أحجم الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في مطلع العام الجاري، عن إعادة فرض العقوبات النووية على إيران للمرة الثالثة منذ توليه الرئاسة. ولكنه أكد أنّ هذا سيكون آخر تأجيلٍ يقوم به، واضعًا الكونغرس الأميركي، وحلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين، أمام “فرصة أخيرة” لـ “إصلاح” ما وصفها “عيوبا مروّعة” في الاتفاق النووي مع إيران، أو أنه سينسحب منه.
بيان بصيغة إنذار
أصدر البيت الأبيض، في 12 كانون الثاني/ يناير 2018، بيانًا حدّد فيه ترامب جملة من الشروط التي ينبغي أن يتضمنها أي مشروع قانون يعمل عليه الكونغرس لتجاوز “العيوب” التي احتواها الاتفاق النووي لعام 2015، والذي فاوضت عليه إدارة سلفه باراك أوباما. كما أنه طالب الحلفاء الأوروبيين بالقبول بـ “اتفاق تكميلي” منفصل مع إيران، يعالج مسائل لم يعالجها الاتفاق النووي، مثل برنامج إيران للصواريخ الباليستية ونشاطاتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة، مخيّرًا إياهم بين الوقوف مع الولايات المتحدة والنظام الإيراني. وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2017، رفض ترامب التصديق على التزام إيران بالاتفاق النووي، من دون أن يعلن انسحابًا فوريًا منه.
وينص “قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني” الذي أصدره الكونغرس في أيار/ مايو 2015، أي قبل شهرين من توقيع الاتفاق النهائي بين مجموعة 5+1 (الولايات المتحدة، وروسيا، وبريطانيا، وفرنسا، والصين، إضافة إلى ألمانيا)، على أن الرئيس الأميركي ملزم
بالتصديق على التزام إيران بنود الاتفاق أمام الكونغرس كل تسعين يومًا. كما أن الرئيس ملزمٌ بأن يقرّر كل 120 يومًا إذا كان سيمدّد تعليق العقوبات على إيران أو يعيد فرضها، وهو ما يعني أنه في حال فشِلَ الكونغرس والحلفاء الأوروبيون في التوصل إلى صفقةٍ مع إدارة ترامب، فإن الولايات المتحدة ستكون خارج الاتفاق النووي خلال أربعة أشهر، بحسب تهديد ترامب. فرضت الإدارة الأميركية عقوبات جديدة على 14 كيانًا وفردًا، بينهم رئيس السلطة القضائية، صادق لاريجاني، فضلًا عن شخصيات وكيانات إيرانية أخرى، متورّطة في ما وصفتها “انتهاكات حقوق الإنسان للشعب الإيراني”، على خلفية قمع الاحتجاجات الشعبية الإيرانية المناهضة للحكومة عام 2017 ومطلع كانون الثاني/ يناير 2018، على الرغم من موافقة هذه الإدارة على تمديد تعليق العقوبات حاليًا. كما شملت قائمة العقوبات كياناتٍ متورطةً في برنامج إيران للصواريخ الباليستية، وتسليح جماعات في المنطقة. وقد انتقد حلفاء الولايات المتحدة من الأوروبيين، وفي مقدمتها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، قرار ترامب، معلنين تمسّكهم بالاتفاق النووي مع إيران، كما انتقدته روسيا، في حين أعلنت إيران أنها لن تقبل إعادة التفاوض على الاتفاق النووي.
معايير جديدة للبقاء في الاتفاق النووي
حدّد ترامب جملة من الشروط أو المعايير التي ينبغي للكونغرس الالتزام بها في أي قانون قادم لما وصفه بـ “إصلاح” الاتفاق النووي مع إيران، كما أنه أضاف معاييرَ أخرى، ينبغي أن يقبلها الحلفاء الأوروبيون، أو أن تنسحب الولايات المتحدة من الاتفاق انسحابًا أحاديًا. ولا تختلف المعايير التي اشترطها ترامب أخيرا، في بيانه، كثيرًا عن التي كان حددها في خطابه في تشرين الأول/ أكتوبر 2017، ووصفتها إدارته حينها بـ “المحفزات” Trigger points التي ينبغي أن يتضمنها أي قانون جديد في الكونغرس.
