البحث عن السعادة:عاصفة الحزم ..والاصطفاف العربي في اليمن

البحث عن السعادة:عاصفة الحزم ..والاصطفاف العربي في اليمن

APTOPIX Mideast Yemen

كان اليمن سعيدًا. وليس بعيدًا أن يجد اليمن سعادته المفقودة بسرعة. ولكن ليس من المستبعد أيضا أن يستمر شقاء اليمن لسنوات مقبلة، إن لم يكن لعقود. فمصير اليمن من الآن لم يعد ملكا له وحده، يقرره اليمنيون بأنفسهم، وإنما يتحكم فيه أيضا آخرون. الواقع يقول إن اليمن تحول بسرعة ليصبح حلقة أصلية من حلقات الصراع الإقليمي الكبير في الشرق الأوسط. ليس الصراع العربي – الإسرائيلي ولكن الصراع العربي- الفارسي. وإذا شئت تسمية طائفية له فسمه الصراع السني- الشيعي. ولم يكن سقوط علي عبد اللـه صالح ثم تحالفه الخسيس مع أعدائه السابقين الذين حاربهم، جماعة عبد الملك الحوثي، إلا مجرد لحظة من لحظات الصراع في منطقة وقعت بإرادة حكامها، من هم على شاكلة صالح، خارج أسوار التاريخ. واعتقد حكامها بذلك بأنهم أصبحوا في مأمن من رياح التغيير. وزاد فساد الحكام واستبدادهم حتى تحول الرؤساء إلى ملوك وتحولت الأحزاب الحاكمة إلى “أسر مالكة”!
وبسبب ثورات الربيع العربي، لن يبقى في مكانه حجر على حجر. سيفقد المستبدون قوتهم، مهما حاولوا استعادتها. وستفقد الحدود قيمتها مهما حاولوا تثبيتها. وستفقد الحقائق القديمة، التي اعتقد البعض أنها أبدية، معانيها المقدسة، وستسقط كما تسقط أوراق الخريف. ثورات الربيع العربي لم تتنه. ومن يرقص فرحا محتفلا بنهايتها سيدرك أنه كان مبالغا في التفاؤل، وأن احتفاله كان كاذبا. الذين يفهمون الثورة على إنها نوع من التغيير الإنقلابي السريع جهلة لا يفقهون. ومن المؤسف أنهم كثيرون. وهم الذين يقفزون كل يوم من قارب نجاة إلى قارب آخر، لشعورهم بالتهديد الدائم. صحيح أن نار الثورة المشتعلة على السطح قد تبدو أحيانا وكأنا تخبو. ولكنها هكذا تبدو فقط لمن لا يرون إلا ما هو ظاهر على السطح، ويفتقدون إلى بصيرة الرؤية العميقة، حيث جذوة الثورة تزداد قوة وتوهجا.
ولليمن مكان في كل ذلك. فهو كما قلت، أصبح حلقة أصيلة من حلقات الصراع. وقد شهدت الثورة اليمنية حتى الآن حلقات درامية من التقدم والتقهقر، والانتصار والانكسار. لكن سفينة الثورة لم ترس بعد على شاطئها المأمول. وقد تطول رحلتها وقد لا تطول، لكن هذه الرحلة لن تتوقف إلا عند الوصول إلى شاطئ الأمان، شاطئ الديمقراطية التي افتقدها اليمن، والتي يصبو إليها. وأعني بالديمقراطية هنا نظاما جديدا من القيم والحكم والاقتصاد والثقافة. إن العرب لن يستمروا كثيرا خارج أسوار التاريخ، وإنما سيعودون إليه بقوة، متسلحين بالانتصار على القوى التي حاولت طرد مستقبلهم إلى خارج أسوار التاريخ والحضارة البشرية.
لقد انتقل العالم كله منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي إلى دورة حضارية جديدة، سيتخلص فيها من كل ميراث الحروب والاستبداد السياسي واحتكار الثروة والتمييز ضد الضعفاء الذين وقعت على رؤوسهم كل كوارث التاريخ. وسيكون العرب جزءا من هذه القفزة إلى دورة حضارية جديدة للبشرية. نعم، سيكونون لا محالة.

يتمثل البعد السياسي اليمني لـ “عاصفة الحزم” في هدفين هما تقليص النفوذ العسكري السياسي والعسكري للحوثيين وحليفهم غير الصالح، وإعادة السلطة إلى الرئيس الشرعي وحكومته
في هذا السياق ننظر إلى “عاصفة الحزم”، العملية العسكرية العربية لتقليص نفوذ جماعة الحوثيين أو من يسمون أنفسهم “أنصار اللـه” في اليمن، وإعادة الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي إلى ممارسة سلطاته الرئاسية. وقد كانت “عاصفة الحزم” نتيجة اتفاق بين مجموعة من الدول العربية بقيادة المملكة العربية السعودية، ردا متأخرا على انقلاب جماعة الحوثي المدعومة من إيران، المتحالفة مع طريد الثورة اليمنية علي عبد اللـه صالح، بعد أن تمكن الانقلابيون بمساعدة أطراف إقليمية ودولية من السيطرة على صنعاء في سبتمبر 2014 ثم السيطرة على مؤسسات الحكم، واحتجاز الرئيس الشرعي وحكومته رهائن تحت تهديد السلاح. ثم تقدم قوات الحوثي- صالح من صنعاء صوب الجنوب في 24 مارس 2015. واتخذت العاصفة صورة الحملة الأمريكية على تنظيم داعش في سورية، أي أنها تعتمد على القصف الجوي لدفاعات ومراكز القيادة والسيطرة لجماعة الحوثي، وهي في جميعها أصول يمنية استولت عليها ميليشيات الحوثي بدعم من طريد الثورة اليمنية على عبد اللـه صالح.

