ملاحظات وزير الخارجية الأميركية، ريكس تلرسون، التي أدلى بها في جامعة ستانفورد لشرح المسار المقبل بالنسبة للولايات المتحدة في سورية، تؤشر على تحسنٍ رئيسي في المقاربة الأميركية للأزمة السورية، وهي واحدة تتطابق في كثير من الأوجه مع توصيات تم تقديمها هنا على مدى الأعوام الخمسة الماضية. وقد ذهبت رسمياً وجهة نظر الرئيس باراك أوباما المخطئة على نحو كارثي -التي لقيت معارضة عدد كبير من المسؤولين في إدارته- والقائمة على وجوب إرضاء إيران في سورية من أجل الحصول على توقيع طهران على الاتفاق النووي. وحل محلها شيء أفضل بطريقة يمكن قياسها، لكنه شيء يتطلب عملاً شاقاً مستمراً من فريق دبلوماسي قليل الأعضاء، وإجراء تحديثات عدة في بعض المجالات الحساسة.
عدد تلرسون لائحة من خمسة أهداف (حالات نهاية رئيسية) للسياسة الأميركية في سورية:
1. إلحاق “هزيمة دائمة” بتنظيمي “داعش” والقاعدة.
2. “سورية مستقرة، موحدة ومستقلة، تحت قيادة ما بعد الأسد”.
3. نفوذ إيراني متلاشٍ في سورية.
4. ظروف مواتية لعودة اللاجئين المشردين داخلياً إلى ديارهم.
5. سورية “خالية من أسلحة الدمار الشامل”.
ووفق تلرسون، فإن “إدارة ترامب تنفذ استراتيجية جديدة لتحقيق هذه الأوضاع النهائية. وتنطوي هذه العملية بشكل كبير على عمل دبلوماسي متزايد في أعقاب نجاحاتنا العسكرية المتواصلة. وسوف تتميز جهودنا الدبلوماسية بمبادرات الاستقرار وبتشديد جديد على الحل السياسي للنزاع السوري”. مما هو جدير بالملاحظة أن هذه سوف تكون مهمة دبلوماسية ثقيلة ومستدامة، وتتطلب فريقاً رئيسياً متكاملاً -بما فيه وجود سفير في أنقرة.
تعد الأهداف الخمسة مترابطة مع بعضها بعضا عن قرب، وتعكس صفة مشتركة: استحالة إنجاز أي منها طالما ظالت عائلة مجرمة وحاشيتها تلعب دوراً سياسياً في سورية. وكما لاحظ تلرسون بفطنة، فإن “طبيعة نظام الأسد خبيثة مثل طبيعة راعيته إيران. لقد روج إرهاب الدولة. ومكن المجموعات التي تقتل الجنود الأميركيين، مثل القاعدة. ودعم حزب الله وحماس”. وفي الحقيقة “ظهر داعش أصلاً من رماد القاعدة في العراق، وهي مجموعة دعمها الأسد سراً، وتشير الأدلة إلى أن الأسد ناصر “داعش” بإفراجه عن سجناء إرهابيين كانوا يقضون أحكاماً في السجون السورية وغض الطرف عن التنظيم”.
بشكل حاسم، يضع تلرسون إصبعه على مركز الجاذبية في الأزمة السورية: “الحالة الكارثية للأمور (في سورية) تتصل مباشرة بالافتقار المستمر إلى الأمن والحكومة الشرعية في سورية نفسها. لقد تجاوز الأسد شعبه. وقد قصف بالبراميل المتفجرة قرى وضواحي حضرية برمتها، وقوض مراراً أي فرصة للتوصل إلى حل سلمي للاختلافات السياسية”. ويمكن القول إن أي توجه لبناء جسر مع نظام الأسد ربما يكون قد وُجِد خلال حملة الانتخابات الرئاسية في العام 2016 أو قبلها في إدارة أوباما قد ولى. ولى لأن هذه الإدارة -تماماً مثل سابقتها- تدرك أن النظام والتطرف الإسلاموي الذي يلهمه هما وجهان لعملة واحدة.
وإذن، ما الذي تقترح الإدارة عمله لتنفيذ استراتيجيتها وإنجاز أهدافها؟ كما أشير آنفاً، استشهد تلرسون بمقاربتين دبلوماسيتين عامتين: استقرار الأراضي السورية التي حررت من “داعش” بأيدي الائتلاف المعادي للتنظيم الإرهابي؛ و”تركيز جديد على الحل السياسي للصراع السوري”.
يخاطب مقال نشر في موقع “سيرياسورس” موضوع الاستقرار في سورية إلى الشرق من نهر الفرات. وكان قرار إدارة ترامب عدم إعلان الانتصار على “داعش” وإنهاء التواجد الأميركي في شرقي سورية مهماً بشكل حاسم. فمن شأن تسليم المنطقة لنظام الأسد والمليشيات الخارجة على القانون والتي تأتمر بأمر ضباط إيرانيين أن يمحو جهد ثلاثة أعوام من العمل لهزيمة التطرف الإسلاموي في شرقي سورية. وسوف يفعل ذلك بإعادة خلق فراغ عدم الشرعية السياسية الذي ملأه “داعش” في المقام الأول.
