اثنى رئيس الوزراء حيدر العبادي على العمل المتواصل بالتعاون مع الأمم المتحدة لإغلاق ملف الفصل السابع، مشيرا إلى أن حكومته تؤيد المساعي الأممية لملاحقة “الإرهابيين” ومعاقبتهم.
واضاف العبادي ان العراق يواجه “تحديات كبيرة في محاربة الفساد الذي لا يقل خطورة عن الإرهاب، مؤكدا ان العراق يستطيع تحقيق الاستقرار السياسي وتفعيل الحوارات لحل المشاكل بإرادة حقيقية وجادة من لدن السياسيين، لكي يوفر أرضية تطمئن لها الشركات العالمية”.
وكان مجلس الامن فرض عام 1990 حصاراً على العراق، بسبب اجتياح العراق للكويت ووضعه تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وفرض بموجبه على العراق دفع تعويضات إلى الكويت تزيد على خمسين مليار دولار.
فأصدر مجلس الأمن، في نيسان 1995، القرار رقم 986، الذي يتضمن صيغة النفط مقابل الغذاء، الذي كان يسمح للعراق بتصدير جزء محدّد من نفطه، ليستفيد من عائداته في شراء الاحتياجات الإنسانية لشعبه، تحت إشراف الأمم المتحدة.
ومن أسباب تأجيل قرار خروج العراق من الفصل السابع استمراره بدفع تعويضات إلى الكويت تزيد على خمسين مليار دولار عن أضرار الغزو.
وفي 9/12/2017 قرر مجلس الأمن الدولي بالإجماع على إخراج العراق من الفصل السابع بعد تنفيذه الالتزامات المطلوبة منه، وكانت البلاد ترزح تحت وطأة الفصل السابع في إطار عقوبات أممية فرضت عليها بعد غزو الكويت في العام 1990.
وذكرت الخارجية العراقية في بيان لها أن بعثة العراق لدى الأمم المتحدة أجرت مشاورات مع الولايات المتحدة لإصدار قرار باعتماد مجلس الأمن للقرار 2390/2017 بالإجماع.
وقد نفذ الطرفان (العراق والأمم المتحدة) التدابير المفروضة وفق أحكام الفصل السابع بموجب القرارين 1958 عام 2010، والقرار 2335 عام 2016.
ولا يزال على العراق دفع 4.6 مليارات دولار لإنهاء ملف التعويضات نهائيا مع الكويت، التي جرى تأجيل الدفع منذ العام 2014 بناء على طلب بغداد نظرا للأزمة الاقتصادية التي يعانيها العراق.
ويعد الخروج من الفصل السابع خطوة مهمة لاستعادة العراق وضعه الطبيعي ومكانته الدولية، إذ يؤكد انتهاء التزامات العراق وفق الفصل السابع بخصوص برنامج النفط مقابل الغذاء بعد أن تم تنفيذها بشكل كامل.
يرى الخبير الاقتصادي والمستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح ان الخروج من الفصل السابع بوفر فرصاً مشجّعة للاستثمار الأجنبي في العراق بعد أكثـر من أربعين عاماً من نزاعات كبيرة ادت الى التراجع في التنمية الاقتصادية وغيرها من مناحي الحياة، وسيطلق أموالاً محتجزة ومجمّدة لدى الأمم المتحدة ودول ومنظمات دولية.
ويبيّن صالح ، أنّ المبلغ المتبقي للعراق لدى الأمم المتحدة بعد خروجه من الفصل السابع بحدود 3 مليارات دولار، والذي يضيف أموالاً للخزينة العراقية.
ويوضح ان خروج العراق الكامل من هذا الفصل، يعني قدرته على استيراد التكنولوجيا اللازمة للتنمية الاقتصادية في البلد وهو أمر غاية في الأهمية، اذ كان يحظر عليه استيراد التكنولوجيا الحديثة بما فيها اجهزة طب الاسنان.
ويؤكد أن انتقال العراق من الفصل السابع من الذي يبيح استخدام القوة ضد بلادنا في فضّ المنازعات مع الأمم الى الفصل السادس الذي يرى في العراق دولة محبّة للسلام وتحل نزاعاتها مع الأمم بالطرق السلمية، هو إشارة ايجابية لعودة العراق الكاملة بالتفاعل مع المجتمع الدولي وتوفير فرص مشجّعة لمناخ الاستثمار الاجنبي في البلاد، ولاسيما في مرحلة ما بعد مؤتمر الكويت للمانحين في إعادة اعمار العراق والاستثمار فيه.
ويقول صالح ان العراق المقبل هو عراق السلام والإعمار، الذي قضى أكثر من اربعين عاماً من النزاعات والصراعات والتراجع في التنمية الاقتصادية والتقدّم.