أولا- اصطفاف جديد
ويتمثل البعد السياسي اليمني لـ “عاصفة الحزم” في هدفين هما تقليص النفوذ العسكري السياسي والعسكري للحوثيين وحليفهم غير الصالح، وإعادة السلطة إلى الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي وحكومته. وينطلق هذا البعد السياسي شئنا للاعتراف بذلك أم أبينا من مصدر طائفي سني – شيعي. وسوف نرى زخما كبيرا تدفعه هذه الحرب في مواقف التنظيمات السلفية السنية. وهناك في المملكة العربية السعودية من يراها كذلك ويدعو للاصطفاف معها وفي داخلها على هذا الأساس.
كما أن العملية العسكرية السعودية التي تشارك فيها بشكل مباشر أو غير مباشر دول عربية وغير عربية، تنطوي أيضا على أبعاد سياسية إقليمية ودولية. فالعاصفة خلقت اصطفافا جديدا في العالم العربي بين دول مشاركة (مثل الإمارات ومصر والأردن) ودول مؤيدة (مثل ليبيا ولبنان) ودول معارضة مثل العراق والجزائر وسلطنة عمان.
وعلى الصعيد الدولي فإن “عاصفة الحزم” خلقت أيضا اصطفافا دوليا مماثلا لذلك الاصطفاف الإقليمي، بين قوى دولية مشاركة (معلوماتيا ولوجيستيا) مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وربما إسرائيل، ودول معارضة مثل روسيا وإيران. وقد نأت الصين بنفسها عن التورط في الصراع وخلقت لنفسها اصطفافا مع مصالحها، وترجمت ذلك في تصويتها الإيجابي على قرار مجلس الأمن 2216 الصادر في 14 أبريل 2015 بشأن الوضع في العراق. وقد اكتنف الغموض دور الأمم المتحدة بسبب الوقوع تحت تأثير توجهات متناقضة من جانب الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن تجاه العملية العسكرية العربية بقيادة السعودية. وقد رأينا بوضوح كيف تبلور الموقف الروسي بقوة ضد “العاصفة” سياسيا ودبلوماسيا. لكن الأمم المتحدة زيادة على ذلك وقعت تحت تأثير الأخطاء الفادحة لمبعوثها إلى اليمن، الذي وفر خلال الأشهر الماضية غطاء سياسيا لتقدم عبد الملك الحوثي سياسيا وتكريس نفوذه في صنعاء. ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل إن المبعوث اتخذ موقفا غريبا ضد السعودية وأوقع نفسه في حالة “انعدام مصداقية” من جانب الرياض وحليفاتها.
ومع ذلك فإننا يجب أن نأخذ في الاعتبار أن القرار 2216 ليس نهاية العالم بالنسبة للحوثي المدعوم من إيران. ولا تزال أمام قوات وميليشيات الحوثي الكثير من الخيارات العسكرية والسياسية لتغيير الموقف على الأرض، حتى في ظل قرار الأمم المتحدة الذي حدد فترة زمنية قصيرة (10 أيام) للانتهاء من ترتيبات وقف القتال وسحب قوات الحوثيين من المدن وإنهاء سيطرتهم على مؤسسات الدولة اليمنية والإفراج عن المعتقلين والبدء في حوار سياسي تكون العاصمة السعودية (الرياض) حاضنته. وسوف يلجأ الحوثيون إلى أساليب المناورة والمراوغة لكسب الوقت ولتغيير الحقائق على الأرض. وعلى المستوى العسكري يقوم الحوثيون فعلا بإعادة تجميع قواهم العسكرية وإعادة توزيعها في اتجاهين:
الاتجاه الأول هو إعادة التمركز حول عدن، عاصمة الجنوب، ربما لمحاولة اقتحامها بخطة بديلة.
الملك سلمان بن عبد العزيز المعروف عنه أنه “حكيم آل سعود” يسعى لإرساء قواعد جديدة في السياسة الخارجية السعودية
الاتجاه الثاني هو توجيه قسم من القوات إلى صعدة، بغرض تعزيز الدفاعات هناك ولوضع قاعدة انطلاق محتملة من داخل الحدود اليمنية إلى داخل الحدود السعودية.
وفي كل من الاتجاهين يتم إعادة تقدير الموقف بغرض تجنب الخسائر من ناحية، وتوريط قوات التحالف العربي في عمليات يجري تصويرها وكأنها اعتداءات على المدنيين اليمنيين.

