عام «انتصارات» لروسيا وتوسيع لنفوذها في المنطقة

عام «انتصارات» لروسيا وتوسيع لنفوذها في المنطقة

إذا أمكن وصف مجريات عام 2017 بالنسبة إلى روسيا بعبارة واحدة، فهي «النصر في سورية وتعزيز مواقع موسكو عالمياً». هذه الجملة هي الأكثر تردداً في أحاديث الساسة والنواب الروس.

للتطورات الميدانية في سورية خلال العام أهمية كبرى على المستويَين الخارجي والداخلي، وشكّلت منعطفاً رئيساً كان الكرملين يحتاجه بشدة في هذا الوقت تحديداً، لأن تحقيق إنجازات كبرى في عام التحضير لاستحقاق انتخابات الرئاسة المرتقبة ربيع العام المقبل، ليس مرتبطاً فحسب بتعزيز النفوذ والتأثير الروسيَين إقليمياً ودولياً، بل بتهدئة المخاوف الداخلية من احتمال انزلاق روسيا إلى أفغانستان جديدة، أو إلى مواجهة واسعة وساخنة مع الولايات المتحدة.

بهذا المعنى كانت أمام الكرملين تحديات كبرى هذا العام، ووجب عليه أن يواجهها في ظروف صعبة، إذ فاقمت العقوبات الغربية والجمود الاقتصادي من تردي الأحوال المعيشية في روسيا، وزادت نسبة الفئات الأقل حظاً، والتي تقبع تحت خط الفقر، لتبلغ حوالى 20 مليون فرد، وفقاً لأرقام عرضتها أولغا غوديريتس، نائب رئيس الوزراء لشؤون الأسرة والمجتمع. والأسوأ أنها حذرت من أن جزءاً واسعاً من الفئات التي تُصنف ضمن «الطبقة الوسطى»، باتت مهددة بالانزلاق إلى ما دون خط الفقر، نتيجة التضخم وارتفاع الأسعار.

في هذه الظروف واجه الكرملين استحقاقاً داخلياً آخر، إذ عاد المزاج الاحتجاجي ليطلّ بقوة، بعد حملة تحريض واسعة ضد الفساد قادها الزعيم المعارض أليكسي نافالني الذي نشر تحقيقات مصوّرة حظيت بعشرات الملايين من المشاهدات، وتُظهر «ثروات سرية» على شكل عقارات وشركات ويخوت فاخرة، يملكها مقرّبون من الرئيس فلاديمير بوتين، بينهم رئيس الوزراء ديمتري مدفيديف.

والمشكلة الكبرى التي واجهت الكرملين تمثلت في انضمام عشرات الآلاف من فئات الشباب إلى الاحتجاجات، للمرة الأولى، ما دفع إلى دق ناقوس خطر، وإطلاق مشاريع سريعة لجذب الشباب بعدما «أهملتهم النخبة السياسية طويلاً»، كما لاحظ قيادي في حزب «روسيا الموحدة» الحاكم.

مع اقتراب نهاية العام، أظهر استطلاع رأي أعدّه «مركز دراسات الرأي العام» القريب من السلطة، أن 68 في المئة من الشباب «يدعمون سياسات بوتين»، علماً أن هذه النتيجة احتاجت إلى عمل دؤوب وموازنات ضخمة أُنفِقت خلال 9 شهور.

وشكّلت عودة النشاط الإرهابي إلى روسيا تحدياً ضخماً إضافياً، على رغم ارتباطه بالوضع في سورية، مع كل ما يحمل ذلك من دلالات. بمعنى أن الإرهاب الذي ضرب روسيا 23 مرة خلال عام 2017، وإحباط أجهزة الأمن 60 محاولة تفجير أو هجمات انتحارية، لم يكن هذا العام ينطلق من القوقاز، أو يحمل هوية انفصالية، كما حدث سابقاً، بل يرتبط غالباً بتنظيم «داعش» ويعتمد على متشددين من آسيا الوسطى. وهذا أمر، على رغم خطورته، يحمل إشارة مطمئنة للكرملين بأن روسيا تجاوزت نهائياً تقريباً خطر «الإرهاب الانفصالي الداخلي».

خارجياً، لم تكن التحديات التي واجهها الكرملين أقل حدّة، لكن التصعيد الواسع للحرب على الإرهاب، وتحقيق تقدّم ميداني واسع في سورية، تزامناً مع نجاح نسبي لجهود وقف النار ومناطق خفض التوتر، ساهم في تعزيز مكانة روسياً، إقليمياً ودولياً.

يُضاف إلى ذلك تثبيت الوجود العسكري الدائم في قاعدتَي «حميميم» و «طرطوس»، ما منح أهمية عسكرية وسياسية إضافية لروسيا في حوض المتوسط. واستخدم الكرملين هذا «النصر» بنشاط، على المستويين الداخلي والخارجي، وانطلق منه لتوسيع دائرة النفوذ الروسي في المنطقة.

فبرزت خلال عام 2017 أفكار ومبادرات لوساطة روسية في ليبيا، واستعداد لأداء دور مشابه في اليمن، ثم طرحت موسكو فكرة محاولة بذل جهد لتحسين العلاقات بين إيران والبلدان العربية. كما حاولت موسكو تنظيم لقاءات إسرائيلية- فلسطينية. وعلى رغم أن هذه المبادرات لم تُترجم إلى نشاط سياسي، لكنها عكست زيادة ثقة موسكو بدورها وتأثيرها، إقليمياً ودولياً.

وعربياً، شهد العام نقلة مهمة في العلاقات الروسية– السعودية، بعد زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز موسكو. كما أطلقت روسيا مرحلة جديدة في شراكتها مع مصر، من خلال إبرام اتفاقات استراتيجية.

ومع سعي موسكو إلى تعزيز ركائز سياستها الإقليمية، عبر الحفاظ على علاقات تنسيق قوية مع شريكيها، تركيا وإيران، وإضافة مصر إليهما، واجه الكرملين التحدي الأكبر في سياسته الدولية، بسبب تفاقم التدهور في العلاقات مع واشنطن، واتساع العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، إضافة إلى تواصل حشد الحلف الأطلسي قدرات صاروخية ودفاعية قرب الحدود الروسية.

رائد جبر

صحيفة الحياة اللندنية