معايير قانون الكونغرس
حدد ترامب أربعة معايير، إن لم تلتزم بها إيران، فإن العقوبات الأميركية “تستأنف تلقائيًا”، وهي:
1. يجب أن ينص أي قانون على التزام إيران بالسماح بـ “التفتيش الفوري لكل المواقع التي يطلبها المفتشون الدوليون”. 2. يجب أن يضمن القانون أن إيران لن تقترب أبدًا من حيازة سلاح نووي. 3. يجب أن يكون القانون واضحًا بأن البنود التي تمنع إيران من امتلاك سلاح نووي دائمة وليس لها مدة زمنية محددة كما ينص على ذلك الاتفاق النووي. 4. يجب أن ينص القانون صراحةً على أن “برنامجَي الصواريخ البعيدة المدى والأسلحة النووية لا يمكن فصلهما، وأن تطوير إيران واختبارها صواريخ ينبغي أن يخضعا لعقوبات صارمة”.
المعايير المطلوبة من الحلفاء الأوروبيين
حدد ترامب هذه المعايير في أربعة عناوين عريضة في بيانه الرئاسي، وهي:
1. التعاون مع الولايات المتحدة لـ “إصلاح العيوب الكبيرة” في الاتفاق النووي لعام 2015، من خلال إنجاز “اتفاق تكميلي” جديد ينص على فرض عقوبات جماعية على إيران؛ وذلك في حال تطويرها صواريخ بعيدة المدى واختبارها، أو إعاقة عمل المفتشين الدوليين، أو في حال إحرازها تقدمًا نحو امتلاك سلاح نووي. فضلًا عن ضرورة أن ينص “الاتفاق التكميلي” على أن تكون بنود اتفاق 2015 مفتوحة زمنيًا، وليس لها سقف زمني محدد. 2. التصدّي مع الولايات المتحدة لـ “النشاطات الإيرانية”؛ من ذلك العمل على قطع التمويل عن قوات الحرس الثوري الإيراني، وأذرع إيران العسكرية في المنطقة، و”دعمها الإرهاب”. وطالب ترامب أيضًا الدول الأوروبية بتصنيف حزب الله اللبناني منظمة إرهابية، فضلًا عن التعاون مع الولايات المتحدة في إعاقة جهود إيران تطوير برنامجها الصاروخي، والحدّ من نشرها الصواريخ في المنطقة، كما في اليمن. كما دعا ترامب الأوروبيين إلى الانضمام إلى الولايات المتحدة في التصدّي لجهود القرصنة الإلكترونية الإيرانية، وردع اعتداءات إيران على الملاحة الدولية. 3. الوقوف مع الولايات المتحدة في دعم الشعب الإيراني. 4. عدم القيام بأي أعمال تجارية مع أي جهات تثري “النظام الدكتاتوري” في إيران، أو تموّل الحرس الثوري و”وكلاءَه الإرهابيين”.
حسابات القرار الجديد
قرّر ترامب إعطاء “فرصة أخيرة لإصلاح” ما يراه خللًا في الاتفاق النووي، على الرغم من
أنه أكد أن لديه “ميلًا قويًا” للخروج منه. وبحسب تقارير إعلامية، عبّر ترامب في النقاشات الداخلية لإدارته عن استيائه الشديد من اضطراره إلى تعليق العقوبات الاقتصادية مجددًا على إيران. وقد أمهل، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، الكونغرس ستين يومًا لسنّ قانون جديد يضمن منع إيران مطلقًا من إمكانية تطوير برنامج نووي عسكري، وكبح جماح تجاربها الصاروخية الباليستية، فضلًا عن وقف دعمها “الإرهاب”، أو أنه سينسحب من الاتفاق أحاديًا.
ويعدّ قرار ترامب انتصارًا مؤقتًا لفريق مجلس الأمن القومي الأميركي، وتحديدًا وزيري الخارجية والدفاع، ريكس تيلرسون وجيمس ماتيس ومستشار الأمن القومي إتش. آر. ماكماستر، الذين نصحوه بأنّ خروج الولايات المتحدة من الاتفاق خروجًا أحاديًا سوف يعزل أميركا عن حلفائها الأوروبيين، وسيعدّ خرقًا من جانب واحد للاتفاق النووي، وسيعزّز وضع إيران بما في ذلك سعيها إلى امتلاك سلاح نووي. كما عقدت الاحتجاجات المناهضة للنظام في إيران التي اندلعت قبل نحو أسبوعين، حسابات الإدارة الأميركية؛ ففي حين جعلت تلك الاحتجاجات ترامب أكثر تصميمًا على معاقبة طهران، فإنها عزّزت أيضًا موقف الداعين إلى التريّث. بحسب مقاربة ترامب، فإن الاتفاق النووي لعام 2015 سمح لإيران بالوصول إلى أصول وأموال بقيمة مئة مليار دولار أميركي، كانت مجمدة “لم تستخدم لتحسين معيشة الشعب الإيراني، بل لتمويل شراء الأسلحة والإرهاب والاضطهاد، كما أنها وصلت إلى جيوب قادة النظام الفاسد. يعرف الشعب الإيراني ذلك، وكان أحد أسباب نزول عديد منهم إلى الشوارع للتعبير عن غضبهم”.