ثانيا- اختبار للقيادة السعودية الجديدة
ومن المرجح أن تكون الأزمة اليمنية اختبارا سياسيا حاسما للإدارة السياسية الجديدة في المملكة العربية السعودية، المتمثلة في تحالف محمد بن سلمان- محمد بن نايف. وأما الملك سلمان بن عبد العزيز المعروف عنه أنه “حكيم آل سعود” إلا مجرد الواجهة الشرعية لهذا التحالف الذي يسعى لإرساء قواعد جديدة في السياسة الخارجية السعودية. فالحرب على الحوثيين في اليمن ستفتح “بوابة السياسة” في بلدان تعيش على إخفاء السياسة من قاموس الحياة والممارسات اليومية للمواطنين والوافدين. كما إنها ستقتح باب دخول العسكريين إلى معترك “القوة” في بلد كان يستأثر فيه آل سعود والمؤسسة الوهابية بمقومات القوة دون غيرهما. وستقوم الحرب كذلك بتنشيط متغيرات الحراك الإجتماعي، نظرا لأن الدولة ستكون أكثر اضطرارا إلى توجيه موارد متزايدة للمجهود العسكري. وكلما طال أمد الحرب، كلما انتشرت وتعاظمت التساؤلات عن الحكمة منها.
وأخيرا فإن الحرب ستؤدي، رضينا أم أبينا، إلى زيادة حدة الاحتقان السني – الشيعي في المملكة العربية السعودية وفي دول الخليج بشكل عام. وأنها من هذه البوابة ستعزز نفوذ المؤسسة الوهابية في السعودية ضد أمراء الجيل الجديد من آل سعود المنتمين إلى عالم الحداثة والحضارة البشرية المعاصرة. أما في اليمن، فإن التعايش التاريخي بين اليمنيين الشوافع (السنة) واليمنين الزيود (الشيعة) قد بات مهددا. ومن المرجح أن تيار الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح) سيجد لنفسه بيئة خصبة بعد أن أطاح به الحوثيون وسيحاول ركوب الموجة بقصد العودة للحكم على دبابات سعودية! ولن يتوقف الخطر على اليمن بسبب هذه الحرب عند حد تهديد التعايش التاريخي ببين “الشوافع” وبين “الزيود”، ولا عند قوة احتمالات عودة تيار الإسلام السياسي للصعود. ولكن الأخطر من ذلك هو انقسام اليمن بين جنوب ترتع فيه القاعدة وشمال يستبد به الإخوان، في حال هزيمة الحوثيين وصالح. أما إذا استمرت الحرب لفترة من الزمن، فإنه سيكون صراعا متعدد الأطراف تشارك فيه من مواقع مختلفة قوى دينية مثل الإخوان والقاعدة والحوثيين، إضافة إلى قوى تكنوقراطية منقسمة على نفسها وأهمها العسكريون، وقوى مدنية ممزقة مثل الأحزاب السياسية. هذه بالتأكيد وصفة كارثية للصراع لا يتمنى أحد منا أن تحدث ولا أن يذوق اليمنيون مرارتها.

ثالثا- إيران في مواجهة “العاصفة”
طالبت إيران بالوقف الفوري للغارات السعودية على اليمن، وقامت بتصوير عملية “عاصفة الحزم” على أنها “عدوان” على اليمن وعلى خيارات ثورة الشعب اليمني.
وبعد صدور قرار مجلس الأمن 2216 لجأت الديبلوماسية الإيرانية إلى محاولة الترويج لمبادرة فضفاضة تتضمن وقف العمليات العسكرية وإجراء حوار وطني وتشكيل حكومة “ذات قاعدة سياسية موسعة” وهو ما يعني الإبقاء على كل المكاسب التي حققها الحوثيون على الأرض. وتترجم الأفكار التي تطرحها الديبلوماسية الإيرانية حالة الاستقطاب السياسي الحاد في المنطقة التي تنطوي على صراع متعدد المستويات والاتجاهات بين إيران والدول العربية.
وعلى الرغم من حملة التعبئة الإعلامية المضادة لعاصفة الحزم التي تقودها أجهزة الدعاية الإيرانية الناطقة بالعربية، فقد كانت السياسة الخارجية الإيرانية أكثر اهتماما بالمفاوضات النووية مع القوى الكبرى. ويبدو أن إيران لا تريد أن تنشغل عن معركتها الرئيسية مع الغرب المتعلقة بالملف النووي باي قضية أخرى. وتعتبر حتى الآن أن الأزمة اليمنية هي مجرد قضية فرعية، يمكن تأجيل النظر فيها حتى يتم الإنتهاء من وضع أسس اتفاق مع القوى الكبرى، والتوقيع على هذا الإتفاق بما يؤدي إلى رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران.
إن توقيع اتفاق نووي بين إيران والغرب بحلول يونيو من العام الحالي (أو ربما متجاوزا السقف الزمني المحدد) سيكون العنوان الرئيسي لحقبة “الوفاق الإيراني- الغربي” التي سوف تستمر لعقود من الزمن تحت رعاية الولايات المتحدة الأمريكية. لكن هذا “الوفاق” لكن يكون أبدا حالة “سلام” وما ينطوي عليه من فوائد ومكاسب اقتصادية (peace dividends) وإنما سيسود هذه الحقبة نمط من الصراعات الإقليمية تستنزف قوى الأطراف المختلفة في المنطقة وصولا إلى تحقيق أهداف الاستراتيجية الأمريكية في تغيير الأنظمة وتعديل خطوط الحدود وتأمين القيادة الإمبراطورية الأمريكية للعالم في ظل نظام تنحسر فيه قوة “الدولة القومية” ويخضع لهيمنة مظلة دفاعية يقودها حلف الأطلنطي، وينمو اقتصاديا على أساس تقسيمات إقليمية وفرعية، تفتح أبواب المنطقة للتجارة والاستثمار وأنشطة الشركات العابرة للقارات على أوسع ما يكون.
