الاحتجاجات في إيران تضع روحاني بموقف صعب

الاحتجاجات في إيران تضع روحاني بموقف صعب

كما هو الحال في كثير من الأحيان عندما ينزل الناس إلى الشوارع للاحتجاج، ربما كانت جذور الانتفاضة الأخيرة في إيران كامنة في شأن بسيط مثل سعر البيض. فمع نهاية كانون الأول (ديسمبر) الماضي، أبلغت عدة محافظات عن زيادة كبيرة في كلفة السلع الزراعية، بما في ذلك زيادة في أسعار البيض بنسبة 50 في المائة. وعزي السبب إلى عدة عوامل مثل ارتفاع أسعار العلف وانتشار إنفلونزا الطيور ونفوق الملايين من طيور الدجاج.
مهما كان السبب، فقد تجمع يوم 28 كانون الأول (ديسمبر) الماضي حوالي مائة شخص في شوارع مدينة مشهد، ثاني أكبر المدن الإيرانية، والتي تبعد نحو 500 ميل إلى الشمال الشرقي من طهران، للاحتجاج على تعامل الحكومة مع الوضع الاقتصادي. وما بدأ كتجمع دعمه رجال دين محافظون، سرعان ما تحول إلى مظاهرة أكبر ضد نفس الثيوقراطية التي يتشبثون بها. وخلال أيام انتشرت الاحتجاجات إلى 20 مدينة، وتخللتها هتافات تدعو لموت المرشد الديني الإيراني الأعلى علي خامنئي. ومع اليوم الثالث من كانون الثاني (يناير)، حشد إيرانيون يدعمون الجمهورية الإسلامية تجمعات مضادة، بينما أسفرت حملة بوليسية عن 21 قتيلاً واعتقال أكثر من 700 آخرين.
وكانت آخر أكبر انتفاضة ضد الحكومة في إيران هي احتجاجات الحركة الخضراء في العام 2009، عندما احتج أكثر من مليوني شخص على إعادة انتخاب الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد كموضوع للنزاع -ما يشير إليها خامنئي الآن بأنها ببساطة بأنها “الفتنة”. وأسفرت الحملة التي شنتها السلطات الإيرانية على هذه الانتفاضة عن مقتل أكثر من 73 شخصاً وعن اعتقال نحو 4.000 شخص.
ثمة بعض الاختلافات الرئيسية هذه المرة. فقد كانت الحركة الخضراء بقيادة نخب فكرية إصلاحية التوجه، وطبقة متوسطة متعلمة. وكانت متركزة في شوارع العاصمة الإيرانية طهران. لكن هذه الاحتجاجات الجديدة قادها شباب من الطبقة العاملة في معظمهم؛ وثمة عدد أقل بكثير من المشاركين، لكن هذه الاحتجاجات أكثر انتشاراً بكثير في عموم البلد. ويقول علي رضا نادر، محلل السياسة الدولية في مؤسسة “راند”: “هذه الاحتجاجات هي من هوامش إيران، من البلدات الصغيرة التي لم يسمع أحد عنها من قبل. في العام 2009، كانت الاحتجاجات من أجل تمكين الإصلاحيين. وهي هذه المرة مناهضة للمؤسسة. هذه ضد الجمهورية الإسلامية برمتها”.
سوف يشكل الإبحار لإيجاد الطريق في هذا الوضع اختباراً حاسماً للرئيس حسن روحاني. فلأنه اعتبر مصلحاً ومعتدلاً، واجه انتقادات منذ إعادة انتخابه في أيار (مايو) الماضي، من معارضي الخط المتشدد ومن الداعمين المحرومين الذين كانوا قد توقعوا تحسناً اقتصادياً أوسع في أعقاب التوصل إلى الاتفاق النووي الإيراني مع القوى العالمية (5+1) وتخفيف العقوبات الدولية. ويقف معدل البطالة عند 12 في المائة. وفي حين هبط معدل التضخم من أكثر من 40 في المائة في العام 2013 عندما انتخب روحاني رئيساً في المرة الأولى، فإنه ما يزال مرتفعاً عند حوالي 10 في المائة. وقد ضربت موجة من القروض المعدومة من مقرضين غير رسميين القطاع المصرفي. وكان معدل سعر برميل النفط منخفضاً عند 60 دولاراً في السنوات الثلاث الماضية، مما جفف مصدراً رئيسياً للعوائد الإيرانية.
يوم 10 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، قدم روحاني للبرلمان مشروع موازنة بقيمة 337 مليار دولار. وتستند الموازنة إلى سعر يصل إلى 55 دولار لبرميل النفط، لتخصص 100 مليار دولار لخلق وظائف ومعالجة الأزمة المصرفية، وطرح برنامج ضمان اجتماعي يقول روحاني إنه سيجلب كل العائلات الفقيرة إلى مستوى عيش لائق في الحد الأدنى. وتضم الموازنة أيضاً زيادات كبيرة في رسوم متنوعة، بما في ذلك رسوم تسجيل السيارات وضريبة المغادرة للمواطنين الذين يغادرون البلد. كما تخفض الموازنة بشكل كبير دعم الغذاء والوقود، بينما تزيد أيضاً الأموال المخصصة لرجال الدين ولقوة الأمن البارزة، الحرس الثوري.