ويشير صالح اطلاق الأموال المجمّدة لحساب صندوق تنمية العراق بموجب قرار مجلس الأمن ١٤٨٣ في أيار ٢٠٠٣، موضحا ان هنالك الكثير من المبالغ المحتجزة لدى الأمم المتحدة من برنامج النفط مقابل الغذاء وبقايا تكاليف فرق التفتيش، و مذكرة التفاهم التي ينبغي أن تسلّم الى خزينة الدولة العراقية، وأي أموال أخرى مازالت محتجزة أو مجمّدة لدى الدول أو المنظمات الدولية.
ويبين صالح أن قرار الخروج له آثار ايجابية كثيرة، مما ينعكس على انخفاض تكاليف التأمين والشحن بمختلف أشكاله من والى العراق ، لافتا الى إن الكثير من التكنولوجيا والتجهيزات المحرّمة على العراق ستزول، اضافة الى أن مناخ الاستثمار والتصنيف الائتماني للعراق سيتحسن الى درجة كبيرة، وستخف الضغوطات الخارجية عليه؛ مما يعزز موقفه الدولي في علاقاته الاقتصادية والمالية بشكل عام وارتفاع المناخ الاستثماري .
وتشير الفقرة الثانية من القرار المتعلّق ببرنامج النفط مقابل الغذاء الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته المعقودة في 8 كانون الثاني 2017، الى أن مجلس الأمن يرحّب بأن الأموال المتبقية في حساب الضمان المُنشأ عملاً بالفقرات 3-5 من قراره المرقم 1958 لسنة(2010) قد حُولت الى الحكومة العراقية وذلك عملاً بقرار مجلس الأمن المرقم 2335 لسنة (2016).
ويؤدي خروج العراق من الفصل السابع المتعلق بالنفط مقابل الغذاء الى واكد المستشار المالي لرئيس مجلس الوزراء، مظهر محمد صالح، أن خروج العراق من البند السابع ، جاء بعد ، بعد تنفيذه متطلبات مجلس الامن، والذي يعد اشارة طيبة ومشجعة للشركات والمستثمرين لدخول العراق”.
الكويت.. واليد الناعمة ضد العراق
اكد المحلل والمفكر السياسي العراقي غالب الشابندر، انه لا توجد دولة جوار ابتزت العراق مثل الكويت اذ تعمل بشكل علمي وناعم ودقيق، يشبه النهج البريطاني ، اذ تمتلك نقاط قوة ولا يمكن للعراق مواجهتها ، وتعتمد الكويت على عناصر تابعة لها من المافيات التي تروج للمخدرات في العراق وتشتري شخصيات مهمة للسيطرة على مفاصل في البصرة .
وقال ان دخول الكويت في العراق لم يكن عن طريق استثمارات او شركات ، بل عن طريق اشخاص ( حزبيين وغير حزبيين ) تعاملت معهم قبل الاحتلال الامريكي وبعده، مما يؤكد مسعى الكويت الحثيث من اجل ابقاء العراق ضعيفا اقتصاديا وعسكريا ، وان كانت ايران اربكت الوضع بأحزاب وضغوطات سياسية، فان الكويت اربكته بشكل عميق وكبير بالجانب الاستراتيجي ( النفط ) وخور عبد الله .
واوضح الشابندر، ان البصرة هي مفتاح العراق البحري؛ لذا قررت الكويت من خلال خور عبد الله خنق العراق ، ولم ياتي القرار من قوة الكويت بل من ضعف الشخصيات المهمة التي اشترتها الكويت، التي تستخدم السياسة الناعمة الذكية الخفية ضد العراق، وتجاوز الحدود العراقية، والحقول النفطية واهوار البصرة .
واشار الى ان خروج العراق من الفصل السابع الى السادس لا يعني خروج العراق من التزامات السابع بشكل مطلق ، لان هناك متعلقات وملفات مثل: الاعمار والمصالحة الوطنية ، والعلاقة بين بغداد واربيل، والسيولة النقدية والرواتب .
واشاد الشابندر، بالجهود المبذولة من قبل رئيس الوزراء حيدر العبادي في محاربة الفساد بكل اشكاله مؤكدا قدرته على ذلك لأسباب مهمة وجوهرية، ومنها: وجود آليات لتنفيذ خطته لإنقاذ العراق ، الذي ليس هو البلد الوحيد الذي يعاني الفساد الذي تؤيد المرجعية الدينية خطوات العبادي في محاربته وتلح على ذلك، بالإضافة الى ان العبادي يحظى بشعبية كبيرة، ودعم دولي، وتأييد النزيهين في القضاء والمؤيدين من رجال اعمال وسياسيين لرؤية العبادي في القضاء على الفساد.
ويرى القاضي وائل عبد اللطيف ، والذي كان محافظ البصرة، وعضو مجلس النواب ، ان خروج العراق من البند السابع لا يكون الا بشكل تدريجي ، كون كانت هناك خمسة ملفات كبيرة مفتوحة على العراق ، وهي:
– ملف المفقودين الذي تم اغلاقه.
– الارشيف الاميري، الذي تم اغلاقه.