وفي حال الاتفاق بين إيران ومجموعة الدول المعروفة باسم “5+1” (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى كل من ألمانيا والاتحاد الأوربي)، فإن هذا الاتفاق سيسمح (حسبما هو هدف الاتفاق) لإيران بأن تستمر في تطوير برنامجها النووي، بما في ذلك إنتاج الوقود النووي المخصب، بما يجعلها دائما على مبعدة 12 شهرا من إنتاج سلاح نووي. وفي مقابل ذلك يتم رفع العقوبات الاقتصادية تماما عن إيران، سواء تلك المفروضة من جانب واحد (بواسطة الولايات المتحدة مثلا) أو العقوبات متعددة الأطراف (مثل تلك المفروضة على إيران بواسطة كل من الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة) أو العقوبات الدولية المفروضة عن طريق الأمم المتحدة. وستستفيد إيران من وراء ذلك تصدير البترول بحرية إلى دول العالم، وهو ما يزيد دوافعها لزيادة الإنتاج، وزيادة جاذبية الإستثمار في موارد النفط والغاز الإيرانية بواسطة الشركات الدولية، وزيادة قدرة إيران على التصدير والاستيراد من العالم بلا قيود.
ولا شك أن رفع العقوبات الإقتصادية عن إيران سيزيد من قوتها المالية والاقتصادية، كما إنه قد يفتح الباب لنوع جديد من الصادرات الإيرانية إلى الخارج، متمثلا في الصادرات العسكرية. وكانت إيران قد طورت في السنوات الأخيرة أنواعا كثيرة من الأسلحة لأغراض زيادة قدرات الدفاع المحلي وتوسيع نفوذها الإقليمي. وستصبح منظومات الأسلحة التي طورتها إيران (بمساعدة كوريا الشمالية وعلماء روس سابقين اشترتهم إيران من موسكو عقب سقوط الاتحاد السوفيتي)، واحدا من مكونات الصادرات الإيرانية ذات الأهمية المتزايدة. ويوجد لإيران حاليا الكثير من الزبائن المحتملين لأسلحتها مثل العراق وحزب اللـه اللبناني وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية وجماعة عبد الملك الحوثي في اليمن وبعض جمهوريات آسيا الوسطى.
غير أنه من المتوقع في حال انجرار إيران إلى ساحة الأزمة اليمنية أن تنحسر مكاسب “الوفاق الإيراني – الغربي” بسبب الخسائر التي ستتعرض لها إيران. فالتدخل الإيراني في الأزمة اليمنية بعد نجاح “الوفاق الإيراني- الغربي” لن يكون خيارا، بل إنه سيكون ضرورة، لكي تبرهن طهران من خلال هذا التدخل على قوة نفوذها الإقليمي تحت مظلة الوفاق مع الغرب. ليس ذلك فقط، بل إن التدخل الإيراني في الأزمة اليمنية هو ضرورة للوفاء بمستلزمات التحالف مع جماعة عبد الملك الحوثي أو من تسميهم إيران “أنصار اللـه”. فإذا تخلت إيران عن أنصار اللـه في اليمن، فهذا سيكون بمثابة “كعب أخيل”، الذي سيتسرب منه تيار الضعف وانهيار الثقة في مصداقية السياسة الإيرانية في مناطق أخرى من المنطقة أهمها العراق وسوريا ولينان والبحرين، حيث تترعرع الجماعات الطائفية السياسية والمسلحة الموالية لإيران.
لكن التدخل الإيراني في الأزمة اليمنية سيواجه عقبة كبيرة تتمثل في انقطاع خطوط الإمدادات. ففي العراق وسوريا ولبنان، لا تواجه إيران صعوبة في تحريك قوتها في أشكالها المختلفة، حيث الاتصال الأرضي والجوي، وإمكانية الوصول البحري الأمن. أم في اليمن فالمسألة تختلف. فاليمن محاصر بالحدود السعودية من الشمال وبالبحر من الجنوب والغرب وبالحدود مع سلطنة عمان من الشرق. وسوف تخضع الحدود اليمنية – العمانية لرقابة شديدة من السعوديين، لكنني لا أعتقد أن سلطنة عمان الحريصة دائما على دور “الوسيط” في النزاعات الخليجية يمكن بأي شكل من الأشكال أن تتورط لصالح طرف من الأطراف على حساب الطرف الآخر. وعليه فإن إمكانية الوصول الإيراني إلى اليمن برا تنعدم تقريبا.
وهذا يدعو واضعي الاستراتيجية إلى البحث عن منافذ أخرى. لكن المنافذ البحرية جميعا تقع حاليا تحت الحصار والرقابة الشديدة من جانب كل من القوات البحرية السعودية والمصرية، وربما تشارك في هذا الحصار بوسائل وأشكال مختلفة قطع بحرية أمريكية وفرنسية وإسرائيلية. وليس من المستبعد أن تحاول إيران اختراق هذا الحصار البحري بطرق مختلفة عن طريق سفن تجارية مستأجرة تمر بموانئ دول أخرى، قبل أن تتجه إلى الموانئ اليمنية، أو حتى تبحر مباشرة إلى اليمن من موانئ غير إيرانية. ويمكن القول باطمئنان إن هناك كثيرا من الثقوب التي يمكن أن تسهل للإيرانيين الوصول إلى اليمن بالطرق البحرية بغرض تقديم المساعدة والإمدادات إلى حلفائهم في اليمن.