في المقابل، تقول المقاربة الأوروبية إنّ الإبقاء على الاتفاق النووي في ظل التوترات الشعبية في إيران أفضل، ذلك أنها تمنع قادة النظام الإيراني من التذرّع بالعقوبات الدولية ولوم الغرب، وبدل ذلك، تلفت نظر الشعب الإيراني إلى فساد قادته.. ولعل في تضمين بيان ترامب عقوبات على أربعة عشر فردًا وكيانًا في إيران متورّطين في ما وصفه “تبديد أموال الشعب الإيراني” و”خنق حرياته الأساسية”، محاولة لكبح جماح استيائه من عدم إلغاء الاتفاق، بعد الاحتجاجات الشعبية في إيران، خصوصًا أن إدارته أعلنت، قبل أسابيع قليلة، فرض عقوبات على مئة شخصية وكيان، على صلة ببرنامج إيران للصواريخ الباليستية، وما تصفه واشنطن بسياساتها “العدوانية” في الإقليم.
وكما كانت الحال في تشرين الأول/ أكتوبر 2017، يبدو أن فريق ترامب للأمن القومي
نجح، مرةً أخرى، في إقناعه بصيغة بديلة من الخروج الفوري من الاتفاق، مع وضع شروط إضافية ولوم إيران في حال عدم الاستجابة إليها. والجديد هنا أن ترامب وضع حدًا نهائيًا لبقاء الولايات المتحدة جزءًا من الاتفاق، وذلك حتى منتصف أيار/ مايو 2018. كما أن بعض قادة الكونغرس ساهموا في إقناع ترامب بالتراجع عن تهديده السابق بالانسحاب الأحادي من الاتفاق، إن لم يتوصل الكونغرس، خلال شهرين، إلى قانون يتجاوب مع اشتراطاته. وبحسب السيناتور الجمهوري، بوب كوركر، وهو رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، فإن “تقدمًا كبيرًا” أحرز بشأن قانون يضعه الحزبان، الجمهوري والديمقراطي، في الكونغرس لـ “معالجة عيوب الاتفاق من دون تخلي الولايات المتحدة عن التزاماتها بشأنه”.
تحديات أمام ترامب
تبدو مسألة توصل الكونغرس إلى اتفاق بين الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، أمرًا مشكوكًا فيه؛ فالديمقراطيون يرون في مساعي ترامب محاولة لتفكيك إرث الرئيس أوباما، إضافة إلى أنهم لا يثقون بالكيفية التي يدير بها الملف، ويعتقدون أنها ستؤذي الولايات المتحدة، وتعزلها عن حلفائها. وأي قانون جديد سيحتاج إلى ستين صوتًا من أصل مئة في مجلس الشيوخ، وهي مهمة شبه مستحيلة؛ فالجمهوريون يتمتعون بأغلبية ضئيلة (51 مقابل 49). ويمكن قول الأمر نفسه عن محاولات إدارة ترامب حَثّ الحلفاء الأوروبيين على إعادة التفاوض على الاتفاق النووي مع إيران. وبحسب خبراء، لن تتمكن إدارة ترامب من الضغط بفاعلية على الإيرانيين من دون مساعدة الأوروبيين، بل روسيا والصين أيضًا، وهو ما ترفضه تلك الأطراف مجتمعة. ولإدراك الإدارة الأميركية أن إعادة التفاوض على الاتفاق النووي ليست خيارًا مقبولًا لحلفائها الأوروبيين، فهي تتحدّث عن “اتفاق تكميلي” يتدارك ما تعتبره نواقص وعيوبًا في الاتفاق الأصلي. ومع ذلك، ثمّة من يحذّر في الولايات المتحدة من أن ضغط إدارة ترامب المبالغ فيه على الأوروبيين سيقوّض العلاقات عبر الأطلسي. وفي كل الأحوال، يبدو أن الجميع يستعد للتعامل مع خيار أن الولايات المتحدة ستصبح خارج الاتفاق النووي خلال أربعة أشهر.
المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات