القاهرة / دبي (رويترز) – يشعر المستثمرون بتفاؤل متزايد تجاه الآفاق الاقتصادية في مصر بعد سنوات من الاضطراب السياسي متشجعين بإصلاحات اقتصادية وحقل غاز عملاق وقواعد أبسط لأنشطة الأعمال وانخفاض في قيمة العملة.
وسجلت حيازات الأجانب من أذون الخزانة مستوى قياسيا مرتفعا في ديسمبر/ كانون الأول وكانت التدفقات الأجنبية في سوق الأسهم العام الماضي هي الأعلى منذ 2010 وبدأ الاستثمار المباشر للشركات الأجنبية وصناديق الاستثمار يتزايد مجددا.
ومن بين الجوانب المهمة للمستثمرين الأجانب في الأجل الطويل، حقول الغاز الطبيعي التي بدأت التشغيل في الأشهر القليلة الماضية ومن بينها حقل ظُهر البحري الذي تقدر احتياطياته بنحو 30 تريليون قدم مكعبة مما يجعله أكبر حقل غاز في البحر المتوسط.
وقال إياد ملص الشريك في جيتواي بارتنرز للاستثمار المباشر، والمقيم في دبي، إن ظُهر «سيغير قواعد اللعبة بالنسبة لمصر» وإن صندوق الشركة الذي يستثمر في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا يتطلع لفرص عديدة في مصر.
ومن المنتظر أن تجعل اكتشافات الغاز من مصر في نهاية المطاف مصدرا للغاز وأن تدعم خططها لتصبح مركزا إقليميا لتجارة الطاقة.
نظرة إيجابية
وبجانب الغاز، تقول شركات الاستثمار المباشر إن الإصلاحات التي أُطلقت منذ نهاية 2016 وضمنت لمصر برنامج قرض قيمته 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، ساهمت في تحسين المعنويات بما يكفي لتحفيز الاستثمار رغم وجود مخاطر.
ومن أكبر التحديات أمام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إنهاء هجمات المتشددين الإسلاميين الذين بدأوا ينقلون هجماتهم من سيناء إلى المدن الكبيرة.
ورغم ذلك يقول المستثمرون إن مبعث قلقهم أن تنحرف الحكومة عن مسار إصلاحات متفق عليها مع صندوق النقد، مثل مزيد من الخفض في دعم الطاقة، لاستمالة الناخبين قبيل الانتخابات الرئاسية هذا العام.
ويريد المستثمرون أيضا أن ينخفض التضخم وأن تمضي الحكومة قدما في الإصلاحات للتخلص من التعقيدات الإدارية التي جعلت مصر تحتل المركز 128 بين 190 دولة على مؤشر البنك الدولي لمدى سهولة أنشطة الشركات.
منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 خفضت مصر قيمة عملتها الجنيه وألغت الحد الأقصى للتحويلات بالنقد الأجنبي والقيود المفروضة على العملة الصعبة للمستوردين وخفضت الدعم على الوقود المحلي وزادت ضريبة القيمة المضافة.
وقال كريم الصلح الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لجلف كابيتال في أبوظبي، والتي استثمرت نحو 200 مليون دولار في مصر، «نظرتنا إلى مصر إيجابية جدا.
«في المنطقة، من المنتظر أن تسجل مصر أداء اقتصاديا متفوقا في 2018، وبصفة خاصة بعد تلك الإصلاحات الهيكلية القوية جدا والضرورية».
واستثمر الأجانب بكثافة في الأدوات عالية السيولة قصيرة الأجل، مثل أذون الخزانة، منذ خفضت مصر قيمة عملتها ورفعت أسعار الفائدة.
وأظهرت بيانات البنك المركزي أن المستثمرين اقتنصوا في 2017 أذون الخزانة لأجل ثلاثة أشهر إلى عام بعائد وصل إلى 22 في المئة. وبحلول أوائل ديسمبر/ كانون الأول، بلغت الحيازات الأجنبية من أذون الخزانة رقما قياسيا مرتفعا عند 338 مليار جنيه مصري (19 مليار دولار) ارتفاعا من 532 مليون جنيه في 2016.
وبالدولار، تبلغ تلك الحيازات الآن نحو ثلاثة أمثال ذروتها السابقة المسجلة في 2010، وقد جاءت نصف الاستثمارات تقريبا في الأشهر القليلة الأخيرة من 2017.
ويقدر تشالز روبرتسون كبير الخبراء الاقتصاديين لدى رينيسانس كابيتال أن الجنيه المصري مقوم بما يقل 16 في المئة عن متوسطه للأجل الطويل وفي ظل تراجع التضخم عن ذروته في 2017 البالغة 33 في المئة، فإن مصر تظل من الأسواق الناشئة الأكثر جاذبية.