ومن المتوقع أن تحتل الإمدادات الإيرانية إلى اليمن بطريق الجو أهمية متزايدة في الأشهر المقبلة، إذا بقيت الأزمة اليمنية على حالها، وهو الأرجح. ويمكن بسهولة للطيران الإيراني الوصول إلى مطار صنعاء أو إلى مطارات أخرى أو قواعد عسكرية آمنة حاملا إمدادات بشرية وعسكرية وطبية وتموينية (أغذية ووقود) إلى حلفاء إيران في اليمن. ولهذا السبب فإن المملكة العربية السعودية فرضت حظرا على عبور الطائرات الإيرانية الأجواء السعودية إلى اليمن، لكي تحرم طهران من طريق الوصول المباشر الآمن إلى العاصمة اليمنية. وقد زاد قرار مجلس الأمن من صعوبة الموقف بالنسبة لإيران. لكننا يجب أن نعرف أن القرار لا يجعل من عملية إمداد جماعة الحوثي بالسلاح أمرا مستحيلا.
أصبح المشهد في عدن يمثل صراعا بين قوة القبائل واللجان الشعبية المسلحة بالبنادق، وبين ميليشيات الحوثي وقوات الجيش الموالية لعلي عبد اللـه صالح المسلحة بالدبابات والمدفعية
رابعا- نقل الحرب من صنعاء إلى عدن
ويبدو أن صناع الاستراتيجية في طهران يعمدون إلى الدفع بتركيز المجهود العسكري الرئيسي باتجاه عدن والجنوب اليمني بشكل عام، ليكون هذا هو مسرح الحرب. وفي المقابل يجري العمل على قدم وساق من أجل تثبيت الأوضاع في صنعاء لمصلحة الحوثيين وحلفائهم. ويظهر حتى الآن أن الإيرانيين نجحوا إلى حد كبير في ذلك. وقد استفادوا من مخطط قديم كان طريد الثورة اليمنية علي عبد اللـه صالح قد أعده لمواجهة “الحراك الجنوبي” واحتمالات تزيد قوة الدعوة لانفصال الجنوب عن الشمال. وقد تضمن هذا المخطط إبعاد ألوية القوات المسلحة اليمنية الضاربة عن القواعد العسكرية في الجنوب، وبناء طرق وأنفاق سرية تمتد من القواعد الموجودة إلى داخل مواقع استراتيجية في عدن مثل المطار الدولي والأحياء الاستراتيجية مثل خور مكسر، تسمح بنقل الجنود والمعدات بسهولة وفي زمن مباغت إلى داخل عدن.
صحيح أن الرئيس هادي واللواء محمود الصبيحي كانا قد أمرا بنقل بعض الأسلحة والقوات الثقيلة إلى عدن، لكن الملاحظ الآن بعد الخدعة التي تم على إثرها خطف الصبيحي، ومع وجود هادي خارج البلاد، وعدم وجود قيادة عسكرية ميدانية موحدة في جانب ما يسمى “الشرعية” أن هذه القوات والأسلحة فقدت فاعليتها، خصوصا مع هروب أعداد كبيرة من الجنود والضباط من ساحة القتال.
لقد أصبح المشهد في عدن يمثل صراعا بين قوة القبائل واللجان الشعبية المسلحة بالبنادق من ناحية، وبين ميليشيات الحوثي وقوات الجيش الموالية لعلي عبد اللـه صالح المسلحة بالدبابات والمدفعية في الناحية المقابلة. إن أعدادا كبيرة من قوات علي صالح والحوثي تتسرب يوميا إلى عدن، بالعشرات، تمهيدا لأن تصبح “حصان طروادة” في جنوب اليمن، تقاتل ضد الأهالي وتوقف أي محاولة للانفصال عن الشمال الذي تتحكم فيه القوى المهيمنة في صنعاء وعلى رأسها عبد الملك الحوثي. وأظن أن سقوط عدن تماما في أيدي الحوثيين سيتوقف على قوة المقاومة الشعبية التي يقودها شباب جنوب اليمن في الأحياء المختلفة أو المديريات الإستراتيجية مثل العلم ودار سعد وخور مكسر وكريتر. ولا شك أن قوة المقاومة وانتصاراتها ضد محاولات التقدم الحوثي في عدن فاجأت اليمنيين أنفسهم كما فاجأت أعداءهم في طهران.
لقد نجحت إيران وحلفاؤها حتى الآن في حماية صنعاء وتأمين الحياة فيها، كما نجحوا أيضا في نقل ساحة الحرب إلى الجنوب وإلى عدن على وجه الخصوص، تمهيد لقطع الطريق على أي مطالبة سعودية بعودة “الرئيس الشرعي” للحكم، وتوسيع نطاق سيطرة الحوثيين وحلفائهم ليغطي اليمن بشماله وجنوبه. وفي اعتقادي أن مسألة عودة الرئيس عبد ربه منصور هادي فقدت شعبيتها حتى بين اليمنيين أنفسهم. وفي هذا السياق يتم حاليا إعداد قيادة بديلة ستكون على الأرجح خالد بحاح الذي تم تعيينه نائبا لرئيس الجمهورية. ويعتبر بحاح (الحضرمي الأصل) شخصية معتدلة إلى حد كبير، ومن المتوقع أن يميل أكثر إلى الحلول السلمية الوسطية.
