“نحن لا نعلم بالضبط أين نحن من العالم عسكريا وماذا نفعل”، هكذا قال السيناتور ليندسي غراهام، العضو في لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ في أكتوبر الماضي، على إثر وفاة أربعة أفراد من القوات الخاصة في النيجر في غرب أفريقيا وهم بصدد القتال.
عبر غراهام وأعضاء آخرون في مجلس الشيوخ عن شعورهم بالصدمة من نشر هذه القوات، بيد أن المد العالمي لأفضل قوات النخبة الأميركية هو في أحسن الحالات يبقى سرا مفتوحا.
في وقت سابق من هذا العام، وأمام اللجنة نفسها (بالرغم من أن غراهام لم يكن حاضرا) أعطى الجنرال ريموند توماس، رئيس قيادة العمليات الخاصة الأميركية (سوكوم) بعض الإشارات عن الامتداد في كافة أنحاء العالم للجنود الأميركيين من النخبة.
وقال متفاخرا “نعمل ونقاتل في كل ركن من أركان العالم بدلا من أن نكون مجرد قوة طوارئ في حالة الحرب، نحن الآن في اشتباك استباقي في فضاء المعركة… مقدمين قدرات أساسية لمساندة حملاتهم وعملياتهم”.
ونُشرت قوات العمليات الخاصة العام الجاري، بما في ذلك قوات سيلز البحرية والقبعات الخضراء العسكرية في 149 بلدا في كافة أنحاء العالم، حسب أرقام قدمتها قيادة العمليات الخاصة.
ويمثل ذلك بنسبة 75 بالمئة من البلدان في العالم ويعد قفزة من 138 بلدا شهدت عمليات النشر تلك في سنة 2016 في رئاسة أوباما.
ويمثل أيضا قفزة بقرابة 150 بالمئة من آخر أيام إدارة جورج بوش. هذا العدد القياسي لعمليات الانتشار يأتي في الوقت الذي يقاتل فيه الكوماندوز الأميركي المجموعات الإرهابية، فيما يشبه الحروب التي تمتد من أفريقيا إلى الشرق الأوسط إلى آسيا.
ويعلق ويليام هارتونغ، مدير مشروع الأسلحة والأمن في مركز السياسات الدولية على الموضوع بالقول “سيذهل أغلب الأميركيين عندما يعلمون أن القوات الخاصة الأميركية نشرت في ثلاثة أرباع البلدان في المعمورة. هناك قدر ضئيل أو منعدم من الشفافية في ما يتعلق بما تفعل في هذه البلدان وهل أن جهودها تعزز الأمن أو تتسبب في المزيد من التوتر والصراع”.
فرص النمو
“منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 رفعنا من حجم قواتنا بقرابة 75 بالمئة من أجل الاضطلاع بمجموعات من المهام التي من المرجح أن تدوم”، هذا ما قاله روموند توماس للجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ في مايو الماضي.
في الواقع، منذ سنة 2001 نمت نشاطات القوات الخاصة الأميركية من ناحية تنسيق العمليات إلى امتدادها الجغرافي بكل الطرق المتصورة، ففي أي يوم يتم نشر 8000 جندي من القوات الخاصة (من مجموع يناهز 70 ألفا) في حوالي 80 بلدا.
يقول هارتونغ لموقع توم.ديسباتش “الزيادة في استعمال القوات الخاصة منذ الحادي عشر من سبتمبر كانت جزءا مما كان يسمى وقتها ‘الحرب العالمية على الإرهاب’ كطريقة للحفاظ على نشاط الولايات المتحدة من الناحية العسكرية في مناطق خارج حربيها الأساسيتين، أي العراق وأفغانستان”.
ويضيف “الاعتماد الأثقل على القوات الخاصة أثناء سنوات أوباما كان جزءا من خطة استراتيجية أرى أنها حرب مستدامة سياسيا جرى فيها استبدال عملية نشر عشرات الآلاف من الجنود في عدد قليل من الأماكن ‘ببصمة أخف’ في عدد أكبر من الأماكن، وذلك باستعمال طائرات دون طيار ومبيعات أسلحة وتدريبات وقوات خاصة”.
