قال الجيش التركي يوم السادس من شباط (فبراير) الحالي، إن جندياً قتل وجرح ستة آخرون في هجوم بقذائف الهاون بينما كانوا يحاولون إقامة نقطة عسكرية أمامية في شمال غرب سورية. ولم يضم البيان العسكري التركي أي تفصيلات تشير إلى الطرف الذي كان وراء الهجوم الذي استهدف جنوده، لكن صحيفة “آراب نيوز” -النشرة الصادرة باللغة الإنجليزية والتي تتخذ من السعودية مركزا لها- قالت إن الهجوم نفذته “ميليشيات إيرانية”. وربما تكون لمصدر إعلامي سعودي مصلحة في ترويج هكذا خبر، لكن تقارير إخبارية أخرى أشارت بوضوح إلى أن “قوات موالية للنظام” هي التي نفذت الهجوم على القوات التركية. وفي كلتا الحالتين، تكون القوات التركية والإيرانية على مسار تصادمي.
شرع البلدان في السير على هذا المسار بعد أن دعمت إيران وروسيا هجوماً مضاداً شنته قوات الرئيس السوري بشار الأسد على محافظة إدلب، وهي واحدة من مناطق خفض التصعيد التي كان يفترض أن تتولى تركيا ضمان الأمن فيها. ذلك الهجوم المضاد، وعدم اكتراث النظام بالرد على الاعتراضات التركية المتعددة، أجبرا تركيا على التصرف وأسفرا عن التوغل التركي في عفرين في الشهر الماضي. وعلى الرغم من المقاومة الشرسة، فإن التوغل يحقق تقدماً ثابتاً إلى درجة تمكنت تركيا معها من إقامة نقطة دعم عسكرية إلى الجنوب الشرقي من حلب لأكثر من أسبوع.
وكانت تركيا قد اصطدمت أصلاً مع قوات موالية للأسد في نفس ذلك الموقع. ففي يوم 29 كانون الثاني (يناير) الماضي، حاولت قافلة تركية مكونة من أكثر من 100 عربة عسكرية مدرعة، مدعومة بسلاح الجو التركي، حاولت إقامة موقع بين القوات الموالية للأسد والمناهضة له في الجنوب الغربي من حلب. وطبقاً لمعهد دراسة الحرب، واجهت هذه القافلة مقاومة عنيفة من جانب قوات نظام الأسد، والتي أدت إلى إيقاف تقدم القوات التركية الأولي. وفي ذلك الوقت، كان التقرير الوحيد الذي خرج من تركيا قد صدر عن هيئة الأركان العامة التركية التي أشارت إلى أن جندياً تركيا واحداً وعامل دعم مدنيا قتلا في هجوم بسيارة مفخخة على قافلة عسكرية تركية.
وكان نظام الأسد انتقد على نحو ثابت التوغل التركي من دون فعل الكثير بخصوصه. وباستثناء هجمات قليلة صغيرة النطاق وبعض التسريبات من وكالة “رويترز” التي تحدثت عن نشر “نظام صواريخ جديد للدفاع جوي ومضادات الطائرات”، فقد ركزت قوات الأسد على إعادة التمركز من أجل الدفاع عن حلب أكثر مما ركزت على الاشتباك المباشر مع القوات التركية. ويعود ذلك في جزء منه إلى أن التوغل التركي لم يشكل أي تهديد مباشر. ومع ذلك، كان غزو عفرين مفيداً لتركيا، لأنه سمح لأنقرة بالربط بين مجموعات الثوار المعادية للأسد التي كانت قبل ذلك معزولة، كما وضع تركيا أيضاً في وضع أفضل لتهديد حلب مباشرة في حال استمرت قوات الأسد في التقدم باتجاه إدلب. ولم يكن هذا ظرفاً مثالياً بالنسبة للأسد بأي شكل من الأشكال، لكنه كان توغلاً محدوداً ضمن حدود يمكن التسامح معها.
كانت التحركات التركية الأخيرة في داخل جنوب غرب حلب أكثر طموحاً من التوغل الأولي، نظراً لأنها تزيد من حجم التهديد الموجه لقوات الأسد. ويقال إن الموقع الذي يحاول الجيش التركي إقامته يبتعد كثيراً خارج منطقة عفرين. ولا تمتد منطقة عفرين التي يسيطر عليها الأكراد على طول الطريق إلى حلب؛ حيث تقع العاصمة الإقليمية، التي تسمى أيضاً عفرين، على بعد حوالي 23 ميلاً (37 كيلو متراً) إلى الشمال من حلب. لكن القوات التركية اندفعت كثيراً وراء هذا الخط، ويقال إنها حاولت إقامة موقع أمامي في “العيس”، وهي بلدة سورية على بعد نحو 5.000 كيلومتر، أي حوالي 12 ميلاً من حلب -وإنما إلى جنوب غرب المدينة. بالإضافة إلى ذلك، لا تقع العيس في منطقة إدلب –حيث اتفقت إيران وروسيا على أن تكون تركيا هي المسؤولة من حيث المبدأ على الأقل عن الأمن- وإنما تقع في محافظة حلب نفسها.