وسوف تتجه إيران لمساندة حلفائها بقصد إطالة الحرب وجعل غارات الطيران السعودي أو القصف البحري للموانئ والمطارات والمواقع الاستراتيجية اليمنية بمثابة أفعال يستهجنها الرأي العام الدولي والأمم المتحدة. ومن ثم تحويل المعركة العسكرية للسعودية وحلفائها إلى معركة خاسرة، ونقل الأزمة مرة بعد مرة إلى الأمم المتحدة حتى يضج بها المجتمع الدولي، وإعادة فتح الباب لحوار يشارك فيه صالح، الحليف السابق للسعودية وعبد الملك الحوثي، حليف إيران الطبيعي الذي تشير كل الدلائل إلى أنه قد تشيع فعلا للمذهب الاثنى عشري، وخرج على المذهب الزيدي، ويخضع تماما للقيادة الإيرانية وفقا لمبدأ “ولاية الفقيه” في الفقه السياسي والديني الإيراني. لكن هذا السيناريو الإيراني قد لا يجد منافذ عملية للتحقق، وربما يفشل فشلا ذريعا في المرحلة الحالية من الصراع.

خامسا- خصائص الحرب بالوكالة
تثبت تجارب الحروب بالوكالة منذ حرب فيتنام حتى الآن، إن الفيصل في تحديد المصير الذي تنتهي إليه تلك الحروب هو قوة وفاعلية الحليف المحلي، سياسيا واجتماعيا قبل أن تكون له قوة التفوق العسكري. وتعتبر المنطقة العربية حاليا مسرحا كبيرا للحروب بالوكالة، بسبب كثرة وتعقد الصراعات الكامنة بالمنطقة، والصراعات عليها من الخارج. ولا تخرج الحرب الحالية في اليمن عن هذا السياق. وسوف تحدد القوى المحلية، وليس القوى الخارجية مآل الحرب. وسوف تتوقف فاعلية أي من القوى الداخلية على برنامجها السياسي، وعلى فاعلية خطابها التعبوي، وقوة نفاذه إلى عقول وقلوب المواطنين. وهنا يكمن موضع الخطر الذي لا تدركه قوى “عاصفة الحزم”!
إن “عاصفة الحزم” لا تقوم على أساس خطاب سياسي مقبول قبولا كاملا في اليمن. وهو خطاب سياسي متعالٍ وقليل المضمون، يركز على الإستنفار ضد إيران والدعوة للعودة إلى الشرعية. وفي مقابل ذلك فإن خطاب القوى الحليفة لإيران يقوم على أساس “التغيير” وإن كان يفتقر إلى ملامح مستقرة ودقيقة لعملية التغيير المستهدفة. ومع ذلك، فإن خطاب “التغيير” هو الأقرب إلى العقل اليمني، قياسا إلى خطاب “عودة الشرعية”، خصوصا وإن الخطاب السياسي الحوثي يحاول أن يستنهض كل القوى بناء على أدلة فساد النظام القديم، وذلك على الرغم من أن حليفهم الرئيسي علي عبد اللـه صالح، كان المسؤول عن ذلك الفساد. وقد استطاع الحوثيون أن يرفدوا خطابهم السياسي في المناطق التي سيطروا عليها، خصوصا في صنعاء، بمجموعة من الإجراءات التي من شأنها أن توفر للمواطنين قدرا أكبر من الأمان ومن الحساس بالعدالة بقصد تمكين الخطاب بالمصداقية، أي تكملة القول بالفعل. وإن كان هذا لا ينفي عن الحوثيين وعن صالح الوحشية الشديدة في مواجهة الخصوم، بمن فيهم المتظاهرون السلميون. ومن المعروف أن عشرات من معارضي الحوثي قد قتلوا أو اختفوا تماما من الوجود أو لا يزالون على قيد الحياة في أقبية التعذيب والسجون الخاصة التي تديرها الميليشيات الحوثية والقيادات العسكرية التابعة لعلي عبد اللـه صالح.

إن إعادة بناء اليمن الموحد، لكي يعود سعيدا كما كان في عصور سابقة، لا يكون باغتيال الديمقراطية وفرض التسلط واحتكار الثروات، وكسر الإرادة الوطنية وإخضاع البلد لهيمنة إرادة أجنبية
سادسا- التغيير والديمقراطية
أما القضية الغائبة لدى كل من الفريقين المتصارعين في اليمن، فريق الرئيس الشرعي، وفريق الإنقلاب الحوثي، فإنها بدون شك هي قضية “الديمقراطية” التي هي الهدف الحقيقي للثورة في اليمن. وما الانقلاب الحوثي إلا محاولة من محاولات اغتيال هذه الثورة، لا يختلف كثيرا عن الانقلاب الإخواني في مصر، ولا عما يحدث في سورية وفي ليبيا.
