لا نعني بالجديد المهم في المشهد السوري ما يتعلق بالمواقف الأميركية الأخيرة التي بدأت تظهر تباعا، وآخرها إعلان وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري عن وساطة قام بها بين النظام وبين واشنطن تتعلق بتطمينات خلاصتها أن استهداف تنظيم الدولة في سوريا لن ينطوي على استهداف للنظام، ولا ما سبقها من تأكيدات من طرف وزير الخارجية الأميركي (كيري) على أن بشار جزء من الحل.
الموقف الأميركي إذن ليس هو الجديد الذي نعنيه، لأنه لا جديد في واقع الحال غير استخدام الملف السوري في سياق من إغراء إيران بتوقيع الاتفاق النووي، وهي التي ترى النظام في سوريا أكثر أهمية بكثير من البرنامج النووي برمته. ألم تدفع بشار من قبل إلى تقديم الكيميائي السوري من أجل تجنب ضربة أميركية لم تكن تنوي إسقاطه في واقع الحال؟!
أما الموقف الأميركي الثابت من الصراع في سوريا، فقد قلناه منذ أكثر من ثلاث سنوات، وهو ذات الموقف الصهيوني ممثلا في إطالة أمد النزاع من أجل تدمير سوريا واستنزاف جميع أعداء الكيان الصهيوني، بمن فيهم إيران وحزب الله وتركيا، فضلا عن تدمير ربيع العرب، وما عدا ذلك لا يعدو أن يكون كلاما بحسب المناسبة، وحيث لم يعرف -ربما في تاريخ أميركا- هذا المستوى من التناقض في التصريحات حيال قضية ما، كما حدث في الموقف من النظام السوري.
الجديد الذي نعنيه هو الموقف العربي والتركي، وبخاصة الموقف العربي. وللتذكير، فقد كانت النظرة إلى الثورة السورية طوال أربع سنوات تتلخص في أنها تنتمي إلى الربيع العربي الذي كان إجهاضه أولوية الأولويات، وهي (أي الثورة) كانت كذلك في واقع الحال، قبل أن يلتقي على مواجهة الربيع معسكران، معسكر أنظمة الثورة المضادة العربية، والمعسكر الإيراني الذي ضرب الربيع العربي ضربة هي الأقوى في سوريا.
من هنا، لم يكن الموقف العربي -ونعني هنا الذي كان يدعم الثورة في الظاهر- قويا في دعمه، بل كان يقترب في رؤيته (دون اتفاق) مع الرؤية الإسرائيلية التي كانت تريد إطالة النزيف وتحويل سوريا إلى ثقب أسود يستنزف الجميع سواها. وهنا في الحالة العربية كان الهدف أيضا هو استنزاف إيران، بل ربما فكر بعضهم في تركيا أيضا، باعتبارها تنتمي إلى ما يسمى الإسلام السياسي المُراد إفشاله.
التطور الجديد في المشهد العربي والإقليمي يتمثل فيما جرى في اليمن. هنا في اليمن دخل التحدي الإيراني طورا جديدا وخطيرا في آن، في ذات الوقت الذي انحسرت فيه موجة الربيع العربي، ولم تعد تشكل هاجسا للأنظمة إياها، مما نقل المسألة السورية إلى موقعها الأصلي كجزء من صراع أكبر مع المشروع الإيراني، وليس ثورة تنتمي إلى ربيع شعوب يُراد إجهاضه، بل ربما جعله دمارا يلقن الشعوب دروسا حتى لا تكرر ذلك، والمشهد الليبي شاهد في هذا السياق من حيث تحويل الوضع إلى صراع دموي طويل.
الآن، ينهض النزاع في سوريا بوصفه الركن الأكبر من أركان الصراع مع مشروع إيران، حتى لو كان اليمن هو الجزء الأكثر حيوية حاليا، وبالطبع نظرا لقربه من حدود الدولة الأكبر خليجيا، بل حتى عربيا في ظل الغياب المصري، أعني المملكة العربية السعودية
هذا التطور في الموقف لم يكن حكرا على الأنظمة وحسب، بل على الجماهير العربية والإسلامية أيضا، وعلى القوى والحركات الإسلامية التي ما لبثت أن تناست جراحها من أنظمة الثورة المضادة، رغم أنها جراح طازجة، والتحمت معها في مواجهة تحد أكبر يهدف إلى تغيير هوية المنطقة برمتها، وفرض القوة الإيرانية سيدة عليها، بصرف النظر عن الغطاء، وما إن كان مذهبيا أم قوميا.
الآن، يمكن القول إن أكثرية عربية إلى جانب تركيا باتت ترى في إفشال إيران في سوريا، وإسقاط النظام أو تغيير بنيته مسألة حيوية رغم وجود مقاربة مصرية مختلفة حيال الملف، مما يعني أن الجهد الذي سيبذل في هذا السياق يمكن أن يكون كبيرا.
المشكلة أن تحديات كبيرة لا زالت تقف حائلا دون هذا التطور، وفي مقدمتها المخاوف من تمدد تنظيم الدولة، ولعل ذلك هو ما دفع البعض نحو إيجاد صيغ تفاهم بين فصائل إسلامية أكثر قبولا، كما حصل في صيغة جيش الفتح الذي حرر إدلب، فضلا عن مساعي تقوية بعض فصائل الجيش الحر.
في أي حال، فإن التطور الجديد سيجعل من نزيف إيران في سوريا أكبر، مضافا إلى نزيف اليمن، لكنه سيجعل أيضا من أحلام الإبقاء على النظام بوضعه الراهن بعيدة المنال، حتى لو طال النزاع سنوات أخرى. ويبقى أنه سيكون جزءا لا يتجزأ من الصفقة الإقليمية مع إيران عندما تتعب من النزيف، مع العلم أن أية صفقة مهما كانت لن تنطوي بأي حال على عودة حكم الأقلية الطائفية بتوليفته القديمة.
ياسر الزعاترة
الجزيرة نت