وسيكون من المعقول والحالة هذه أن تكون القوات الموالية للأسد وداعميها الإيرانيين قد هاجمت هذا التوسيع للتوغل التركي مرتين. فقد عنى الاستيلاء على عفرين اختصار المسافة بين الأراضي التركية وبين حلب. وتعني إقامة نقطة أمامية في العيس يعني التحضير لهجوم محتمل على مواقع النظام في حلب. وهذا هو السبب في أن إيران -على وجه الخصوص- استجابت بهذه العدوانية لتوغلات تركيا الأخيرة، وحيث قال الرئيس الإيراني حسن روحاني يوم الخامس من شباط (فبراير) الحالي، إن تركيا انتهكت سيادة سورية، وقال وزير الخاجية الإيرانية إن أعمال تركيا الأخيرة إنما تخلق “انعداماً للأمن والاستقرار، وتساعد الإرهاب”.
صمت روسيا
الصامت بوضوح في هذه اللعبة من الشجار الذي يصبح قصفاً، والتي لولا موافقتها الضمنية ما استطاعت القوات التركية الدخول إلى منطقة عفرين في المقام الأول. (وما تزال روسيا تسيطر على الأجواء السورية، وكان يجب أن توافق على نشر الطائرات التركية عبر من الحدود). وكانت روسيا قد فقدت طائرة مقاتلة لها على يد فرع تنظيم القاعدة في سورية مؤخراً، ولذلك كثفت من غاراتها الجوية على الأهداف الجهادية في محافظة إدلب. لكن روسيا لم تذهب إلى حد إدانة التوغل التركي في عفرين. ومع ذلك، يحتمل كثيراً أن تكون روسيا قد منحت موافقتها الضمنية أيضاً بالمقدار نفسه للأسد وإيران لمحاولة منع تركيا عن إدخال نفسها بعيداً جداً داخل ألأراضي التي يسيطر عليها الأسد، أو الابتعاد كثيراً خارج حدود عملية عفرين. (كما يمكن ملاحظة أن تركيا نفذت عدداً قليلاً من الغارات الجوية في الأسبوع الماضي، وهو ما قد يشير إلى عدم موافقة روسية خلف الكواليس).
ومن جهة أخرى، تكسب روسيا من كل هذا. فلها علاقات جيدة مع تركيا وعلاقات أقوى مع إيران، لكن هذه شؤون سريعة الزوال. ولدى روسيا مشاكل طويلة الأمد مع كلا البلدين. وكلما ركزت تركيا وإيران أكثر على المنافسة مع بعضهما بعضا، قل تركيزهما على التنافس مع روسيا. ومع ذلك، ما يزال هناك الكثير والقريب من منظور روسيا التي ما تزال تعول على تسوية سلمية للنزاع السوري بحيث تستطيع سحب أصولها العسكرية من البلد مع المجد. ولم تكن عودة طيار مقاتل إلى بلده في كفن، ومشاهدة بعثتها التجارية تقصف في دمشق، ورؤية الوضع على الأرض حول حلب يتداعى إلى هذا الحد جزءاً من الخطة، وقد يتطلب التزامات روسية جديدة وأكثر أهمية من أجل حماية الأسد.
لم يصل أي من هذا إلى نهاية بعد. ما يزال بوسع تركيا أن تتراجع، أو أن تصل إلى الأقل على نوع من الترتيب القابل للتطبيق مع الأسد وإيران حول رسم حدود مؤقتة ترضي مصالح الجانبين. لكن العمليات العسكرية من هذا النوع، بمجرد أن تبدأ، تشرع في تجميع الزخم الخاص بها. وكل ما يتطلبه الأمر هو مجرد خطأ جدي في الحسابات من نية الطرف الآخر خوض شجار جانبي لكي تتحول الأمور إلىمعركة أكثر شدة، والتي سيكون من الصعب التراجع عنها. وكانت وجهة نظرنا أن 2018 لن تكون السنة التي ستتواجه فيها تركيا وإيران مباشرة؛ وقد توقعنا أن شراكتهما، مهما كانت غير مريحة، سوف تستمر طوال العام. لكن ذلك التوقع أصبح الآن تحت الاختبار.
جاكوب شابيرو
صحيفة الغد