إن إعادة بناء اليمن الموحد، لكي يعود سعيدا كما كان في عصور سابقة، لا يكون باغتيال الديمقراطية وفرض التسلط واحتكار الثروات، وكسر الإرادة الوطنية وإخضاع البلد لهيمنة إرادة أجنبية. إن إعادة بناء اليمن الموحد يكون أولا بالإرادة الوطنية ومن أجل إقرار الحريات العامة وسيادة القانون والتداول السلمي للسلطة واحترام حقوق الإنسان وجعل كل المواطنين سواسية في نظام يقوم على إتاحة الفرص المتكافئة للجميع من أجل حياة أفضل. ولا شك أن كلا من الطرفين المتقاتلين في اليمن حاليا، لا همّ لأي منهما غير تأسيس سلطته على قواعد اغتيال الحريات والاستبداد والتمييز وقهر الإرادة الوطنية المستقلة لمصلحة الولاء لقوى إقليمية تجاوزها التاريخ.
ومع ذلك فإن عملية إعادة البناء، قد يكون لها حظ كبير من النجاح إذا تمت تعبئة قوى الشباب في الشمال وفي الجنوب الذي يحاربون السيطرة الحوثية بصدور عارية (كما هو الحال في عدن وفي تعز) أو الذين يقاتلون بالبنادق ضد عدو يستخدم ضدهم الأسلحة الثقيلة مثل المدافع والعربات المدرعة والدبابات. وأظن أن ذلك يتطلب الخطوات التالية:
1- إنشاء قيادة عسكرية موحدة لقوى مقاومة الانقلاب الحوثي الإيراني. وتفتقر قوى ما يسمى “الشرعية” حاليا لوجود قيادة عسكرية موحدة محترفة على مستوى عال من الكفاءة، إضافة إلى وجود القيادة السياسية “الرئيس الشرعي” خارج اليمن.
2- إدماج قوات مقاتلي القبائل واللجان الشعبية الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي في القوات المسلحة اليمنية الشرعية، ووضع خطة لإعادة تدريب وتنظيم وتسليح هؤلاء المقاتلين وتوجيههم بتولي مسئولية الدفاع عن اليمن ضد الانقلابيين الحوثيين.
3- الاستعداد للمعارك التي قد يشنها الحوثيون في أماكن أخرى، خصوصا في مأرب، حيث حقول النفط والغاز، والتنسيق بدرجة أعلى مع قبائل مأرب، لضمان أمن واستقرار المناطق الخاضعة لهذه القبائل وعدم سقوطها في قبضة الحوثيين.
4- تطوير الخطاب السياسي وضرورة الانتقال من مجرد “عودة الشرعية” إلى “التغيير وبناء الديمقراطية. ويجب أن يترافق ذلك باتخاذ إجراءات على الأرض لاجتثثاث الفساد والتفاوت ولوضع وتطبيق قواعد تضمن الشعور بالأمن والحرية والعدل بين المواطنين. إن نجاح هذا الخطاب السياسي لقوى “الشرعية السياسية” هو رأس الرمح الذي يمكن أن يصنع الإنتصار الحقيقي لـ “عاصفة الحزم”. ولن ينهض اليمنيون لنجدة رئيس غائب مهما كانت شرعيته، ولكنهم يمكن أن ينهضوا بقوة ضد الفساد والاستبداد ومن أجل بناء نظام ديمقراطي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، يدخل من بوابته اليمن إلى القرن الواحد والعشرين.
5- تنمية المناطق المهمشة في كل أنحاء اليمن. فاليمن باستثناء العاصمة صنعاء هو ساحة واسعة من المناطق المهمشة. وتثير الصور الصادرة من مدينة “عتق” ومن غيرها من مدن الجنوب حالة من الحزن الشديد على ما أصاب اليمن خلال فترة حكم علي عبد اللـه صالح الذي اعتصر ثروات اليمن من النفط والغاز لصالح قصره الرئاسي ولصالح بعض أحياء صنعاء. إن مراكز إنتاج الثروة في اليمن بما فيها مراكز إنتاج النفط والغاز تعاني من إهمال حاد، يتوجب بسرعة العمل على تجاوزه وإعادة بناء وتنمية المناطق المهمشة. ويرتبط بذلك أيضا الحد من الفساد المتفشي في أركان الدولة في اليمن.

سابعا- التدخل البري
سوف ترتفع الأصوات من أجل التدخل البري لقوات التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية، كلما حقق الحوثيون انتصارا على الأرض. ويعزز قرار مجلس الأمن بشأن اليمن فرص التدخل البري. وأظن أن تغيير موازين القوى بين أطراف الصراع في اليمن هو المهمة الرئيسية العاجلة وليس التدخل البر ي. ومن غير المقبول على الإطلاق أن تسيل دماء في اليمن لكي تجني حصادها لاحقا قوى مثل “التجمع اليمني للإصلاح” وهو فرع الإخوان المسلمين في اليمن، أو فلول “المؤتمر الشعبي العام” التي هي المقابل اليمني لفلول الحزب الوطني في مصر. وقد استطاع الحوثيون منذ بدء العمليات الجوية للسعودية وحلفائها أن يتقدموا جنوبا نحو عدن، ثم دخلوا عدن، ويتجهون حاليا إلى إعادة التجمع خارجها، وقد ينسحبون منها تماما خلال أيام وليس أسابيع. وقد نجحت الغارات الجوية لقوات التحالف العربي في تحقيق أهداف استراتيجية مبتغاة بما أدى إلى منع قوات الحوثي وصالح من السيطرة على عدن، وبدء هذه القوات في إعادة التجمع شمالا. لكننا مع ذلك نقول إنه في ظل هذا التطور للعمليات من الجو ومن البحر وعلى الأرض، ليس من المقبول أن يكون الهدف منها هو إعادة عبدربه منصور هادي إلى العاصمة التي اتخذها لنفسه مؤقتا بعد أن نجح في الإفلات من أسر قوات الحوثي له، أو في إعادة تنصيب حكومته في صنعاء. إن المشروع السياسي لعاصفة الحزم يجب أن يكون أكثر وضوحا وأكثر طموحا بما يستجيب لتطلعات اليمنيين إلى وحدة تحفظ الحقوق والمصالح وتقود إلى تنمية حقيقية لليمنيين وبلدهم.
