مع دخول العراق عامه الثاني عشر على الغزو الاميركي لأراضيه في اذار 2003م لازال البلد الغني بالنفط يعاني الى اليوم من مشاكل جمة شكلت بمجملها عائقا امام اي فرصة للنمو او الازدهار في اقتصاده الوطني .
العراق مقدمات الافلاس
لم يعد خافيا على احد اليوم ، المشكلات السياسية والاقتصادية وكذلك الاجتماعية التي ارهقت العراق مثل الفساد ،الحرب على داعش، والتدخلات الاقليمية ناهيك ان العراق اصبح مسرحا للمخططات والمؤامرات المستوردة من الخارج ليكون بذلك مسرحا لتصفية الحسابات .
فقد دفعت سياسة التقشف التي يتبعها العراق، في ظل تراجع موارده المالية الناجمة عن تدني أسعار النفط عالمياً، وتعالت اصوات العديد من الخبراء المحللين الاقتصاديين مطالبين الحكومة بالاستمرار في تنفيذ المشاريع خصوصاً الخدميةعن طريق الدفع الآجل، إلى حين حلّ أزمة السيولة المالية التي تمرّ فيها البلاد .
وهنا لابد لنا ان نركز على عدد من العوامل التي اسهمت في وصول العراق الى هذه الحالة التي اقرب ما تكون الى الافلاس ويمكن ان نجمل هذه العوامل بالاتي :.
• انخفاض اسعار النفط وتهاوي الميزانية
ان اهم مشكلة تواجه الاقتصاد العراقي تكمن في طبيعة موارده التي تتصف باحادية الجانب (اقتصاد ريعي) فالنفط يعتبر شريان الاقتصاد العراقي منذ عقود ويشكل اكثر من 90 % من الموارد المالية للبلاد، وهو بالحقيقة ما اسهم الى ان يكون العراق من اكثر دول العالم تأثرا بانخفاض اسعار النفط سيما الاخيرة التي ارهقت الاقتصادات الدولية .
و تواجه الحكومة العراقية عجزا يتجاوز 25 مليار دولار في ميزانية العام الحالي التي تبلغ قيمتها حوالي 105 مليار دولار تقريبا.
لقد حاولت الحكومة العراقية ان تتماشى مع هذا الانحدار في اسعار النفط بعدد من الاجراءات مثل؛ سياسة التقشف،واعتماد مبلغ 56 دولارا للبرميل في موازنة عام 2015 ،الا ان هذه الاجراءات لم تكن لتواكب سعر برميل النفط الذي وصل الى 40 دولار ، وهو ما يعني مزيدا من الخسائر بالنسبة لموازنة الدولة . لقد ادت ازمة النفط الى ان تصعد ارقام المديونية العراقية ، واليوم يدفع الاقتصاد ثمن هذه السياسة، خصوصاً أنه يعتمد بشكل أساسي على العائدات النفطية.و الحكومة العراقية بدورها غير قادرة على دفع المبالغ المستحقة إلى شركات النفط الأجنبية والبالغة قيمتها 27 مليار دولار.
وتشير تقارير عن تراجع احتياطي العملة الصعبة في البنك المركزي العراقي والتي كانت 77.7 مليار دولار انخفضت إلى 68 مليار دولار، أي أن حوالى 9.7 مليارات دولار تم التصرف بها.
لم تتمكن الحكومات المتعاقبة في العراق عبر اكثر من 12 عاما مضت من تنويع الموارد الاقتصادية بل ابقت على النفط كمورد رئيسي ، مهملة بذلك القطاعات الزراعية والصناعية والتجارية التي من الممكن ان تكون مصادر مهمة الى جانب النفط .
مستويات البطالة وصلت الى مستويات مخيفة حيث تجاوزت نسبة 30% بحسب احصائيات رسمية ، اما التضخم مازالت تشهد ارتفاعا ملحوظا بموازاة الازمات التي يشهدها الاقتصاد الوطني لتكون بمثابة حمل جديد على كاهل اقتصاد البلاد .
وهنا نشير الى كلمة لوزير النفط عادل عبد المهدي قال فيها ان الاقتصاد الوطني لن ينطلق ما دام العراق في حدود الدولة الريعية.
• الفساد الاداري والمالي
تعد ظاهرة الفساد في العراق من أكبر التحديات التي تواجه الدولة العراقية ، وهو ماجعل العراق يتصدر قائمة الفساد ولمرات عديدة حسب تقارير منظمة الشفافية الدولية، وقد شهدت هذه الظاهرة انتشارا واسعا في العديد من مفاصل الدولة العراقية، المدنية والعسكرية.
