ستيفن هوكينغ.. صاحب الانفجار الكبير يرحل قلقا على الجنس البشري

ستيفن هوكينغ.. صاحب الانفجار الكبير يرحل قلقا على الجنس البشري

بعد حياة علمية حافلة، توفي العالم البريطاني ستيفن وليام هوكينغ، الذي سعى لتفسير البعض من أعقد الأسئلة عن الحياة حول أصل الكون، عن عمر ناهز 76 عاما، وهو سن لم يتوقع هوكينغ نفسه أنه سيصل إليه بسبب حالته الصحية. يروى هوكينغ في مذكراته “تاريخي المختصر” كيف كان شعوره بعد تشخيص حالته أول مرة فيقول “شعرت بأن هذا ظلم بيِّن. لماذا يحدث هذا لي؟”. وتابع “في ذلك الوقت، ظننت أن حياتي انتهت، وأني لن أدرك أبدا الإمكانات التي شعرت أنها لدي. لكن الآن، بعد 50 عاما، أشعر برضا تامّ عن حياتي”.

خالف وهو عالم الفيزياء النظرية وعالم الكونيات وأستاذ النظريات والكاتب ومدير الأبحاث في مركز علم الكونيات النظرية في جامعة كامبريدج والزميل الفخري في الجمعية الملكية للفنون، وعضو مدى الحياة في الأكاديمية البابوية للعلوم، ستيفن هوكينغ توقعات الأطباء، ولم يستجب لمقترحهم في إنهاء حياته عام 1985، وأصر على الحياة، وعاش أكثر مما كان متوقعا له، وإن كان لا يتحرك ولا يتكلم، إلا أنه يفكر ويتفوّق على العقل الطبيعي للبشر، واستطاع وهو على كرسيه المتحرك أن يسبر أغوار الكون ويبحث في أدق تفاصيله، حتى لقبه البعض بـ”سيد الكون”، الذي قال مرة “إن هدفي يتمثل في الفهم الكامل للكون وأسباب وجوده على صورته، وأسباب وجوده في المقام الأول”.

لطالما أثار العالم البريطاني ستيفن هوكينغ الاهتمام والمتابعة في حياته، كما في مماته، حيث ملأ خبر وفاته الدنيا وشغل الناس على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام، وأصدر العلماء كما السياسيون بيانات ترثي العالم الأشهر الذي سعى لتفسير البعض من أعقد الأسئلة عن الحياة، واصفين إياه بأنه أعظم العلماء في جيله.

لطالما أثار العالم البريطاني ستيفن هوكينغ الاهتمام والمتابعة في حياته، كما في مماته، حيث ملأ خبر وفاته الدنيا وشغل الناس على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام، وأصدر العلماء كما السياسيون بيانات ترثي العالم الأشهر الذي سعى لتفسير البعض من أعقد الأسئلة عن الحياة، واصفين إياه بأنه أعظم العلماء في جيله.

سعى هوكينغ، مبتكر نظرية الثقوب السوداء، بقدراته العقلية الهائلة لمعرفة حدود الفهم البشري لكل من الفضاء المتسع وعالم الجسيمات دون الجزئية في نظرية الكمّ. وشملت أبحاثه موضوعات عديدة بدءا من أصل الكون وحتى احتمال الانتقال عبر الزمن إلى الغموض الذي يكتنف الثقوب السوداء في الفضاء، والتي كتب عنها قائلا “الثقب الأسود هو منطقة في المكان-الزمان لا يستطيع أي شيء الهروب منها ولا حتى الضوء لقوة جاذبيتها الشديدة”.

قال هوكينغ إنه لا داعي للخوف من الثقوب السوداء كما اعتاد البشر والعلماء، مُوضحا أن الفكرة السابقة عن الثقوب السوداء، الخاصة بأنها تعمل على تدمير كل ما يقترب منها، ربما علينا استبدالها بفكرة أخرى جديدة، هي موضوع دراسته. ورأى بإمكانية استغلال الثقوب السوداء الصغيرة لتوليد طاقة كافية لكوكب الأرض. وأعلن أن الكون يحتوي على ثقوب سوداء كبيرة في حجم الجبال يمكن أن تمدّنا بطاقة هائلة تكفي لمنح العالم كل ما يحتاجه من كهرباء.