ومن الصعب تصور أن اتخاذ قرار بالتدخل البري في اليمن سيكون مسألة سهلة بالنسبة للقيادات العسكرية في السعودية أو في دول الخليج ومصر، خصوصا بعد أن رفض البرلمان الباكستاني الموافقة على طلب الحكومة إرسال قوات إلى السعودية، وبعد أن نأت تركيا بنفسها عن الصراع مكتفية بالبيانات والشعارات.
وعلى الرغم من ذلك، فإن واحدا من الخيارات التي قد تكون مطروحة على القيادات العسكرية داخل غرفة العمليات الرئيسية في الرياض، يتمثل في ضرورة نقل الحرب إلى صعدة عاصمة الحوثيين ومركز عملياتهم. وقد تكون الخطورة التي تنطوي عليها مثل هذه الخطوة إنها قد تنقل الحرب من اليمن إلى السعودية نفسها، كما إنها قد تجلب على السعوديين إدانة دولية من إيران وحلفائها. ويجب الإعتراف بأن الوضع الحالي الذي انحدر إليه اليمن وبلغته طبيعة العمليات العسكرية على الأرض هناك، شارك في صنعه الخطأ في التقديرات الزمنية، واتخاذ خطوات قد تكون صحيحة لكنها تمت في التوقيت الخاطئ، المتأخر عن موعده في أغلب الأحوال.
وسوف أضيف إلى طبيعة المعضلة التي تحيط بقرار التدخل البري، حداثة عهد القيادة الفعلية السعودية (الأمير محمد بن سلمان والأمير محمد بن نايف) بالمسئولية الكاملة عن القرار السياسي والعسكري في غرفة العميات. نعم كان محمد بن نايف وزيرا للداخلية، لكنه كان يتستر سياسيا بالمرحوم الملك عبد اللـه منذ توليه منصبه. الآن هو يتحمل المسؤولية السياسية مباشرة مع الأمير محمد بن سلمان وزير الدفاع. وأظن كذلك أن قرار مصريا بالتدخل البري في اليمن هو قرار صعب محفوف بالمخاطر وسيلقى معارضة شعبية جارفة.
خاتمة:
تقترب الأزمة اليمنية من مفترق طرق بعد صدور قرار مجلس الأمن 2216. الغارات الجوية استنفدت أغراضها تقريبا والمزيد منها سيعرض المدنيين للخطر كلما تغلغل الحوثيون وقوات صالح في شوارع المدن الرئيسية. كذلك فإن المزيد منها سيجلب إدانة المجتمع الدولي إلى مستوى غير مسبوق، وسيمنح إيران والحوثيين ذخيرة سياسية قوية ضد السعودية ومصر ودول الخليج. وعلى الرغم من الخسائر المادية التي ألحقتها الغارات الجوية “عاصفة الحزم” بالحوثيين وأنصار علي عبد اللـه صالح، فإنها لم تمنعهم من الزحف على الجنوب والاقتراب من السيطرة على عدن وزيادة قبضتهم على الشمال. وتبدو موازين القوى الحقيقية على الأرض في تتحرك في غير صالح الحوثيين في الجنوب وبعض مناطق الوسط، لكن قوتهم لا تزال راسخة إلى حد كبير في الشمال. وربما يأتي هنا دور شراء الولاءات بالمال، وللسعوديين خبرة طويلة في ذلك مع القبائل اليمنية.
وقد فشلت قوى “الشرعية” حتى الآن في تعبئة وتجييش المواطنين في شمال اليمن للدفاع عن اليمن ضد تسلط الحوثيين وضد امتداد النفوذ الإيراني وضد عودة نظام على عبدالله صالح. وربما لا يزال هناك قدر من الوقت لمحاولة دمج كل مقاتلي اللجان الشعبية الموالية للرئيس هادي ومقاتلي القبائل بالقوات المسلحة اليمينية وإعادة تنظيم وتسليح هؤلاء المقاتلين بالقدر الذي يجعلهم قادرين على مواجهة خصوم يقاتلون بالأسلحة الثقيلة وليس بالبنادق.
وفي مواجهة تدويل الأزمة يوجد خيار إطالة الحرب عن طريق التدخل البري. وهذا قرار صعب جدا في الوقت الحاضر، سيحول اليمن فعلا إلى “فيتنام” العرب. وستكون الحرب اليمنية عندئذ هي المحرقة التي ينجرف إليها العرب والإيرانيون على السواء، تستنزف قواهم وتحرقهم لمصلحة غيرهم، الولايات المتحدة وإسرائيل.
لكننا ربما نكون قد اقتربنا من نقطة اللاعودة، وإننا نبدو فعلا وكأننا ننجرف إلى فيتنامنا العزيزة! فإذا حدث، فمرحبا بالتدخل البري.

د.إبراهيم نوار

المركز العربي للبحوث والدراسات