لكن قرار المساعدة على إضفاء الاستقرار على شرق سورية يتطلب إجراء تحديثين إذا ما أريد أن تتحسن فرصه في النجاح بشكل واضح: بذل جهد مستدام لتأمين قدر ما من التعاون التركي؛ ومنح دور حكم مركزي للاتجاه السائد في المعارضة السورية. وقد يكون التحديث الأول هدفاً بعيد المنال، معتمداً على براغماتية أنقرة ومرونتها. لكن التحديث الثاني واضح. فالمعارضة تضم العديد من الأعضاء الذين هم مواطنون أصليون في شرق سورية، وقد أجرت تفكيراً جيداً في موضوع الاستقرار.
فيما يتعلق بشروط دبلوماسية السلام، أكد تلرسون على نحو مفيد مركزية عملية السلام الجارية في جنيف تحت إشراف الأمم المتحدة، والتي ستلتئم أطرافها في فيينا لمواصلة عملها في هذا الشهر. لكن الأقل فائدة هو أنه استمر في ممارسة الإدارة المتمثلة في منح روسيا دوراً مركزياً. فأشار، محقاً، إلى التعاون الروسي في جلب قدر من الاستقرار إلى جنوب غرب سورية. ومع ذلك، مضى إلى القول: “من الواضح أن نظام الأسد ينظر إلى روسيا على أنها ضامنة لأمنه. ولذلك، فإن لروسيا دورا مهما لتلعبه في إقناع نظام الأسد بالمشاركة إيجابياً في عملية جنيف”.
من المؤكد أن كاتباً يحث الإدارة على عدم التخلي عن السعي إلى تأمين التعاون مع أنقرة لن ينصح بتجاهل موسكو. ولكن، لا يجب أن تكون هناك أي أوهام حول مدى نفوذ روسيا على نظام الأسد، ورغبتها في استخدام أي نفوذ لديها، أو حول استعداد الأسد لتقاسم -والأقل كثيراً التنازل عن- السلطة السياسية. وقد لا تكون مسألة إجماع بين المسؤولين الروس أو الشعب الروسي بشكل عام، ولكن سواء كان ذلك في كوريا الشمالية أو أوكرانيا أو سورية، فإن الرئيس فلاديمير بوتين يتمنى الشر للولايات المتحدة والشعب الأميركي. وسواء كان للأفضل أو الأسوأ، فإن المرء إذا سعى إلى استخدام نفوذ الآخرين من أجل إلزام مؤسسة إجرامية في دمشق بالتفاوض بنية مخلصة، فإن طهران ستكون وجهة للمخاطبة أكثر ملاءمة من موسكو.
قد يُستمد النفوذ الأميركي من أجل السلام والمصالحة وإعادة الإعمار في سورية في جزء منه من استمرار التواجد في شرقي سورية. لكن مركزه يوجد في شيء تناوله وزير الخارجية الأميركي بشكل ضيق جداً: حماية المدنيين السوريين.
فيما يتعلق بالحماية المدنية، قصر السيد تلرسون نفسه في الجزء الضخم على عدم قبول الحرب الكيميائية. وفي الحقيقة، اعتبر قرار إدارة ترامب تدمير 20 في المائة من القوة الجوية للأسد رداً على الهجوم الكيميائي الذي كان النظام قد نفذه (على بلدة خان شيخون) في نيسان (أبريل) 2017، مختلفاً في طريقته 180 درجة عن “الخط الأحمر” المخجل للإدارة السابقة. لكن الأسلحة الكيميائية شكلت نسبة ضئيلة من الأشياء البغيضة التي ألقيت على الشعب في سورية، وربما يكون النظام وروسيا يخططان لمدينة إدلب ومحافظتها نفس نوع حملة القتل الجماعي التي نفذاها سابقاً في حلب. فهل ستمر ممارسة إرهاب الدولة من دون معارضة واشنطن طالما خلت هذه الممارسة من استخدام السلاح الكيميائي؟ إذا كان الأمر كذلك، فسوف تكون آلية ضغط مهمة قد نحيت جانباً.
أخيراً: كمدير لمركز الشرق الأوسط، والذي عمل بجد لسنوات لمحاولة التأثير على اتجاه السياسة الأميركية في سورية، ثمة عناصر مهمة في ملاحظات الوزير تلرسون، والتي تنتج إحساساً غائباً بالإنجاز. كلماته عن إعادة الإعمار-“لن تقدم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والشركاء الإقليميون مساعدة إعمار دولية لأي منطقة خاضعة لسيطرة نظام الأسد”-تعكس مكتشفات وتوصيات مشروع مركز الحريري المتواصل في سورية. وتعكس الكثير من تفاصيل تصريح السيد تلرسون حججاً لطالما تم تقديمها منذ أعوام في هذه المدونة. وهناك الكثير الذي يظل بحاجة إلى عمله، خاصة فيما يتعلق بحماية المدنيين السوريين. لكن ما قاله السيد تلرسون أكثر من جيد كنقطة انطلاق لسياسة تعكس القيم الأميركية وتحافظ على المصالح الأميركية.
فريدريك سي. هوف
صحيفة الغد