وقد هاجمت إدارة ترامب إرث أوباما على كل الجبهات تقريبا، وقامت بتقويض أو رفض العديد من إجراءاته من المعاهدات التجارية إلى القوانين المالية والبيئية، وصولا إلى قوانين تحمي العاملين المثليين من التمييز في أماكن العمل.
لكن في ما يتعلق بقوات العمليات الخاصة تبنت إدارة ترامب استعمال هذه القوات بنفس أسلوب الرئيس السابق ودعمتها بل راهنت عليها.
ومنح ترامب القادة العسكريين سلطة أكبر لإطلاق هجمات في مناطق شبه حرب مثل اليمن والصومال. وحسب ميكه زنكو، الخبير في الأمن القومي وباحث كبير في مؤسسة التفكير شاتام هاوس، نفذت هذه القوات مهمات قتال في محاربة الإرهاب في مثل هذه البلدان خلال الأشهر الستة الأولى من فترة ترامب بخمسة أضعاف مقارنة بالأشهر الستة الأخيرة.
دور القوات الخاصة
يختص الكوماندوز الأميركي بـ12 مهارة جوهرية تمتد من “الأعمال الحربية غير التقليدية” (مما يساعد على إيقاد حركات التمرد وتغيير الأنظمة) إلى “الدفاع الداخلي الأجنبي” (دعم جهود الحلفاء في حماية أنفسهم من الإرهاب وحركات التمرد والانقلابات). أما في ما يخص محاربة الإرهاب (أو ما تسميه سوكوم التنظيمات المتطرفة العنيفة) فهي الاختصاص الذي أصبح يعرف به الكوماندوز الأميركي أكثر من غيره منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
وفي ربيع سنة 2002 وأمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ دعا الجنرال الرئيسي في سوكوم شارلز هولند إلى تأييد الجهود من أجل “تحسين قدرات القوات الخاصة لمتابعة الأعمال الحربية غير التقليدية وبرامج الدفاع الداخلية الأجنبية لمساندة الأصدقاء والحلفاء بشكل أفضل”.
ويقول إن “قيمة هذه البرامج التي ثبتت في الحملة الأفغانية يمكن أن تكون مفيدة بشكل خاص في استقرار بلدان ومناطق معرضة لتسلل الإرهابيين”.
بيد أنه في العقد والنصف الأخير لا تكاد توجد أدلة على أن الكوماندوز الأميركي تميز في “إرساء الأمن في بلدان ومناطق معرضة لتسلل الإرهابيين”.
وهذا كان له صدى في شهادة الجنرال توماس في مايو الماضي أمام لجنة القوات المسلحة حيث فسر بقوله “يبقى التهديد الذي تطرحه التنظيمات المتطرفة الأولوية القصوى بالنسبة إلى سوكوم سواء من ناحية التركيز أو المجهود”.
لكن خلافا لهولاند الذي ركز على بلد واحد (أفغانستان) حيث كان أفراد القوات الخاصة يقاتلون مسلحين في سنة 2002، قدم
توماس قائمة كاملة من الأماكن الساخنة التي تقض مضجع الكوماندوز الأميركي بعد
عقد ونصف العقد. ويشير إلى أن “قوات العمليات الخاصة هي المجهود الرئيسي، أو المجهود الأكبر الداعم للعمليات المركزة على التنظيمات المتطرفة في أفغانستان وسوريا والعراق واليمن والصومال وليبيا وعلى امتداد الساحل الأفريقي والفلبين وأميركا الوسطى والجنوبية، وأساسا في كل مكان توجد فيه القاعدة والدولة الإسلامية”.
ويوجد حوالي 5300 جندي أميركي في العراق حسب أرقام رسمية ومرجح أن يكون العدد أعلى، وعدد مهم منهم أفراد من القوات الخاصة يدربون ويقدمون الاستشارة لقوات الحكومة العراقية والجنود الأكراد. وتجدر الإشارة إلى أن قوات النخبة الأميركية لعبت دورا حاسما في الهجوم الأخير على مقاتلين تابعين للدولة الإسلامية بتوفير الدعم بالمدفعية والقوة الجوية.
