المساواة.. معركة الدولة المدنية التي تخوضها النساء العربيات

المساواة.. معركة الدولة المدنية التي تخوضها النساء العربيات

تونس- خرج المئات من التونسيين، نساء ورجالا، السبت، في مسيرة للمطالبة بقانون ينص على “المساواة في الميراث بين الجنسين”. وانتظمت المسيرة التي حملت شعار “المساواة في الميراث حق مش مزية (حق وليس منّة)”، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة المُصادف لـ8 مارس من كل عام.

ودعا إلى المسيرة “التحالف التونسي من أجل تحقيق المساواة في الميراث”، الذي يضم حوالي 67 جمعية مستقلة من مختلف محافظات البلاد.

المسيرة التي انطلقت من منطقة “باب سعدون” وسط العاصمة تونس، وصولا إلى ساحة باردو حيث يقعُ مقر مجلس نواب الشعب التونسي، رفعت شعارات من قبيل “دولة مدنية.. اللي ليك ليّا” (لك مثل ما لي) و”باش حقي يولي مضمون لازم يتبدل القانون” (لكي يصبح حقي مضمونا يجب تغيير القانون) و”مساواة مساواة بين المواطنين والمواطنات”.

معركة ضد المجتمع الأبوي
والخصوصية العربية الإسلامية للدعوات النسوية إلى المساواة بين الرجل والمرأة تنبع من تداخل الأبعاد الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية. من شرق العالم العربي إلى مغربه، كان المطلب واحدا بشعارات مختلفة ومن ومنطلقات متفاوتة، لكن الجامع هو سعي نسوي ومدني عارم نحو تحصيل حقوق المرأة في مواجهة تيارات رفض دينية وتقليدية تحرص على تأبيد الاختلال المجتمعي على مستوى الحقوق والحريات

ويذكر أن المسيرة تعتبر أول نشاط مدني ينظمه التحالف مباشرة، بعد الإعلان عن تأسيسه منذ شهر. وشهدت المسيرة مشاركة عدد من نواب البرلمان؛ من بينهم النائب فتحي الشامخي، عن الجبهة الشعبية (يسارية) (15 مقعدا من 217)، وبشرى بالحاج حميدة، ومصطفى بن أحمد عن الكتلة الوطنية (ليبرالي وسطي) (10 مقاعد).

واعتبر النائب الشامخي، أن “المسيرة هي بمثابة عيد للمرأة التونسية التي تريد افتكاك حقوقها”. وتابع أن “تونس اليوم تعطي المثال في معركة ملموسة عن الميراث”. وعبر عن أمله في “أن تكون التظاهرة حافزا لكل النساء في المنطقة العربية كي يطالبن بحقوقهن”.

وفي نفس السياق اعتبرت رئيسة جمعية “بيتي” لدعم النساء، سناء بن عاشور أن قوانين الميراث وفق الشرع الإسلامي في تونس “هي أحد آخر معاقل المجتمع الأبوي” في القانون التونسي. مضيفة “يجب أن تتحقق المساواة في الحقوق كما نص عليه دستور” الجمهورية الثانية الذي اعتمد في 2014 بعد ثورة 2011.

ومن جهتها، اعتبرت منية بن جميع رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، أن مجرد مناقشة الأمر يشكل انتصارا وعبرت عن الأمل في التصويت على قانون في هذا الاتجاه عام 2019.

وتقول رحمة الجوادي وهي رئيسة جمعية للنساء الريفيات في منطقة فقيرة بشمال غرب تونس “إذا تمّ التصويت على مثل هذا القانون وحصلت المرأة على حقوقها في الأراضي فسيكون بإمكانها أن تتطور وأن تمارس الزراعة وأن يكون لها دخل دون تعارض مع الدين”، حسب قولها.

