تتبادل أربيل وبغداد منذ أيام تهم ارتكاب جرائم التغيير الديموغرافي في كركوك مع بدء عودة العرب والتركمان إلى المدينة بعد نزوحهم منها خلال فترة سيطرة البشمركة والاسايش على المدينة في السنوات الماضية، وهو ما ينذر بتفجر صراع قومي أكثر شراسة بالمدينة المختلطة قومياً ودينياً.
في هذا السياق، أفاد مسؤولون محليون في المدينة، أمس الأحد، أن “أكثر من 60 عائلة عربية وتركمانية عادت لكركوك، كانت قد نزحت منها بفعل تهديدات ومضايقات للقوات الكردية التي بسطت سيطرتها على المدينة منذ منتصف عام 2014، ولغاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فشنّت بغداد حملة عسكرية واسعة رداً على استفتاء الانفصال الكردي وأعادت كركوك ومناطق أخرى مجاورة لها إلى سلطتها الاتحادية وانسحبت أثر ذلك البشمركة إلى أطراف أربيل”.
وأشار مسؤول محلي بارز في كركوك، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، إلى إنّه “مع إعادة سيطرة القوات العراقية على كركوك وإجلاء قوات البشمركة عنها، بدأت عائلات عربية وتركمانية بالعودة إلى المحافظة”، مبيّناً أنّ “هذه العائلات ادّعت أنّ الأكراد كانوا قد هجّروها من المحافظة، وأجبروها على ترك أراضيها الزراعية ومساكنها بالقوة، وأسكنوا جماعتهم فيها”.
وأضاف أنّ “تلك العائلات لديها عقود وسندات في الأراضي والمنازل التي تمتلكها، وبعضهم ادّعى أنّ القوات الكردية أجبرته على بيع ممتلكاته بثمن بخس وترك المحافظة وقدموا دعاوى للقضاء بذلك”. وأكد أن “مجموع العائلات التي عادت تبلغ العشرات وهناك أعداد أخرى موجودة في بغداد وديالى وصلاح الدين والأنبار تريد العودة أيضاً. والفكرة في حل الموضوع هذا يجب أن تبقى محصورة بالقضاء وإلا فستكون هناك مشاكل عرقية كبيرة بالمدينة”.
وأشار المسؤول إلى أن “العائلات العائدة أبرزت مستنداتها الأصلية بثبوت ملكية الأراضي والمنازل لها وقوات الأمن سمحت لها بالعودة على ضوء تلك الإثباتات التي لديها ووفرت لها الحماية الكاملة، وأعادتها إلى مناطقها”. وكشف أنّ “تلك العائلات بدأت تمارس عملها واستعادت نشاطها من جديد، كل في مجال عمله، زراعة ونجارة وتربية حيوانات وما إلى ذلك، لكن يبقى الوضع مؤقتا لحين حسم القضاء للملف”.
وقُدّر عدد من نزح من كركوك خلال سيطرة الأكراد بالآلاف في مقابل قدوم أعداد كبيرة من العائلات الكرديةللمدينة واستقرارها في الجزء الشمالي منها. وأثار هذا الموضوع حفيظة المسؤولين والأحزاب الكردية في كركوك، التي انتقدت ذلك، مطالبة بوضع حل لهذه الأزمة.
في هذا الإطار، اتهم مدير بلدة سركان جنوبي كركوك، لقمان أحمد، أمس الأحد، بغداد بـ”تنفيذ عمليات تعريب على كركوك على حساب الأكراد”. وبيّن في تصريح لتلفزيون “كردستان” الناطق بالكردية، أن “هناك عمليات تهجير لأكراد من منازلهم وإسكان عرب مكانهم بدعم من الشرطة الاتحادية”. وأشار إلى أنه “من المقرر أن يقوم وفد تابع للأمم المتحدة بزيارة كركوك للاطلاع على المشكلة التي ما زالت مستمرة”.
