عار على الدول الاوروبية جميعا ما نشاهده يوميا من غرق للمئات في عرض البحر من المهاجرين العرب والافارقة الذين يبحثون عن حياة كريمة على الشاطيء الآخر من المتوسط، بعد ان ضاقت بهم سبل العيش في بلدانهم، بسبب الفقر والجوع والبطالة والحروب الاهلية المدمرة.
الدول الاوروبية تغض النظر عن حالات الموت هذه، لانها تتبنى سياسة اجرامية، طابعها الاهمال والتلكؤ في انقاذ هؤلاء وتقديم يد المساعدة اليهم، وهي التي تملك امكانات هائلة في هذا الخصوص، والهدف من ترك المئات بل الآلاف يغرقون في البحر، ومن بينهم اطفال ونساء، هو ايصال رسالة الى الذين ينتظرون ركوب البحر بأنهم سيواجهون الموت غرقا، الامر الذي قد يدفعهم، او بعضهم، لتغيير رأيهم، والعودة الى بلداهم.
الغالبية الساحقة من هؤلاء اللاجئين يستقلون مراكب متهالكة، ويقعون ضحية سماسرة ومهربين بلا قلب او ضمير، وكل همهم جمع المال الحرام بكل الطرق والوسائل، ولا يهمهم ما يحدث لهؤلاء في عرض البحر طالما حصلوا على مبتغاهم وقبضوا الثمن مقدما.
دول حلف الناتو التي دمرت ليبيا وحولتها الى دولة فاشلة لا تسيطر على شواطئها التي تمتد الى اكثر من الفي كيلومتر على طول الساحل الجنوبي للمتوسط، هي التي تسببت بكارثة هذا البلد، وهي الآن تدفع ثمن خطيئتها هذه على شكل افواج المهاجرين “غير الشرعيين” الذين يتدفقون اليها، ليس من ليبيا ودول الاتحاد المغاربي فقط، وانما من سورية والعراق واليمن وباكستان وكردستان، وحتى قطاع غزة.
التدخل العسكري الغربي الذي تزعمته الولايات المتحدة وبدأ في افغانستان، وبعدها في العراق وسورية واليمن وليبيا، هو الذي زعزع استقرار المنطقة وخلق اكثر من خمس دول فاشلة، او شبه فاشلة، باغراقها في حرب اهلية مناطقية او طائفية استجابة للوبيات اليهودية الاسرائيلية التي تريد تمزيق الدول القطرية وانهاك جيوشها، واشغالها في حروب استنزاف وصراعات داخلية ومذهبية حتى تظل اسرائيل في مأمن والقوة النووية والعسكرية الاكبر في المنطقة بأسرها.
حلف الناتو الذي ادى تدخله في العراق الى مقتل اكثر من مليون انسان، وتيتيم ما يقرب من اربعة ملايين طفل يدفع الآن الثمن غاليا من خلال تدفق هؤلاء المهاجرين، وهو يتحمل مسؤولية انقاذهم واستيعابهم في بلدانه وتوفير الحياة الكريمة لهم، وهو الذي غزا معظم هذه البلدان، وغير انظمة بعضها تحت شعارات الديمقراطية وحقوق الانسان والعيش الكريم.
العام الماضي 2014، تم العثور على اكثر من اربعة آلاف جثة لمهاجرين غرقوا في البحر، ومن المتوقع ان يتضاعف هذا الرقم
ثلاث مرات هذا العام، ففي الاسبوع الماضي وحده غرق في البحر حوالي الف مهاجر او لاجيء، ووصل احدى عشر الفا الى الشواطيء الايطالية كانوا افضل حظا، وهناك نصف مليون ينتظرون في ليبيا الفرصة لركوب البحر، والعبور الى اوروبا، والمسألة مسألة وقت بالنسبة اليهم، ولكن تردعهم حوادث الغرق التي تصيب زملائهم، لانهم لا يخافون الموت، ويريدون التخلص من حال البؤس التي يعيشونها في بلادهم بسبب التاريخ الطويل من الاستغلال لثرواتهم من قبل الدول والشركات الغربية في فترة الاستعمار وما بعدها.
حلف الناتو الذي قصف ليبيا قصفا سجاديا لعدة اشهر، وقتل آلاف الابرياء، لم يصرف فلسا واحدا على اعادة بناء ما دمره بعد نجاح مهمته في اطاحة النظام، ولم يقم اي مؤسسات امنية او عسكرية، وترك البلاد للميليشيات المسلحة لكي تبث الرعب والارهاب في صفوف اهلها، ولحكومات تنهب ثرواتها، وهناك من يقدر سرقة 150 مليار دولار من اموال الشعب الليبي في السنوات الاربع الماضية فقط.
وهناك عدة حلول امام الدول الاورويبة لمواجهة مشكلة الهجرة واللجوء التي تعيشها هذه الايام، بعضها قصير، وبعضها الآخر بعيد المدى:
- اولا: لا بد من حل سياسي يؤدي الى عودة الاستقرار في ليبيا، فالدول الاوروبية التي تدخلت عسكريا تحت مزاعم معظمها كاذبة، وبمباركة من السيد عمرو موسى امين عام الجامعة العربية في حينها، ومشاركة عدة دول خليجية، هي التي اغرقت ليبيا في الفوضى الدموية التي تعيشها حاليا، وهي التي دمرت مؤسساتها، وعليها ان تصحح هذا الخطأ.
- ثانيا: رصد مئات المليارات من الدولارات كإستثمارات في دول الساحل الجنوبي للمتوسط، للقضاء على البطالة، وانعاش اقتصاديات هذه الدول، تماما مثلما تفعل الدول الاوروبية لانقاذ دول حوض اليورو، مثل اليونان واسبانيا والبرتغال وايطاليا، فلا يمكن ان يكون هناك امن لدول الساحل الشمالي للمتوسط، بينما يتضور ابناء ساحله الشمالي جوعا.
- ثالثا: اعادة النظر في كل السياسات الاوروبية المتعلقة بالهجرة، وعلى رأسها عدم التدخل سريعا لانقاذ هؤلاء في عرض البحر، وتوفير المأوى لهم، وتوزيعهم على جميع الدول الاوروبية وليس تركهم في “سجن” جزيرة “لامبدوزا” الايطالية الصغيرة، التي لا تزيد مساحتها عن بضعة كيلومترات مربعة.
ترك اللاجئين يموتون غرقا في البحر المتوسط، بينما الاساطيل والسفن الاوروبية تدير وجهها الى الناحية الأخرى “جريمة حرب” لا يمكن غفرانها، لا بد من وضع حد لها، وبأسرع وقت ممكن.
افتتاحية “راي اليوم”