وأظهرت بيانات البورصة أن سوق الأسهم، التي تبلغ قيمتها 45 مليار دولار، استفادت أيضا من صافي تدفقات الأموال الأجنبية الذي بلغ 7.5 مليار جنيه في 2017 مسجلا أعلى مستوياته منذ المستوى القياسي لعام 2010 الذي بلغ 8.4 مليار جنيه.
ومنذ تحرير سعر صرف الجنيه في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، تراجعت العملة المصرية من 8.8 جنيه للدولار إلى 17.7 جنيه في الوقت الحاضر، بينما ارتفع المؤشر الرئيسي للبورصة المصرية بما يزيد على 70 في المئة.
ويتوقع روبرتسون مواصلة الصعود في العامين المقبلين بعد تبدد صدمة خفض قيمة العملة في 2016، حيث يتزايد النمو الاقتصادي وينحسر التضخم المرتفع.
وجهة جذابة
لكن الأهم لاستقرار مصر في الأجل الطويل هو زيادة استثمارات الشركات الأجنبية واستحواذات شركات الاستثمار المباشر، وهو نوع من الالتزام ليس من الأرجح أن يتأثر بتقلبات السوق في المدى القصير.
ويقول اقتصاديون إن عدد سكان مصر، الذي يتجاوز 90 مليون نسمة، حيث تحتل المركز الثالث في قارة أفريقيا من حيث عدد السكان بعد نيجيريا وإثيوبيا، بجانب زيادة نسبة الشبان وتنامي القوة العاملة، يجعلها وجهة جذابة.
وأظهرت بيانات حكومية أن صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بلغ 7.9 مليار دولار في عام حتى نهاية يونيو/ حزيران مدعوما بقطاع الطاقة. ورغم أن ذلك أقل من المستوى الذي تستهدفه الحكومة عند عشرة مليارات دولار فإنها الزيادة السنوية الرابعة على التوالي وأعلى مستوى منذ تحقيق 8.1 مليار دولار في 2008-2009.
وبلغت التدفقات ذروتها في 2007-2008 عند 13.2 مليار دولار قبل أن تتراجع إلى 2.2 مليار دولار في 2011 خلال الانتفاضة التي أطاحت بحسني مبارك وأضرت تداعياتها بالاقتصاد وأدخلت البلاد في سنوات من عدم الاستقرار السياسي.وتتوقع شركات الاستثمار المباشر الأجنبية زيادة كبيرة في الاستثمارات في قطاع الطاقة لأسباب من بينها تحسن آفاق إمدادات الغاز وتنامي قطاع الطاقة الشمسية.
وقال هاشم فؤاد رئيس الاستثمار لدى إنارة كابيتال بدبي إن شركته تعكف مع مستثمرين صينيين على فرص في مصر.
وتابع «أغلقنا صفقات مالية بقيمة 200 مليون دولار في قطاع الطاقة المتجددة في 2017 ونتوقع مزيدا من الصفقات هذا العام».
ويركز آخرون على قطاعات من المرجح أن تستفيد من نمو الاقتصاد بينما يستفيد المصدرون من ضعف العملة. وقال الصلح إن شركته تتطلع إلى الاستثمار في شركات في مجالات الرعاية الصحية والتعليم والمياه والغذاء.
وأضاف «ندعم شركات تعتمد بشدة على التصدير، وتحقق عائدات بالعملة الصعبة بالدولار أو اليورو وبهذا نتحوط جزئيا من مخاطر تقلبات العملة».
وتركز جيتواي بارتنرز أيضا على القطاعات التصديرية والصناعات الاستهلاكية.
وقال ملص «نعتقد أن هناك قطاعات جذابة مثل تلك التي ترتبط بالمستهلك والتجزئة والعقارات والرعاية الصحية والتعليم إضافة إلى الصناعات التحويلية التصديرية مثل المنسوجات وكثير من المنتجات المصنعة».
وساعد أيضا تأثير خفض قيمة العملة على الصادرات والواردات والزيادة الكبيرة في تدفقات الأموال الأجنبية مصر على البدء في معالجة العجز التجاري المزمن ومشكلات ميزان المدفوعات التي عانت منها لنحو عشر سنوات.
وارتفعت الاحتياطيات الأجنبية لدى البنك المركزي إلى 37 مليار دولار في ديسمبر/ كانون الأول من أعلى قليلا من 24 مليار دولار قبل عام بينما تسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 5.2 في المئة في ربع السنة من يوليو/ تموز إلى سبتمبر/ أيلول مقارنة مع 3.4 في المئة قبل عام.
القدس العربي