وكان دستور الدولة التونسية لسنة 2014 قد أقرّ في الفصل 21 على المساواة بين المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات. يشار إلى أن قانون الأحوال الشخصية التونسي يمنح حقوقا واسعة للنساء؛ حيث منع تعدد الزوجات وأعطى المرأة حق الطلاق، إلا أن قانون الميراث مازال يحتكم إلى الشريعة الإسلامية.

وكان الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، قد أعلنَ في 13 أغسطس الماضي، بمناسبة عيد المرأة التونسية، أن تونس “ستمضي في إقرار المساواة الكاملة بين المرأة والرجل، بما في ذلك المساواة في الإرث”.

وكانت دعوة قائد السبسي تعني تعديل قوانين الميراث القائمة وفق مبادئ الدين الإسلامي الذي ينص على أن الذكر يرث ضعف الأنثى ويجعله في الوقت نفسه مسؤولا عن الإنفاق على الأسرة. وتعتبر مسألة الميراث من المواضيع المسكوت عنها في العالم الإسلامي.

وأثارت مبادرة السبسي، حينئذ، جدلا واسعا لدى الرأي العام المحلي والإقليمي والعربي، بين مؤيّد ورافض، فيما أصدرت دار الإفتاء التونسية آنذاك، بيانا ثمّنت فيه مبادرة رئيس البلاد.

وعهد بملف الميراث للجنة الحريات الفردية التي شكلتها الرئاسة التونسية لإصلاح القوانين والمراسيم والنصوص التي تعرقل الحريات. وتم تأجيل تقرير اللجنة الذي كان مقررا لشهر فبراير الماضي إلى شهر يونيو القادم، وقال عضو في اللجنة إنه يتوقع أن يوصي تقرير اللجنة بالمضي في هذا الاتجاه بسياسة الخطوات الصغيرة.

ويمكن أن تقترح اللجنة للأسر الراغبة في ذلك أن تختار تقسيم الإرث “بشكل متساو” بين الأبناء والبنات، دون فرض الأمر بالقانون. وتمّ عرض مقترح قانون بهذا الاتجاه في 2016 لكن لم تتم مناقشته في البرلمان.

مسيرة السبت الماضي في تونس سبقتها فعاليات فكرية عديدة انتظمت في شتى محافظات البلاد، احتفالا باليوم العالمي للمرأة، وفي هذا السياق عقدت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان يومي 9 و10 مارس بتونس ندوة وطنية سلطت الضوء على قضية “التصدي لتأنيث الفقر وضمان الحقوق الاقتصادية ناقوالاجتماعية للنساء”.

الفقر مؤنث
قال جمال مسلم، رئيس الرابطة التّونسية لحقوق الإنسان، إن انعدام المساواة في الميراث بين المرأة والرجل في البلاد، من أسباب انتشار ظاهرة الفقر لدى النساء. وعزا مسلم أحد أسباب انتشار ظاهرة الفقر بين النساء إلى “وجود المرأة بنسب ضئيلة في مراكز قيادية، ومناصب وظيفية كبرى”.

واعتبر مسلم أن من ضمن الأسباب أيضا “العقلية الذكورية التي تميز المجتمع التونسي”. وتابع مسلم “الفقر منتشر اليوم أكثر عند النساء، وهناك مؤشرات على ذلك، من بينها أنهن يعملن ملايين الساعات في الزراعة مثلا، مقابل أجور متدنية، مقارنة بالرجال”.

وشدد على أن “التصدي لظاهرة تأنيث الفقر يتم عبر القوانين أولا، من خلال تكريس المساواة بين الجنسين في الميراث”. وأشار مسلم إلى أن ذلك يتم أيضا عبر تطبيق فصول قانون مناهضة العنف ضد المرأة (تمت المصادقة عليه في 2017)، وتفعيل كامل الحقوق الاقتصادية لها.