يجب على روحاني أن يتوصل إلى التوازن بين الشعب والمؤسسة الدينية والأمنية التي تمتلك القوة المطلقة. وقد دافع عن حق الإيرانيين في الاحتجاج، بينما حثهم على العمل مع إدارته للتعامل ما يقول إنها معاناة مبررة. وقد توفرت له الفرصة لتحويل الاحتجاجات لمصلحته من أجل الدفع نحو مزيد من الإصلاحات، وفق ما يقوله أمير هندجاني، الزميل الرفيع في مجلس الأطلسي: “روحاني ذكي، وهو يريد أن يقول للفصائل الأخرى في إيران- هيه… انظروا، الشعب يريد التغيير والوقت لا يعمل لمصلحتنا”. وبينما لا يعتقد هندجاني بأن الاحتجاجات سوف تفضي إلى ثورة، فإنه يقول إنها “ستعمل كطلقة تحذيرية للنظام بأن لديه مشاكل هيكلية خطيرة تجب معالجتها، وأعتقد أن هذا يعطي روحاني اليد العليا”.
وهناك أيضاً قوى خارجة عن سيطرة روحاني. فلدى إيران نقص خطير في المياه، والذي تسبب في انتقال الناس من المناطق الريفية. وكان الاستثمار بطيئاً في التجسد على أرض الواقع بعد الاتفاق النووي، فيما عاد في جزء منه إلى أن الولايات المتحدة لم ترفع بعض العقوبات المفروضة على إيران أبداً، والتي تمنع الشركات والمصارف الأميركية من إجراء تعاملات تجارية هناك. وكانت بعض شركات النفط والإنشاءات، بالإضافة إلى مصنعي الطائرات والسيارات مثل مجموعة “إيرباص” ومجموعة “بي. أس. إيه” قد وقعت صفقات، لكن اهتمام بين الشركات الأجنبية قصر عن توقعات روحاني.
ثم هناك الرئيس ترامب، الذي غرد على وسيلة التواصل الاجتماعي “تويتر” معرباً عن تضامنه مع المحتجين الإيرانيين، ومستخدماً المظاهرات لمهاجمة النظام. وقال يوم 29 كانون الأول (ديسمبر) الماضي في تغريدته: ” ثمة الكثير من التقارير عن احتجاجات سلمية للمواطنين الإيرانيين الذين سئموا من فساد وتبديد النظام لثروة الأمة من أجل تمويل الإرهاب في الخارج”. وبعد يوم منذلك غرد أيضاً: “الشعب الطيب في إيران يريد التغيير”، و”شعب إيران هو من يخاف منه قادته أكثر ما يكون”. وقد رد عليه روحاني، فادعى بأن ترامب “ليس لديه الحق في إبداء التعاطف” مع الإيرانيين، خاصة بعد أن صنف بلدهم بأنه دولة إرهابية، وحظر على مواطنيه الحصول على تأشيرات دخول للولايات المتحدة.
كما فرض ترامب عقوبات جديدة تتصل ببرنامج إيران للصواريخ الباليستية وبالحرس الثوري، وهما شأنان يقعان خارج إطار الاتفاق النووي. كما طلب أيضاً من الكونغرس التقرير بشأن الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران جملة وتفصيلاً. ومن شأن هذا التحرك أن يجعل المستثمرين متوجسين ومتوترين أكثر من وضع أموال في إيران. وقال جان-بول بيغات، رئيس الأبحاث في معهد الأبحاث “لايتهاوس” الذي يتخذ من دبي مقراَ له لتلفزيون بلومبيرغ: “إذا كان هناك كبش فداء لمشاكل إيران الاقتصادية بعد الصفقة النووية، فستكون الولايات المتحدة”. وأضاف: “يستمر دونالد ترامب في التهديد بأنه سوف يعيد التفاوض على الصفقة النووية. وذلك لا يشجع المستثمرين الأجانب على الدخول إلى السوق”.
يوم 2 كانون الثاني (يناير)، ووفق ما ذكره مسؤولان قي البيت الأبيض طلبا عدم ذكر اسميهما وهما يتحدثان عن مداولات داخلية، اجتمع ترامب مع نائبه مايك بنس وأعضاء من فريق الأمن القومي لبحث الاحتجاجات، في غمرة مداولات تجري أصلاً بخصوص إعادة فرض العقوبات المعلقة أو إضافة عقوبات جديدة. وتم عقد الاجتماع قبل عشرة أيام من موعد تقرير ترامب ما إذا كان سيستمر في التنازل عن العقوبات التي كانت قد رفعت بموجب الصفقة النووية.
تلمح تغريدات ترامب إلى مصدر معاناة محتمل آخر بين صفوف بعض المحتجين: مليارات الدولارات التي أنفقتها إيران خارج البلد لدعم حلفاء مثل الرئيس السوري بشار الأسد، بالإضافة إلى مجموعات متشددة مثل حزب الله وحماس. وتدعم إيران أيضاً الثوار الحوثيين في اليمن الذين يخوضون حرباً ضد السعودية. ويأتي ذلك كله كجزء من جهود إيران لبسط نفوذها في عموم منطقة الشرق الأوسط وتحدي السعوديين في الهيمنة الإقليمية.
يعتقد البعض في الولايات المتحدة وأوروبا بأن دعم اقتصاد إيران هو أفضل طريقة لتعزيز مكانة المعتدلين السياسيين الذين يمثلهم روحاني. وهم يقولون أن من الأفضل إدماج إيران في الاقتصاد العالمي، مما يخلق محفزات للبلد تجعله يتقيد بالاتفاق النووي وغيره من القواعد الدولية. لكن المشككين -بقيادة ترامب- يحاججون بأن هذا التفكير يقلل من قدر التزام قادة إيران بتوسيع سلطتهم في المنطقة، وحقيقة أن إيراناً أكثر غنى ستكون واحدة أكثر خطورة.

غلنار موتيفالي 

صحيفة الغد