معمر فيصل خولي*
لم يدر في خَلد صانعي السياسة في إيران، بأنهم سيودعون عامًا ميلاديّا ويستقبلون آخر على النمط غير الذي اعتادوا عليه منذ نجاح الثورة الإيرانية في شباط/فبراير عام 1979م . ففي 28 كانون أول/ ديسمبر من عام الماضي، اندلعت في مدينة مشهد الإيرانية احتجاجات عبرت عن سخطها لما آلت إليه الأوضاع الدولة الإيرانية الاقتصادية، وقد زاد من زخم هذه الاحتجاجات سرعان انتقالها إلى سائر المحافظات الإيرانية بما فيها العاصمة “طهران”. ومع قوة الدفع هذه عبّر المحتجين أيضًا عن استيائهم السياسي لطبيعة السلوك الإيراني الخارجي في بيئته الإقليمية. ولأن هذه الاحتجاجات وقعت في دولة ذات وزن في الشرق الأوسط لا يستهان به كإيران، لذلك كانت محل إهتمام إقليمي ودولي. وقد كانت الدولة التركية في مقدمة الدول الإقليمية التي تابعت مجريات ما يحدث في إيران.
اتسم الموقف التركي من الاحتجاجات التي صبت جام غضبها على النظام الإيراني بالحذر والتريث والانتظار، وبعد مرور عدة أيام على اندلاع الاحتجاجات في إيران أصدرت وزارة الخارجية التركية، في 2 كانون الثاني/يناير الحالي، بياناً وصفه الكثيرون بـ«الحذر والمتوازن»، فيما ذهب آخرون لوصفه بالمنحاز بشكل أكبر لصالح الدعوة لتهدئة الأمور وأظهر رغبة تركيا في استمرار الاستقرار بإيران وخشيتها من دخولها في موجة عنف. ودعت الخارجية في بيانها إلى «تغليب الحكمة للحيلولة دون تصاعد الأحداث في إيران، وتجنب التدخلات الخارجية المحرضة التي من شأنها مفاقمة الأوضاع»، فيما أعربت عن قلقها من الأنباء التي تفيد بسقوط قتلى، فضلا عن تضرر مبان عامة، وأكد البيان على إيلاء تركيا أهمية كبيرة للسلم الاجتماعي والاستقرار في «إيران الصديقة والشقيقة». وجاء في البيان: «نؤمن بضرورة تجنب العنف وعدم الانجرار وراء الاستفزازات، مع الأخذ بعين الاعتبار، تصريحات الرئيس حسن روحاني في هذا الإطار، التي أقر فيها بحق الشعب في التظاهر السلمي، لكن دون انتهاك القوانين والإضرار بالممتلكات العامة»، وأبدت الخارجية تمنياتها في تجنب الخطابات والتدخلات الخارجية المحرضة.
وعقب البيان مباشرة، أجرى وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو اتصالاً هاتفياً مع نظيره الإيراني جواد ظريف بحث فيه التطورات الداخلية في إيران، فيما لجأت وسائل الإعلام التركية إلى اعتبار هذا الاتصال بمثابة رد بالمثل على قيام وزير الخارجية الإيراني بالتواصل مع كبار المسؤولين الأتراك طوال ليلة محاولة الانقلاب في تركيا أيلول/سبتمبر 2016، وتأكيده وقوفه ضد الانقلاب وإلى جانب الحكومة التركية. واتصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنظيره الإيراني حسن روحاني في اليوم التالي، وأثنى فيه على تصريحات الأخير بشأن ممارسة الحق في الاحتجاج السلمي، مع الحرص على عدم انتهاك القانون، معتبرا أنها كانت “ملائمة”، وأكد له أن تركيا تولي أهمية للمحافظة على الاستقرار والسلم الاجتماعي في إيران. ثم توالت تصريحات المسؤولين الأتراك حيال الوضع في إيران، حيث دعا نائب رئيس الحكومة التركية والمتحدث باسمها، بكر بوزداغ، الحكومة والشعب الإيرانيين إلى التحرّك بحصافة، وحذر من “الفخاخ المنصوبة والتي ستنصب لهم”. وأكد أنّ “تركيا تعارض تولي وتغيير السلطة عن طريق التدخلات الخارجية، أو استخدام العنف أو الطرق المخالفة للدستور والقوانين”. ودعا إلى مواجهة التحريض والاستفزازات، والحفاظ على هدوء بلادهم وسلامتها واستقرارها، فيما اعتبر وزير الخارجية التركي أن المظاهرات في إيران يؤيدها شخصان، هما الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس ال