من جانبها، أكّدت درة محفوظ، الأستاذة في الجامعة التونسية، أن عدم المساواة في الميراث بين الجنسين “يزيد من تعميق الفوارق الاجتماعية في المجتمع”. وأضافت “وفق أرقام المنظمات العالمية فإن 70 بالمئة من فقراء العالم نساء، وفي تونس نرجح أن يكون الرقم متقاربا إلى حد كبير، على الرغم من عدم وجود رقم رسمي”.

ووفق آخر دراسة للمعهد الوطني للإحصاء (حكومي)، فإن نسب الفقر في تونس شهدت تقلصا بحوالي 5 نقاط لتصل إلى 15.2 بالمئة سنة 2015، مقابل 20.5 بالمئة سنة 2010 (الدراسة تجرى مرة كل 5 سنوات).

في تونس كانت الدعوة إلى المساواة في الميراث، والتي حركت دعوة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي مياهها الراكدة، عنوانا لتظاهرة السبت الماضي. وفي الكويت دقت نساء الكويت الأجراس للمطالبة بالمساواة، وللتنديد بالتفاف قوى الردة في مجلس النواب الكويتي على المساواة والاستعاضة عنها بشعار فضفاف هو التمكين.ذ

طارق بلحاج محمد أستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية قال إن الدعوة إلى المساواة في الميراث هي “حلقة من حلقات الاشتباك في تونس الحديثة بين حركة اجتماعية تقليدية ترى في هذه المسألة وغيرها من المسائل قضية دينية غير قابلة للمساس، وبين حركة تقدمية حداثية ترى في الدعوة إلى المساواة في الميراث وغيرها مسألة اجتماعية واقتصادية بالأساس، وترى أن حيز الدين هو الحياة الخاصة لا الحياة العامة، وترى في تكريس هذا المبدأ حلقة من حلقات إرساء الدولة المدنية وتطبيقا للدستور في حرفيته، باعتباره يدعو إلى المساواة في صيغة الإطلاق، ولم يربطها بمنحى حياتي معين”.

أما عن تأثيرات الدعوة إلى المساواة في الميراث فيرى الباحث الاجتماعي أن “للدعوة تأثيرات اجتماعية وثقافية تتمثل في تكريس الشرخ بين دعاة الأصالة والهوية في شكلها البسيط، وبين دعاة التحديث في شكله المتعالي الذي يرتبط بحركة في المجتمع ولا بحركة المجتمع في كليتها. التأثيرات الاقتصادية تتمثل في أن الدعوة لها العديد من المحاسن وأهمها تقليص تأنيث الفقر باعتبار أن 70 بالمئة من الفقراء هن نساء، فضلا عن كون هذه الدعوة تمثل مرحلة من مراحل التمكين الاقتصادي للمرأة المعيلة خاصة، باعتبار أن المساواة في الميراث يمكن أن تتيح لها نوعا من الاستقلال المالي والاقتصادي”.

وقالت آمال قرامي الأستاذة بالجامعة التونسية، إن “مطلب المساواة في الميراث مسألة إنسانية تتجاوز المنظومة الفقهية التي صاغها البشر وفق مقتضيات السياق التاريخي الثقافي الذي تنزلت فيه”. وقالت راضية الجربي رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية في حوار سابق أجرته مع العرب إن “الوضع الاقتصادي الذي آلت إليه البلاد اليوم يفرض تقدم المرأة في مستوى الشراكة مع الرجل”.

وأضافت أن “المرأة التونسية تساهم وتساعد في اقتصاد الأسرة بشكل فعلي وبارز وهو ما يأخذنا باتجاه التفكير في تمكينها من المساواة الكاملة مع الرجل.

كما أن هناك وضعية تعاني منها النساء ليس فقط في تونس، بل في جل الدول العربية، فمثلا لدينا نسبة كبيرة من النساء العاملات في المجال الزراعي وأيضا نجد نسبة هامة من الفتيات الصغيرات في السن واللاتي يعملن معينات في المنازل”.

العرب