واثار البرلمان العراقي في هذا الشهر الحديث عن نحو أربعمائة مليار دولار من مبيعات النفط في السنوات العشر الأخيرة، يُعتقد أنها هُربت إلى الخارج ضمن عمليات غسل الأموال، وهنا يرجع العديد من المختصين هذا الامر الى النظام المصرفي الذي وصفوه “بالمتخلف” الذي يسمح بتهريب الأموال.
العراق اليوم بحاجة الى نظام مصرفي متين يسهم في تعزيز البنى التحتية للمصارف الخاصة ويمكنها من مواجهة التحديات المالية والاقتصادية المتلاحقة التي تواجه البلاد، حيث يشير العديد من المصرفيين الى ان مجموع رأسمال المصارف الخاصة العراقية بلغ ملياراً و600 مليون دولار خلال 2014.
ان مسألة تدهور الواقع المصرفي وعدم وصوله إلى مستوى الطموح يعود الى ضعف الاقتصاد و نظامه المصرفي الذي ارهقته الحروب والحصار وتوريط المصارف الحكومية بعلاقات مالية خارجية وداخلية معقدة، كل هذه العوامل ادت الى ضعف واضح في العمل المصرفي العراقي وغياب الثقة الدولية وانحسار دور المصارف في كل من النشاط الاقتصادي والتنموي.
وفي الحقيقة لا تقتصر تداعيات عمليات الفساد المالي والإداري على خسارة العراق أموالاً في شكل سرقات ورشى، وإنما تعرض أصول الدولة في الخارج إلى الضياع، نتيجة رفع دعاوى تحكيم من قبل مستثمرين دوليين في المحاكم الدولية ضد الحكومة العراقية لعدم اتباع إجراءات قانونية سليمة في إبرام العقود أو فسخها، حسب المحللين.
وقد اعلن وزير المالية هوشيار زيباري، من واشطن، سعي الحكومة الى اقتراض خمسة مليارات من مصارف دولية لسد عجز الموازنة.
من جهة اخرى اشارت مصادر في حكومة العبادي الى ان العراق في صدد دراسة طلب تمويل طارئ يتراوح بين 400 و700 مليون دولار من صندوق النقد الدولي.
• الحرب على داعش
لقد كان للحرب على الجماعات المتطرفة في العراق اكبر الاثر في ارهاق الاقتصاد العراقي لتضاف الى جملة الاسباب التي ساهمت في تأزم الاقتصاد وتراجعه الى مستويات خطيرة .
و اتجهت الحكومة العراقية إلى الاعتماد على حقول البترول في البصرة، جنوب البلاد، بعدما توقف إنتاج حقول الشمال نسبيا، بسبب الحرب مع “داعش”، التي يسيطر مقاتلوها على الموصل ومحافظات شمالية عدة وهو مااسهم في فقدان العراق العديد من مصادر دخله السنوية التي تأتي من هذه المناطق.
وهنا يشير الخبير الاقتصادي ماجد الصوري الى ان الازمة الاقتصادية في العراق قد تتفاقم بعد الحديث عن احتمالية لجوء عناصر داعش لتفجير مصفى بيجي النفطي والذي يعد من اكبر وزاهم المنشأت النفطية في العراق .
وقدرت لجنة الخدمات النيابية، ، حجم الاضرار التي لحقت بالمناطق التي سيطر عليها تنظيم “داعش” بمبلغ قد يصل الى 25 مليار دولار وهو ما يعد اثقال لكاهل الميزانية العامة المنهكة اصلا .
• مستقبل الاقتصاد العراقي
ان الحديث عن لجوء العراق الى الاقتراض الخارجي يعتبر حلا أنيا ولا يمكن ان نعتبره حلا يمكن ان يلبي متطلبات البلاد ، وهو مايحتم على العراق اللجوء الى مصادر بديلة اكثر ديمومة من الاقتراض والمعونات الخارجية وهو ما تؤكده تجارب الكثير من البلدان العربية خاصة والنامية بشكل عام، كذلك يجب اصلاح النظام المصرفي ليؤدي دوره في انقاذ الاقتصاد العراقي من الازمات التي تحيط به، كما ينبغي تخطيط الاقتصاد العراقي وإعادة النظر في أنظمته من خلال تحديد النظام الاقتصادي الذي يخدم العراق في هذه المرحلة من تأريخه.و البدء بمراجعة شاملة لكافة القطاعات الاقتصادية غير الريعية وتحديد عملية التنميـة فيها.
في الحقيقة ، الوقت ليس في صالح العراق وخصوصا ان البلاد تعيش اليوم أزمة اقتصادية مرعبة قد تتفاقم مستقبلاً إذا لم تتخذ إجراءات عاجلة وواقعية لتوفير موارد إضافية للدولة غير موارد النفط.
عامر العمران
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية