دمشق ـ «القدس العربي» من هبة محمد: يوم دامٍ آخر تعيشه الغوطة الشرقية، فقد ارتكبت القوات الروسية والسورية التابعة للنظام مجازر عدة بحق المدنيين راح ضحيتها أكثر من 170 قتيلا، بينما تشهد مدن وبلدات الغوطة الشرقية بالقرب من مدينة دمشق، مواجهات عنيفة بين الفصائل المسلحة التي تبدي مقاومة واضحة للحفاظ على مواقعها في آخر معاقل المعارضة شرقي العاصمة، أمام تقدم ملحوظ حققته قوات النظام السوري المدعومة بغطاء جوي روسي، وحشد بري ضخم ضم عشرات الميليشيات المحلية والأجنبية.
يجري ذلك في ظل حملة شرسة من قصف جوي وصاروخي ومدفعي عنيف بمختلف صنوف الأسلحة، بما فيها الأسلحة المحرمة دولياً للقوات الروسية والنظام، وسط اقتحامات برية أسفرت عن إفراغ بلدات عدة من سكانها، وحركة نزوح كبيرة لآلاف الأهالي الذي شردوا من بيوتهم، وذلك في أعقاب سنوات من الحصار والقصف والحملات العسكرية المتكررة، ولعل أبرزها المواجهات التي دارت أمس في مدينة حمورية التي يحاول كلا الطرفين انتزاع السيطرة عليها، حيث تمكنت القوات المهاجمة أمس من بسط سيطرتها على المدينة قبل هجوم معاكس شنته كتائب فيلق الرحمن «الجيش الحر»، وتمكنت من استعادة مساحات واسعة منها.
وقال المبعوث الأممي إلى سوريا، ستافان دي ميستورا، أمس الجمعة، إن الأمم المتحدة تتلقى «تقارير بنزوح آلاف المدنيين من الغوطة الشرقية، نتيجة للعملية العسكرية، وبات السكان يعيشون جحيما على الأرض، والبعض منهم يبحث فقط عن مجرد شربة ماء.»
جاء ذلك في إفادة له خلال جلسة مجلس الأمن الدولي المنعقدة حاليا (حتى الساعة 15:30 تغ)، في المقر الدائم للأمم المتحدة في نيويورك.
وتابع أن الأطراف المعنية بالصراع في سوريا، لم تلتزم بقرار مجلس الأمن الدولي، الذي قضى في 24 فبراير/شباط الماضي، بوقف القتال لمدة 30 يوما، والوصول الإنساني الفوري لجميع المدنيين المحاصرين في سوريا.
وشدد دي ميستورا في إفادته على أن «مكافحة الجماعات الإرهابية في سوريا لا يمكن أن تكون عذرا لانتهاك القانون الدولي».
وتابع: «وقف إطلاق النار تم تطبيقه فقط في بلدة دوما وليس في كل الغوطة، وأي جهود إيجابية مرحب بها خاصة أن المدنيين في الغوطة بحاجة للمزيد من الإمدادات الطبية، وتزويدهم بالمياه الصالحة للشرب».
وأعلنت روسيا في 26 فبراير/شباط الماضي «هدنة إنسانية» في الغوطة الشرقية، تمتد 5 ساعات يومياً فقط، وهو ما لم يتم تطبيقه بالفعل مع استمرار القصف على الغوطة.
وأكد مصدر عسكري خاص من «حركة أحرار الشام» لـ«القدس العربي» ان فصائل المعارضة تمكنت أمس من استعادة السيطرة على كامل مدينة حمورية في الغوطة الشرقية بعد أن خسرتها بالكامل. واستدرك المتحدث بقوله «لكن قوات النظام والميليشيات الإيرانية حققت خلال ساعات فجر يوم الجمعة تقدماً في بعض أحياء المدينة، ونعمل على إجبارها على التراجع والانسحاب منها»، في وقت رفضت جماعة فيلق الرحمن، وهي إحدى جماعات المعارضة المسلحة الرئيسية التي تنشط في جيب الغوطة الشرقية في سوريا، أمس، مقترحاً من روسيا لإجراء محادثات داخل سوريا بشأن الاستسلام ومغادرة الجيب.
وأفاد عضو مجلس محافظة ريف دمشق من مدينة حمورية، عبد الله الغوطاني، في اتصال مع «القدس العربي» أن أهالي البلدة اكتشفوا صباح أمس مجزرة مروعة بحق 100 مدني من أهالي حمورية، قتلوا قبيل انسحاب قوات النظام من المدينة. وأوضح أن من بين القتلى «مشاة وعائلات قضت داخل حافلاتها الخاصة، كما وثقنا مقتل أكثر من 60 مدنياً في مجزرة قضت فيها عائلات بأكملها في أحد الأسواق الشعبية في مدينة كفربطنا المجاورة»، فيما خرجت مئات العائلات من بلدة حمورية عبر المعبر الذي افتتحته قوات النظام، خلال تقدمها الأخير في الأحياء الشرقية للبلدة وإعطائها مهلة ساعة للمدنيين المتبقين في الأجزاء الأخرى، لإخلاء الأقبية والملاجئ التي يوجدون فيها.
الدفاع المدني السوري في ريف دمشق وثق بدوره مقتل أحد أعضائه في فريق «الخوذ البيضاء» في بلدة سقبا، كما أحصى مقتل أكثر عن 200 مدني خلال الأربع والعشرين ساعة الفائتة، قتلوا جمعيهم في ظروف متشابهة جرّاء حملة القصف الجوي والمدفعي العنيف على مدن وبلدات الغوطة الشرقية في ريف دمشق. وكانت المجزرة الثالثة في مدينة زملكا التي شهدت مقتل 21 مدنيا نتيجة القصف العنيف بنحو 16 غارة للمقاتلات الحربية وقصف جوي بـ18 برميلا متفجرا إضافة لقصف بأكثر من ستين قذيفة مدفعية وصاروخ.
ووجه الدفاع المدني عبر حسابه الرسمي رسالة صوتية طالب خلالها المجتمع الدولي بالضغط على النظام السوري وموسكو من أجل «وقت مستقطع» لإنقاذ الأطفال والنساء العالقين تحت الأنقاض في حمورية، وسحب جثث الضحايا من السوق الشعبية في كفربطنا، وباقي مناطق الغوطة الشرقية.
من جهة أخرى أعلن «جيش الإسلام» الجمعة، عن قتل 100 جندي لقوات النظام السوري في الغوطة الشرقية، خلال الـ24 ساعة الماضية. وقال المتحدث باسم أركان «جيش الإسلام» حمزة بيرقدار عبر حسابه على «تويتر» إن قوات النظام حاولت الاقتحام من نقاط عدة لها عند بلدة الريحان، لكن المدفعية والرشاشات الثقيلة وقناصة «جيش الإسلام» تصدت لها، ما أدى لمقتل أكثر من مئة عنصر وتدمير دبابتين، وذلك خلال محاولات الأخيرة اختراق بلدات الغوطة الشرقية من محاور عدة أهمها بلدتا الريحان وحمورية.
وقال الطبيب محمد كتوب من مدينة دوما نقلاً عن أحد زملائه العاملين في مدينة حمورية، «السادسة صباحاً، لم يبق ملجأ في حمورية لم يتم قصفه وتدميره، خرجت مع عائلتي من بين الركام، ضحايا من تحت الأنقاض، أصوات تنادي …دكتور دكتور، عجزت عن تقديم أي شيء، لملمت جراح البعض ليأتي صوت ينادي من الملجأ المجاور يا دكتور ساعدنا، إصابات في كل مكان معظمها نساء وأطفال، شيء لا يوصف، لا يمكن نقل أي جريح لأي مكان فالقصف لا يتوقف، لا طعام لا دواء لا شيء سوى رحمة الله».فيما وجهت الكوادر الطبية العاملة لدى الجمعية الطبية السورية الأمريكية ـ سامز رسالة بهدف تشكيل جبهة واسعة من أجل إيقاف حملة الإبادة الحالية التي يتعرض لها المدنيون، دعوا خلالها الجميع للاتحاد كمجموعات ومؤسسات ومنظمات وفرق تطوعية في وجه الإبادة الحاصلة بحق حوالى 400.000 إنسان في الغوطة الشرقية.
من جهته عبر رئيس أركان الجيش الفرنسي، فرانسوا ليكوانتر، عن قدرة بلاده على القيام بعملية في سوريا بشكل منفرد في حال استخدام الأسلحة الكيميائية، بينما دعا الأمين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش إلى وقف أشكال الحرب والقتل كافة، ودعا « المجموعات والمواطنين اللبنانيين كافة إلى الكف عن التدخل في النزاع السوري»، في تقرير ينشر كل ثلاثة أشهر عن لبنان، ويستهدف خصوصا حزب الله المدعوم من إيران.
القدس العربي