شهد العاشر من شباط/ فبراير 2018 نقطة تحول في الأوضاع الأمنية الإقليمية بعدما تعدت طائرة إيرانية مسيرة الأجواء الإسرائيلية وتم إسقاطها. وردت إسرائيل بإطلاق طائرات مقاتلة لضرب أهداف في سوريا، بما فيها قاعدة طياس الجوية (مطار التيفور) بالقرب من تدمر، وهو المكان الذي عُلم أن الطائرة الإيرانية انطلقت منه. ردت الأنظمة الدفاعية السورية المضادة للطائرات، وضربت طائرة 16-F إسرائيلية، والتي تحطمت بعد أن تمكنت من العودة إلى الأجواء الإسرائيلية. حفز هذا إسرائيل على ضرب ثمانية أهداف سورية وأربعة مواقع إيرانية، وذلك حسب الجيش الإسرائيلي. يبدو أن معركة الكلمات والوكالات قد تحولت إلى حرب مباشرة بين الدول. حتى الآن خسرت إسرائيل وروسيا وتركيا طائرات عسكرية لها خلال العمليات في سوريا الأسبوع الماضي، والمشهد الإسرائيلي الإيراني يتجاوز إسرائيل وإيران، فهو يمثل جانبًا من حرب أكبر بين القوى الدولية التي تتبارز مع بعضها على صياغة سوريا بعد تفتتها.
لقد أصبحت الحرب في سوريا أكثر من مجرد حرب داخلية، بل هي اليوم دولية تضم إسرائيل وإيران وروسيا وتركيا والولايات المتحدة. وضمن التجاذبات على الأرض تبرز محاولة إيران الاستيلاء على سوريا وهذا أكثر ما يزعج إسرائيل التي تخشى تشكيل جنوب لبناني جديد في الجولان ويضع إسرائيل أمام تحديات جديدة. وفيما كانت تركيا تتكلم، كانت إيران تفعل، فمنذ بداية الحرب في سوريا في أعقاب محاولات القمع الوحشي للثورة عام 2011، كانت إيران تقوم بإيفاد الجنود والمسلحين والمال والأسلحة لدعم نظام الأسد.
ولم تكتف إيران بتحويل سوريا من دكتاتورية عسكرية سلطوية صديقة لها بل تريدها إلى وكالة إيرانية في حاجة ماسة للدعم الإيراني كي تحافظ على وجودها. يمثل ذلك بالنسبة لإيران فرصة استراتيجية هائلة: فهذا يجعل استمرار دعمها لبشار الأسد مشروطًا بسماح الأسد لإيران بصنع ما يحلو لها في بلاده وما تريده إيران هو قاعدة التقدم والتمدد أكثر في المشرق بعدما استولت على لبنان والعراق.
لذلك تبدو إسرائيل متوترة جدًا، فبالرغم من كل الحالة الخطابية، إلا أن إسرائيل وإيران لم تتقاتلا في حرب ضد بعضهما البعض لأنه لا توجد طريقة لخوض حرب بين البلدين، فهما بعيدتان جدًا عن بعضهما البعض. لكن لن يعود هكذا هو الواقع اليوم إذا تمكنت إيران من جعل سوريا كنقطة انطلاق للهجمات الإيرانية على إسرائيل. لقد كان هناك الوكيل الإيراني المتمثل بحزب الله، إلا أنه ذو عدد محدود من المقاتلين، وهو ما ينطبق على مسألة إطلاق الصواريخ على إسرائيل من لبنان وهناك محاولات شبيهة في غزة. لكن الأمر يختلف الآن بالنسبة لإيران عندما تبدأ ببناء الصواريخ والقوات الأرضية وتحضير الطائرات في سوريا حول الحدود الإسرائيلية فقط. وكي يزداد الأمر سوءًا على إسرائيل، فهي لا تمتلك موقعًا قابلا للمقارنة على الحدود الإيرانية. حتى لو كانت تمتلك، لا يمكن لإسرائيل استهلاك الجنود بالطريقة التي تستطيع فيها إيران القيام به ضمن صراع طويل. فبالنسبة لإسرائيل، يعد البرنامج النووي الإيراني أمرًا مقلقًا، ولكن تحول سوريا إلى قاعدة للعمليات الإيرانية هو تهديد مصيري.
ثمة القليل من الأشياء التي تسير لصالح إسرائيل. إن نظام الأسد لا يعتمد على إيران وحسب بل روسيا أيضًا، ولا تمتلك موسكو أي مصلحة في تحول سوريا إلى محمية إيرانية. تريد روسيا الحفاظ على سوريا كفاعل مستقبلي وكحليف روسي، لا كجزء من خطة إيران لإظهار القوة عبر أرجاء المنطقة. وتمتلك روسيا وإسرائيل علاقات قوية- كان نتنياهو في روسيا في الشهر الماضي للمرة السابعة خلال عامين ليعبر عن مخاوف إسرائيل إلى موسكو- وروسيا لا تبحث عن معركة مع إسرائيل. قد لا تتمكن إسرائيل من خوض حرب مثيرة للجدل ضد إيران، ولكن القوات الجوية الإسرائيلية قوية وهذا يؤثر على الحضور الجوي لروسيا. بالإضافة إلى ذلك، تمتلك إسرائيل دعما أمريكيا في هذه القضية، فهي لا تريد وجود إيران في سوريا أكثر من إسرائيل. إن التوافق الإيراني الروسي سوف ينكسر مع تقدم الطموحات الإيرانية لاسيما ان تركيا لن ترضى بتمدد إيران على تخومها داعمة نظام الأسد الذي لا تعترف أنقرة بشرعيته. اللافت هي ان أغلبية القوى في المنطقة تقف في عداء مع إيران فيما الطرف الغائب بشكل واضح في التطورات الأخيرة. السعوديون يرقبون المشهد السوري في صمت عميق، والذين كانوا يهددون في شهر تشرين الثاني/نوفمبر بشن حرب شاملة. إلى ذلك كشفت القناة الإسرائيلية العاشرة ان إسرائيل بعثت رسالة تهديد ووعيد لدول أجنبية مركزية تحذر فيها من انها لن تقبل بتكرار حادثة الطائرة الإيرانية المسيرة ومن احتمالات نشوب حرب واسعة في الشمال.
وديع عواودة
صحيفة القدس العربي