من جهته حمّل النائب الكردي محمد عثمان محافظ كركوك بالوكالة راكان جبوري، مسؤولية “التغيير الديموغرافي الحاصل في مناطق عدة من كركوك عبر جلب العرب البدو وإسكانهم في المدينة”. كما رأت النائبة الكردية عن المحافظة، آلا طالباني، في مؤتمر صحافي، عقدته مع عدد من النواب الأكراد، أنه “يجب تعديل قانون 13 الخاص بنزاعات الملكية، والذي عرقلت تشريعه جهة سياسية معروفة”، مبينة أنّ “أغلب هذه الأراضي تعود إلى الأكراد في كركوك”. وحذّر مسؤولون أكراد من “مغبة استمرار هذه الأزمة وعدم وضع حل لها”، معتبرين أنّ “جهات سياسية حرّكت هذه العائلات ودفعتها إلى العودة، ووفرت لها الدعم المطلوب لإحداث تغيير ديموغرافي في المحافظة”.
بدوره، قال القيادي في حزب البارزاني، حسن الجاف لـ”العربي الجديد”، إنّ “إثارة هذا الملف برمته هي حركة سياسية، وإنّ جهات سياسية عربية وتركمانية تقف وراءه”، موضحاً أنّ “الأراضي والمنازل كانت للعرب والتركمان، لكنّهم باعوها بإرادتهم، ومن دون أي ضغط عليهم، ولا يمكن اليوم أن يعودوا ويسيطروا على تلك العقارات وقد سبق أن استلموا بدلها ثمناً”.
وأشار إلى أنّ “تلك الجهات حرّضت العائلات على العودة، لتحقيق مكاسب سياسية، وتحقيق تغيير ديموغرافي في كركوك، وقد وفرت لهم الدعم اللازم لهذه العودة”، مشدّداً على “أهمية أنّ يكون حل هذه الأزمة عبر القانون وعبر دوائر عقارات الدولة، وألا يكون للجهات الأمنية حق التدخل بها، وإلا ستحدث جرّاء ذلك أزمة خطيرة في المحافظة”. وأكدت جهات مسؤولة في كركوك، أنّ “هذه الأراضي والعقارات هي ممتلكات للعرب والتركمان، وأنّ البعض منهم تركها رغماً وخوفاً من القوات الكردية، والبعض القليل قد باعها للأكراد مرغماً”.
وقال عضو المجلس المحلي لكركوك، عبد الرزاق العبيدي، لـ”العربي الجديد”، إنّ “هذه الأراضي حسبما طالعناه في دوائر عقارات كركوك، تعود ملكيتها للعائلات العائدة، وأنّ عودة العائلات لها هي حق ووفقاً للقانون”، مبيناً أنّه “يتحتم على الجهات الكردية التي تدّعي الحق في تلك العقارات أن تقدم شكاوى قانونية، على العائلات ليحكم القضاء فيها”. ودعا جميع الجهات إلى “الاحتكام الى القانون في حل النزاعات”.
وحذّر مراقبون، من “خطورة تراكم هذه الملفات على كركوك، وجرّها إلى صراعات قومية، لا تصب بصالح المحافظة”. وقال الخبير السياسي، فلاح الربيعي، لـ”العربي الجديد”، إنّ “تراكم الملفات وتداخل المصالح الحزبية والفئوية في كركوك، ينذر بصراع قومي خطير فيها”، مؤكداً أنّ “المشكلة تكمن في عدم تدخل الحكومة بهذه الملفات، وترك الحبل على الغارب للأحزاب في حل الأزمات، وهذا هو الخطر”.
ولفت إلى أنّ “هذه الأزمات تحتاج إلى متابعة جادة من الحكومة، وإحالتها الى الجهات المسؤولة، بحسب الدوائر المختصة، وأن تبعد الأحزاب والقوات الأمنية من التدخل فيها، وإلّا فإن الحكومة ستكون مسؤولة عن نتائج ما يحدث في كركوك”.
وطبقاً للمادة 140 في الدستور العراقي الذي أُقرّ عام 2005، كان يفترض البت في مستقبل كركوك وارتباطها ببغداد أو الإقليم من خلال تنظيم استفتاء عام فيها لاختيار السكان ذلك بأنفسهم، إلا أن عمليات التغيير الديموغرافي الكبيرة بالمدينة وخلافات سياسية حالت دون تنفيذ الفقرة الدستورية حتى الآن.
أكثم سيف الدين
صحيفة العربي الجديد