تناقضت بقوة قدراته العقلية الفائقة مع ضعفه البدني إذ أصيب بمرض التصلب الضموري العضلي الجانبي منذ كان في الحادية والعشرين من عمره. ولزم هوكينغ كرسيا متحركا معظم سنوات حياته. ومع تدهور حالته اضطر إلى الحديث عبر جهاز إلكتروني والتواصل مع الآخرين بتحريك حاجبيه. لكن لم يعقه المرض عن مواصلة البحث عن إجابات لأسئلة كونية كثيرة كانت تدور بخاطره، بل دفعه المرض إلى العمل بجد أكبر لكنه أدى إلى انهيار زيجتيه كما كتب في مذكراته “تاريخي المختصر” التي صدرت عام 2013.

ستيفن هوكينغ هو العالم المشغول منذ أن التحق بجامعة كمبريدج عام 1963، بموضوع أصل الكون، في علاقة الثقب الأسود بالزمن، وتفسير أصل الأشياء، وهل هناك حدود للعالم؟ أم أن العالم متحرر أصلا من حدود الزمن؟ وهو ما يطرحه بالفعل من خلال نظريته التي أدهشت العالم في كتابه “تاريخ الزمن”.

يعد هذا الكتاب الصادر عام 1988 من أعقد الكتب التي حظيت باهتمام جماهيري إذ ظل على قائمة صنداي تايمز لأفضل الكتب مبيعا لمدة لا تقل عن 237 أسبوعا. وقال، الذي شغل كرسي الرياضيات في كامبريدج، وهو المنصب الذي تبوّأه قبله نيوتن، إنه ألف هذا الكتاب لينقل حماسه الخاص عن الاكتشافات الحديثة حول الكون. وقال للصحافيين في ذلك الوقت “كان هدفي الأساسي أن أؤلف كتابا يباع في أكشاك الكتب بالمطارات… وكي أتأكد من أنه مفهوم جربت الأمر مع فريق تمريضي. وأعتقد أنهم فهموا معظمه”.

أراد هوكينغ عبر كتابه مساعدة غير المتخصصين في فهم النظريات الأساسية للفيزياء والأسئلة حول الكون. وفعلا غيّر كتاب هوكينغ بعض المفاهيم في مجال العلوم المبسطة. وتقول إليزابيث لين، الباحثة في مجلة نيتشر العلمية، إن هذا الكتاب ترك إرثًا آخر مهمًّا للعلوم المبسطة، هو نشوء شعور جديد نحو رأس المال الثقافي للأفكار العلمية. بدءًا من تسعينات القرن العشرين فتحت المساحات الواسعة في جداول الكتب -والتي كانت تكرَّس للنصوص الأدبية- ذراعيها للنصوص العلمية، وبدأ المروِّجون إلقاء الخطابات بانتظام في الاحتفالات الثقافية. وجرى تدشين جوائز للكتب العلمية وتمويلها، والحفاظ على استمراريتها. وقد أصبحت حياة العلماء والرياضيين موضوعات مناسبة لتناولها في أفلام رائجة.

منذ عام 1974، عمل هوكينغ على المزج بين أهم نظريتين في الفيزياء الحديثة.. النسبية العامة لأينشتاين التي تتعلق بالجاذبية والظواهر واسعة النطاق، ونظرية الكمّ التي تركز على الجسيمات دون الذرية. وقال أولف دانيلسون، العضو بالأكاديمية السويدية الملكية، التي تمنح جائزة نوبل في الفيزياء، إن هوكينغ طور إدراكا مبكرا للنظرية الأساسية للثقوب السوداء، كما وضع النظرية النسبية في إطارها، مما أدى لاستكشاف ما يطلق عليه بـ”إشعاع هوكينغ”. وأضاف للإذاعة السويدية “الاستكشافات التي ساهم في التوصل إليها، سوف تؤدي إلى المزيد منها في المستقبل بلا شك”.

وكتب هوكينغ عن نظرية النسبية قائلا إن نظرية أينشتاين عن النسبية العامة، هي في ‏ذاتها تتنبأ بأن الزمكان يبدأ عند مفردة الانفجار ‏‏الكبير وسوف يصل إلى نهايته عند مفردة الانسحاق ‏الكبير (إذا تقلص الكون كله ثانية) أو عند ‏مفردة ‏من داخل ثقب أسود (لو تقلصت منطقة محددة، ‏مثل أحد النجوم) وأي مادة ستهوي إلى ‏داخل ‏الثقب ستتدمر عند المفردة، ولن يظل محسوسا في ‏الخارج إلا تأثير جاذبية كتلتها.