– ملف الفساد للنفط مقابل الغذاء، الذي تورطت به شخصيات وزعماء وحتى رؤساء دول ، وتم رفع دعاوى ضد 95شركة ومؤسسة لكن العراق خسرها جميعا ، وتمت اعادة 152 مليون دولار ، ثم اغلق الملف.
– الملف الرابع حول الاسلحة المحظرة دوليا .
– الملف الخامس والاخير الذي مازال قائما، وهو التعويضات الكويتية، والذي يعد من اهم الملفات التي تساوم الكويت به من الناحية القانونية، والتي بقي منها 4,6 مليار دولار، بالإضافة الى المساومة على خور عبد الله، اذ تطالب الكويت في الخريطة النهائية لترسيم الحدود الحصول على خور عبد الله .
ويقول عبد اللطيف ان الحكومتين السابقتين اللتين سبقتا حكومة العبادي 2006- 2014 فرطتا بالأرض العراقية لصالح الكويت التي اخذت بالباطل حقولا نفطية عملاقة من العراق، اضافة الى قاعدة ام قصر البحرية ، وقرية ام قصر وخطا بريا طويلا يعد الخزين الاستراتيجي للنفط الخام العراقي مشيرا الى ان الكويت تطالب بالمرتسمات الاخيرة النهائية للحدود بين العراق والكويت ، التي تم الاتفاق عليها 2012 – 2013 .
ويؤكد الخبير في الشأن الاقتصادي، ماجد الصوري أن العراق اليوم وبمجرد خروجه الكامل من الفصل السابع يعني وجود رؤية تتيح للعراق استيراد التكنولوجيا اللازمة، والتعاون مع الدول الأخرى للحصول على هذه التكنولوجيا للتنمية الاجتماعية والاقتصادية في العراق، وهي مسألة في غاية الأهمية، اضافة الى ذلك، فإن المشكلة ليست في قرار خروج العراق من الفصل السابع، بل أن الأهم من ذلك هو ما حدث في العراق من مسألة القضاء على التنظيم الارهابي ” داعش” والانتصارات التي حققها، في وقت اعلانه الحرب على الفساد الإداري والمالي، وهي أمور ساهمت بدعم الموقف العراقي من أجل جذب الاستثمار مع الأمن والاستقرار، وستؤدي الى ازدهار العراق اقتصادياً ومالياً.
ويرى أستاذ الإدارة الاستراتيجية في جامعة بغداد علي الصيهود السوداني أن خروج العراق من البند السابع “حدث مهم لأنه سيحدث تطورا ونقلة نوعية على المستويات التكنولوجية والعلمية في جميع القطاعات الاقتصادية والبحثية والعلمية”.
و بين أن آفة الفساد تعيق هذا التوجه وتقوض الجهود الحثيثة المبذولة، مشيرا إلى أن النظام المالي والمصرفي في العراق قديم ويعاني تخلفا وتلكؤًا في إجراءاته و سبل تفاعله مع النظام المصرفي العالمي، مما يضيف عبئا على الاقتصاد العراقي.
وبين السوداني أن البند السابع ليس العامل الرئيس في عزوف المستثمر الأجنبي، بل غياب آليات الرقابة والتدقيق والحوكمة في المشاريع المنفذة أو قيد التنفيذ، إضافة إلى انتشار الفساد، داعيا الحكومة لتحصين القطاع المصرفي وتطويره ليصبح قادراً على توفير ضمانات مالية سهلة التداول، مضمونة ومسيطر عليها أمنياً من حيث ابتعادها عن تمويل الإرهاب بكل أشكاله.
ويرى الخبير الاقتصادي رائد الهاشمي أن خروج العراق من طائلة البند السابع يتطلب من الحكومة بذل المزيد لاستعادة ما فقده في السنوات الماضية نتيجة وضعه غير الطبيعي ضمن الأسرة الدولية، وأكد أن البلاد كانت ضمن قائمة الدول المشبوهة، مما جعل البنوك العالمية والشركات الدولية والمؤسسات العالمية تتردد في التعاون معها.
ويقول ان خروج العراق من الفصل السابع سيفتح امامه الأبواب في جميع المجالات، ومنها حرية المعاملات المصرفية، حيث كانت المصارف المحلية ممنوعة من إرسال الحوالات وافتتاح اعتمادات ومستندات شحن.
ويؤكد الخبراء ان الوضع السياسي المتخبط السائد في البلد والانشغال بالخلافات الكبيرة بين الكتل السياسية، وانتشار الفساد في معظم مفاصل مؤسسات الدولة، وخاصة الحلقات التي تمر بها العملية الاستثمارية، تقف عائقاً أمام توسع الاستثمار، مشيرين الى أن النتائج من خروج العراق من طائلة البند ستكون بطيئة، وتحتاج إلى تضافر الجهود بين وزارة الخارجية والوزارات الأخرى.
شذى خليل
باحثة في الوحدة الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية