عاشت مصر مشاهد غريبة عليها خلال ثمانين يوما إثر مواقف حركت ما يراه مراقبون المياه الراكدة في الحياة السياسية، ورأتها السلطات المصرية خروجا على القانون والنظم.
والمشاهد الأربعة مرتبطة بإعلان الترشح لانتخابات الرئاسة في مارس/آذار المقبل أو التوقيف الأمني والحبس لشخصيات سياسية بارزة باتهامات، بينها التحريض ضد الدولة وتهديد الأمن القومي.
أبطال المشاهد الأربعة الذين يقبعون خلف القضبان هم رئيس الأركان الأسبق للجيش المصري (2005-2012) الفريق سامي عنان المستبعد من كشوف الناخبين في رئاسيات بلاده، ورئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق هشام جنينة، ورئيس حزب مصر القوية عبد المنعم أبو الفتوح المرشح الرئاسي الأسبق.
الشخصية الرابعة بطل المشهد الأول هو رئيس وزراء مصر الأسبق (29 يناير/كانون الثاني 2011-3 مارس/آذار 2011) الفريق المتقاعد أحمد شفيق.
وقبل تلك المشاهد البارزة كانت أحزاب وقوى معارضة تشكو مما تعتبره ركودا في الحياة السياسية، في مقابل اتهامات من أنصار النظام للمعارضة بالفشل في إقناع الشارع بمواقفها، وتأكيدهم على أن السلطات تواجه إرهابا وتستمر في خطوات ناجحة لإصلاح الاقتصاد.
سلسلة توقيفات
وأعربت الأمم المتحدة يوم الجمعة الماضي عن قلقها البالغ إزاء سلسلة توقيفات لمعارضين نفذتها السلطات المصرية مؤخرا.
وبحسب رصد مراسل وكالة الأنباء الأناضول، كانت المشاهد الأربعة كالتالي: زلزال شفيق في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أعلن شفيق من أبو ظبي بشكل مفاجئ عزمه الترشح لرئاسيات بلاده، وهو ما عده خبراء وقتها زلزالا سياسيا ربما يغير المشهد.
ومع كثرة الجدل بشأن مكان شفيق ظهر الأخير بعد ساعات من وصوله القاهرة في مداخلة بفضائية مصرية خاصة متحدثا عن المعاملة الجيدة التي وجدها من أبو ظبي نافيا ترحيله.
كما أشار إلى إنه سيدرس قرار ترشحه، وهو ما عده مراقبون إشارة إلى إمكانية التراجع إزاء ضغوط تعرض لها.
وفي 7 ديسمبر/كانون الأول الماضي أعلن تراجعه قائلا في مداخلة بفضائية مصرية خاصة “انسحبت لأنه ممكن يكون رجل آخر أكثر مني صلاحية لاستكمال المسيرة”.
ولاية ثانية
لم تمض غير ساعتين على إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اعتزامه الترشح لولاية ثانية حتى أعلن الفريق سامي عنان اعتزامه الترشح للرئاسة في تسجيل مصور في الساعات الأولى من صباح 20 يناير/كانون الثاني الماضي.
وآنذاك كشف الأكاديمي حازم حسني المتحدث باسم عنان أن أعضاء المجلس العسكري -بحسب قرار صدر عن المجلس في 2011- تحت الاستدعاء العسكري، وهو ما يلزم التقدم بطلب إلى المجلس العسكري لوقف الاستدعاء لخوض الانتخابات.
بيان عنان لاقى تأييدا واسعا من تيارات عديدة أكثرها معارضة للنظام، خاصة مع حديث عنان أنه يتقدم بهذه الخطوة لإنقاذ الدولة.
وفي 23 يناير/كانون الثاني الماضي أعلن الجيش المصري استدعاء عنان للتحقيق كون إعلان ترشحه حمل ثلاث مخالفات، منها الترشح من دون موافقة القوات المسلحة.
ووقتها قررت الهيئة الوطنية للانتخابات استبعاد اسم عنان من كشوف الناخبين، وقرر المدعى العام العسكري حظر النشر في القضية، وسط حديث لمحاميه ناصر أمين عن احتجاز موكله بالسجن الحربي في القاهرة.
الانسحاب من الانتخابات
ما حدث لعنان حرك عددا كبيرا من مناصري المرشح اليساري المحتمل بالرئاسيات خالد علي لدعوته إلى الانسحاب من الانتخابات، وهو ما تم بالفعل بعدها بأيام رغم ما كان يعول عليه كثيرون من أن علي سيكون صوتا لثورة يناير/كانون الثاني 2011 في الرئاسيات.
محاولة اغتيال ووثائق جنينة
هشام جنينة الذي اختاره عنان نائبا له قبل تعرضه للتوقيف قال في 27 يناير/كانون الثاني الماضي إنه تعرض لمحاولة اختطاف واغتيال إثر التعدي عليه عقب خروجه من منزله بالقاهرة، في مقابل تقارير صحفية نقلت عن مصادر أمنية -لم تسمها- أن الواقعة مجرد شجار وخلاف مروري.
وتحدث جنينة عن امتلاك عنان مستندات تتضمن وثائق وأدلة تدين الكثير من قيادات الحكم بمصر الآن، وهي متعلقة بأحداث وقعت عقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 التي أطاحت بالرئيس الأسبق محمد حسني مبارك.
وفي اليوم التالي لحديث جنينة أعلن الجيش المصري إحالته للتحقيق، ونفى محامي ونجل عنان صحة التصريحات.
وفي 13 فبراير/شباط الجاري قررت النيابة العسكرية حبس جنينة 15 يوما بعد ساعات من توقيفه على ذمة تلك التحقيقات في تصريحاته بشأن الوثائق.
وفي اليوم التالي قررت النيابة إخلاء سبيل جنينة وتغريمه إثر بلاغ ثان من أسرة عنان بخصوص التصريحات، وبقاءه محبوسا في سجن بالقاهرة على ذمة القضية الأولى.
أخبار كاذبة
في 14 فبراير/شباط الجاري أوقفت الشرطة المصرية السياسي عبد المنعم أبو الفتوح، قبل أن يصدر في اليوم التالي قرار من النيابة بحسبه 15 يوما على ذمة التحقيق في اتهامات، بينها قيادة وإعادة إحياء جماعة محظورة لم تسمها، ونشر أخبار كاذبة من شأنها إثارة البلبلة رغم نفيه ذلك.
ووسط تنديد حقوقي وسياسي واسع بتوقيف أبو الفتوح وحبسه أعلن حزب مصر القوية تعليقا مؤقتا لكافة أنشطته، تلاه إعلان في 17 فبراير/شباط الجاري عن عقد لجنة شؤون الأحزاب النظر في قانونية الحزب بعد القبض على رئيسه أبو الفتوح.
وأبو الفتوح أحد أبرز السياسيين، تم توقيفه لأكثر من مرة في عهد مبارك، وكان أحد رموز جماعة الإخوان المسلمين قبل أن ينفصل عنها، وخاض سباق رئاسة البلاد مستقلا في انتخابات 2012.
وتأتي تلك المشاهد الأربعة قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية المقررة في مارس/آذار المقبل، والتي تجري وسط دعوات واسعة إلى مقاطعتها لأسباب تتعلق بالحشد الإعلامي لصالح السيسي، وتراجع الحريات، وهو ما تنفي السلطات صحته.
وتبدو نتيجة الانتخابات المقبلة محسومة لصالح السيسي الذي ينافسه رئيس حزب الغد (ليبرالي) موسى مصطفى موسى الذي ترشح في اللحظات الأخيرة قبل غلق باب الترشح.
المصدر : وكالة الأناضول