وفي تلك الحملة تم “الزج بالقوات الخاصة في دور جديد ومنسق”، حسب ليندا روبنسون، المحللة الكبيرة للسياسات الدولية لدى مؤسسة راند وكانت قد قضت سبعة أسابيع في العراق وسوريا والبلدان المجاورة في وقت سابق هذا العام.
وقالت روبنسون “هذا الدعم بنيران الأسلحة يكتسب المزيد من الأهمية بالنسبة إلى القوات الديمقراطية السورية، وهي قوة غير نظامية مسلحة بشكل خفيف وتمثل أهم قوة برية تقاتل داعش في سوريا”.
وفي الحقيقة لعبت قوات العمليات الخاصة كذلك دورا أساسيا في المجهود الحربي في سوريا. وفي حين أن أفرادا من الكوماندوز الأميركي قُتلوا في المعارك هناك، كان للوكلاء الأكراد والعرب (المعروفين باسم القوات الديمقراطية السورية) نصيب الأسد في القتال والموت لاسترجاع الكثير من الأراضي التي كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية.
خلال الحرب ضد داعش في سوريا، تحدث الجنرال توماس عن ذلك بعبارات صريحة بشكل مدهش في مؤتمر أمني في أسبين من ولاية كولورادو هذا الصيف، حيث قال “نحن حاليا وسط عاصمة الخلافة في الرقة. سنستعيدها قريبا مع وكلائنا، وهي قوة بديلة تتكون من 50 ألف فرد يعملون لفائدتنا وينفذون تعليماتنا. إذا سنتان ونصف السنة من خوض هذه المعركة مع وكلائنا، خسروا الآلاف، وخسرنا عنصرين فقط. اثنان كثير، لكن كما تعرفون، مما يبعث على الارتياح أننا لم نتكبد النوع من الخسائر التي تكبدناها في أماكن أخرى”.
وهذا العام قتل أفراد من القوات الخاصة في العراق وسوريا وأفغانستان واليمن والصومال والنيجر ومالي. وفي ليبيا اختطفت فرقة سيلز من القوات الخاصة مشتبها به في هجمات بنغازي لسنة 2012 التي قتل فيها أربعة أميركيين بما في ذلك السفير كريستوفر ستيفنس. وفي الفلبين انضمت القوات الخاصة الأميركية إلى المعركة الجارية منذ أشهر لاستعادة مدينة مراوي بعد أن استحوذ عليها المقاتلون الإسلاميون في وقت سابق من هذا العام.
وحتى هذه القائمة الطويلة من الأماكن الساخنة في الحرب على الإرهاب ليست إلا جزءا صغيرا من القصة.
وفي أفريقيا ليست البلدان التي ذكرها توماس (وهي الصومال وليبيا وبلدان الساحل) إلا حفنة من البلدان التي نشر فيها الكوماندوز الأميركي في سنة 2017، إذ عملت القوات الخاصة الأميركية في 33 بلدا على الأقل في كافة أنحاء القارة مع تركيز الجنود بشكل مكثف داخل وحول بلدان تأوي الآن عددا متزايدا مما يسميه مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية التابع للبنتاغون “تنظيمات إسلامية مقاتلة نشطة”.
كذلك تكشف معطيات قدمتها سوكوم حضورا للعمليات الخاصة في 33 بلدا أوروبيا هذا العام، حيث يقول الرائد مايكل وايسمان، المتحدث باسم قيادة العمليات الخاصة الأميركية في أوروبا “باستثناء روسيا وروسيا البيضاء، نتدرب تقريبا مع كل بلد في أوروبا سواء بشكل ثنائي أو عن طريق عدة أحداث متعددة الجنسيات”.
وتعد آسيا هي الأخرى منطقة شديدة الأهمية بالنسبة إلى القوات الخاصة الأميركية. إضافة إلى إيران وروسيا، ميز توماس الصين وكوريا الشمالية باعتبارهما بلدين “يزدادان عدوانية في تحدي مصالح الولايات المتحدة وشركائها من خلال استخدام الوسائل غير المتناظرة التي كثيرا ما تكون أدنى من عتبة الصراع التقليدي”.