ستيفن هوكينغ: حرب سوريا يجب أن تنتهي
وجّه ستيفن هوكينغ رسالة إلى العالم عبر صحيفة واشنطن بوست، عن معاناة الشعب السوري. جاءت رسالة ستيفن بعنوان “حرب سوريا يجب أن تنتهي”، وقال فيها “آمن الفيلسوف الإغريقي أرسطو بأن الكون أزلي، وأن عدم تطور البشرية أكثر مما هي عليه سببه الفيضانات والكوارث الطبيعية التي كانت تعيد الحضارات إلى نقطة البداية، واليوم، يتطور البشر بمعدلات متسارعة”. وأضاف “معارفنا تتضاعف ومعها تقنياتنا الحديثة. لكن البشر لا يزالون يحملون غرائزهم، خصوصا الدوافع العدوانية، والتي حملناها منذ عصر إنسان الكهف. كانت للسلوك العدواني ميزات من أجل البقاء، ولكن عندما تلتقي التكنولوجيا الحديثة بالسلوك العدواني القديم سيكون الجنس البشري بأكمله وكافة أشكال الحياة في خطر داهم”.

وطرح هوكينغ نموذجا للكون يستند إلى مفهومين للزمن “الزمن الحقيقي” وهو الزمن الذي يشعر به البشر و”الزمن المتصور في نظرية الكم” وهو الزمن الذي ربما يكون العالم يتحرك على أساسه حقا. وكتب في بحث أعده للإلقاء في إحدى محاضرته “الزمن المتصور ربما يبدو كخيال علمي… لكنه مفهوم علمي حقيقي”.

لكن، في يوليو 2002، قال هوكينغ في محاضرة إنه على الرغم من سعيه لتفسير كل شيء فإنه ربما لا يمكن التوصل إلى “نظرية حتمية” تتكهن بشكل الكون في الماضي ولا في المستقبل.

أثار هوكينغ جدلا بين علماء الأحياء عندما قال إنه يرى فيروسات الكمبيوتر كشكل من أشكال الحياة، ومن ثم تكون هذه أول عملية خلق يقوم بها الجنس البشري. وقال في منتدى عن الكمبيوتر في بوسطن “حين يكون شكل الحياة الوحيد الذي خلقناه حتى الآن مدمّرا تماما، فأعتقد أن هذا يكشف شيئا عن طبيعة البشر… لقد خلقنا حياة على شاكلتنا”.

رحل هوكينغ، فيما كان يستعد للسفر إلى المريخ ضمن رحلة للبحث عن بدائل للأرض التي استنزف الإنسان المجحف مواردها. وتركزت آخر أبحاث هوكينغ وتصريحاته حول حماية الجنس البشري والبحث عن كواكب أخرى للعيش فيها؛ كما حذّر من خطورة الذكاء الاصطناعي والتطوّر السريع الذي يحدث في هذه الصناعة. وأكّد على وجوب وضع قواعد راسخة لضمان سلامة جنسنا البشري بعد وصول تلك الآلات إلى المرحلة التي سيُستغنى فيها عن خدمات الإنسان.

رغم تعقيدات عالم الفيزياء وجدية الأبحاث العلمية، عرف عن هوكينغ أنه صاحب نكتة وكان في حواراته يقدم نظرياتها في إطار بسيط، وساخر أحيانا. كما أنه ورغم كل ظروف حركته الصعبة وصحته القلقة شارك في حلقة من مسلسل “نظرية بيغ بانغ” الذي عرضته شبكة “سي بي أس″ الأميركية، في مشهد ثانوي. وأدى هوكينغ الذي سبق وأن شارك في السابق في مسلسلات مثل “آل سيمبسون” و”فوتوراما” و”ستار تريك”، دورا مثل شخصيته بالحلقة، حيث يلتقي صدفة بشخصية “شلدون كوبر” التي يؤديها الممثل جيم بارسونز. وعندما سألت مجلة نيو ساينتست هوكينغ، الذي حلم بعقد محاضرة في الفضاء بين كوكبين، عن أكثر ما يشغل تفكيره أجاب قائلا “النساء. إنهن لغز كامل”.

العرب