيغة جديدة لا ندعي أن لديها أفقا للنجاح بقدر ما هي في أحسن الأحوال مناورة لاستثمار الوضع الإقليمي والدولي ليشكل عامل إعاقة للاندفاعة الأميركية- الإسرائيلية التصفوية للقضية الفلسطينية.

لأن المواقف الانفعالية والمستقيلة من دورها، من شأنها تسهيل القفز عن أي تمثيل حقيقي للفلسطينيين لصالح هياكل وأطر سيترحم الفلسطينيون معها على روابط القرى وسيضطرون يوما ما إلى إعادة الاعتبار لمؤسسي تلك الروابط الذين نعتهم الفلسطينيون بالخيانة في حينه.

إن التمسك بالمسار السياسي والسلمي للصراع من شأنه المحافظة على الحد الأدنى من قوة الدفع والتماسك في المواقف العربية والدولية لأن لا خيارات وبدائل أمامها. وقد يكون من الأهمية بمكان إعادة طرح صيغة مؤتمر دولي تحت مظلة الأمم المتحدة وقراراتها الناظمة، بعد تدمير الإدارة الأميركية أسس عملية السلام، وهو فرصة للطرف الفلسطيني للتحلل من اتفاقات أوسلو التي أنهت عملية السلام عام 2000، والتي وفرت الأرضية لتدمير عناصر القوة الفلسطينية، وسمح للاحتلال بالتوسع في الاستيطان في الأراضي الفلسطينية وتهويد القدس.

بعد الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة للدولة اليهودية، يمكن للفلسطينيين العمل الواقعي لتصويب عملية السلام والمفاوضات بالعودة إلى المبادئ الأساسية وهي العدالة والمساواة وحق تقرير المصير وهي المبادئ التي باتت جزءا أساسيا من ثقافة العصر، ولا يمكن العبث بها.

ولعل البند الرئيسي في اتفاقات أوسلو باعتراف منظمة التحرير بدولة إسرائيل بات اليوم موضع مراجعة جوهرية ومشروعة، لوضع الاعتراف في سياقه الصحيح، اعتراف دولة مقابل دولة واقتسام القدس كعاصمة لكيانين.

هل يمكن القول إن عوامل النجاح في وقف الاندفاعة الأميركية ممكنة موضوعيا، خاصة وأن طرفي الانقسام فتح وحماس، لديهما من الدوافع والأسباب للدفاع عن بقائهما كقوى أساسية في المشهد الفلسطيني، وكلاهما يعيش اليوم أزمة بنيوية وسياسية خانقة، تجبره على تجاوز التحفظات السابقة على مسار المصالحة والدخول في تسويات تشمل الإطار القيادي الموحد وإعادة بناء المنظور السياسي على أسس جديدة.

لكن ذلك مرهون باستمرار الهبة الشعبية الشاملة في الأراضي المحتلة، لأطول فترة ممكنة، بما يمنع طغمة الفساد من إعادة إنتاج مسار يتواءم مع المناورات الجديدة للإدارة الأميركية ومعها إسرائيل، التي ستدفع بمجموعة من الاقتراحات التي تسهل حياة المقدسيين وتنعش الاقتصاد في الضفة الغربية.

من شأن تماسك الموقف الفلسطيني ووحدة قواه السياسية والاجتماعية والإجماع الذي تحقق على ضرورة استنهاض الموقف الفلسطيني الموحد، مهما كانت كلفته باهظة، أن يشكلا الرافعة الأساسية لاستنهاض الموقف العربي الرسمي والشعبي لجهة وقف حالة الانهيار في النظام العربي والتي لن تتوقف بخروج دول أساسية ( العراق وسوريا واليمن وليبيا) من الفاعلية السياسية، والإرهاب الذي تعاني منه مصر، وكذلك الأزمة الخليجية.

إن استعادة الدور الفلسطيني الفاعل والنشط هو الأساس الذي يمكنه عرقلة مشروع القوى الإرهابية والراديكاليات بكل تعبيراتها من أخذ زمام المبادرة، في أكثر من منطقة بما فيها المناطق الفلسطينية المحتلة، فالعودة إلى استراتيجية الحرب على الإرهاب من هذا المدخل، هو الهدف الرئيسي للمشروع الإسرائيلي الأميركي.

إعادة صياغة الموقف والبرنامج الفلسطيني الموحد بعيدا عن اتفاقات أوسلو، والمؤسس على قرارات الشرعية الدولية وتحت مظلة الأمم المتحدة، ليس مصلحة فلسطينية فقط، وإنما هو الرافعة للمساعدة في موقف عربي يستعيد قواسم الحد الأدنى.

ومن شأن المساهمة في استعادة تماسك الموقف الفلسطيني والعربي حرمان قوى التطرف والإرهاب والطامحين الإقليميين من موطئ قدم، مدخله البوابة الفلسطينية والأقصى والقدس على وجه التحديد. فالانزلاق إلى العنف المسلح هو الغاية الإسرائيلية الأولى، فيما الاحتجاج المدني السلمي من شأنه إبقاء ديمومة التحرك العربي والدولي، وحشر تل أبيب وواشنطن في الزاوية الصعبة، وإجبارهما على الرضوخ لحل شامل ومقبول.

محمد مشارقة

صحيفة العرب اللندنية