وتابع ليقول إن “قدرة قواتنا الخاصة على تنفيذ عمليات حربية خاصة في بيئات سياسية حساسة تجعلها مناسبة جدا لمجابهة الأنشطة الخبيثة لخصومنا في هذا المجال”.
آسيا تعد منطقة شديدة الأهمية بالنسبة إلى القوات الخاصة الأميركية، إضافة إلى إيران وروسيا
المزيد من أجل الحرب
الارتفاع المطرد لأعداد أفراد القوات الخاصة ومهامها وعمليات نشر الجنود في الخارج منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر يبدو أنه لن ينتهي على الرغم من سنوات من المخاوف التي راودت خبراء مجموعات التفكير والمساندين للقوات الخاصة حول آثار ارتفاع نسق مثل هذه العمليات على هؤلاء الجنود.
ويرد الجنرال توماس على هذه المخاوف بالقول “أغلب وحدات العمليات الخاصة تشتغل إلى الحدود التي يمكن تحملها. وعلى الرغم من تزايد الطلب على قوات العمليات الخاصة يجب أن نعطي الأولوية لتوفير الإمدادات لهذه الطلبات ونحن نواجه بيئة أمنية متغيرة بسرعة”. ومع ذلك ارتفع عدد الانتشارات إلى رقم قياسي وصل إلى 149 بلدا في سنة 2017. (خلال رئاسة أوباما وصل العدد إلى 147 بلدا في سنة 2015).
في مؤتمر انعقد مؤخرا حول العمليات الخاصة في واشنطن العاصمة أقر أعضاء منفذون في لجنتي القوات المسلحة في مجلس الشيوخ ومجلس النواب بوجود إجهاد متزايد على هذه القوة. وكان الحل الذي اقترحه بعض أعضاء الكونغرس والمحاربين القدامى هو زيادة عدد أفراد وموارد هذه القوات.
وتأتي هذه الرغبة في توسيع العمليات الخاصة أكثر في وقت يستمر فيه أعضاء من مجلس الشيوخ مثل ليندسي غراهام في الإقرار بأنهم لا يعرفون مكان نشر هذه القوات الخاصة وماذا تفعل بالضبط في زوايا بعيدة من العالم. ويشير الخبراء إلى مدى خطورة المزيد من التوسع نظرا لانتشار التنظيمات الإرهابية ومناطق المعارك منذ الحادي عشر من سبتمبر ومخاطر ردات الفعل العكسية نتيجة لمهام القوات الخاصة السرية.
وهنا يعلق ويليام هارتونغ بقوله “بطبيعتها من الصعب تقفي العدد المذهل لعمليات الانتشار التي تقوم بها قوات العمليات الخاصة الأميركية في السنوات الأخيرة. لكن يبدو أن عددا قليلا جدا من الأشخاص في الكونغرس يبذلون مجهودا. وهذا خطأ فادح إذا كان المرء مهتما بكبح الاستراتيجية العسكرية الأميركية الممتدة في كافة أنحاء العالم للفترة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر، وهي استراتيجية مضارها أكثر من منافعها ولم تنجح في الحد من الإرهاب”.
لكن مع ارتفاع عمليات الانتشار للقوات الخاصة إلى أعلى من مستويات إدارتي بوش وأوباما لتصل إلى أرقام قياسية وتبنّي إدارة ترامب لاستخدام الكوماندوز في دول تشهد حروبا مثل الصومال واليمن، يبدو أنه لا يكاد يوجد اهتمام يذكر في البيت الأبيض بكبح جماح الامتداد الجغرافي للفرق العسكرية الأميركية.
وحسب الخبراء قد تكون له تبعات وخيمة، حيث يقول هارتونغ إن “انسحاب البيت الأبيض من الحروب الكبرى مثل تدخل إدارة بوش في العراق أمر مرحب به، فإن انتشار القوات الخاصة بديل خطير نظرا لإمكانية المزيد من توريط الولايات المتحدة في صراعات خارجية معقدة”.
نك تورس
صحيفة العرب اللندنية