دخلت الحرب السورية منعطفاً جديداً سمته الصراع الدولي في سورية وعليها. الجديد في الأمر هو انتقال الصراع من الداخل السوري الى الأطراف، أي على الحدود الإسرائيلية والأردنية والتركية. في الأطراف تتمركز القوى الدولية، فأميركا باتت لها حصتها في منطقة القامشلي، وتركيا حسمت سيطرتها على منطقة عفرين وتتهيأ للتمدد شرقاً، وإسرائيل ركزت شريطاً حدودياً يشكل خطاً أحمر على إيران والنظام السوري والقوى المتحالفة معهما، تباركه وتحميه القوات الروسية. ولا يخفى ان فرنسا وبريطانيا تملكان قواعد محدودة وقوى عسكرية متمركزة في الأراضي السورية وتنفذان مهمات خاصة.
لم يعد الحديث عن تقسيم سورية الى مناطق نفوذ دولية وإقليمية مجرد توقع تطلقه قوى معارضة للنظام، بل بات تحذيراً متواصلاً على لسان المبعوث الدولي دي ميستورا الذي أعلن ان تقسيم سورية أمر كارثي على سورية وعلى المنطقة كلها. وعندما تصل الأمور الى هذا الحد، يصبح من الطبيعي ان يتصرف كل طرف على قاعدة الانطلاق من منطقة نفوذه نحو الهدف الأكبر الذي يسعى اليه، وهو سعي محكوم بالتصادم كحد اقصى وبالتصادم كحد ادنى مع سائر الأطراف. فالقوى التي تتمركز في سورية ليست آتية في نزهة، بل من أجل مصالحها الإستراتيجية.
في الأسابيع القليلة الماضية، كان العالم يعيش أجواء حربية منجهات عدة. الولايات المتحدة الأميركية ترفع وتيرة التهديد بضرب مراكز النظام السوري تحت حجة استخدامه للسلاح الكيماوي، فتأخذ روسيا التهديد على محمل الجد، وترسل انذاراً الى الولايات المتحدة بأنها سترد على اي قصف يطاول النظام السوري. فرنسا وبريطانيا من جهتهما دخلتا على خط التهديد بضرب النظام السوري، وهما اللذان كانا يعتمدان مقولة الرد في حال استخدم النظام اسلحة محرمة، التي سبق للنظام ان استخدمها بالفعل. تركيا لا تهدد بل ترسل قواتها الى الأرض السورية غير عابئة بالاعتراض الأميركي على اجتياحها، لكن الأميركيين زادوا من وتيرة التهديد ضد الأتراك اذا ما أكملوا توسعهم شرق القامشلي حيث تتمركز القواعد العسكرية الأميركية. ايران من جهتها لاتزال ترفع الصوت مهددة بإزالة اسرائيل من الوجود، غير مهتمة بوجود اميركا ودول اوروبا في جوارها. اسرائيل تعربد وتضرب داخل سورية غير عابئة بتهديدات او تحذيرات. اما النظام السوري فمستمر وبشراسة في قصف مناطق الغوطة وارتكاب المجازر تمهيداً للسيطرة عليها. تبقى روسيا التي تتصرف على انها حامية النظام والمسؤولة عن الدفاع عنه، وإنها تواجه هذا الحلف الدولي، خصوصاً انها ذاقت من كأسه عندما اسقطت طائرة السوخوي او لدى قصف القافلة الروسية في منطقة ادلب حيث سقط حوالى مئتي قتيل من قواتها. فالتهديد له وظيفة منع انفلات الأمور، او في الوصول الى تسوية واتفاقات. لعل الأخطر في ما يجري الآن في سورية يتصل بالتهديدات الأميركية وبالجواب الروسي عليها. روسيا تصرفت في سورية بالدخول العسكري المباشر غير عابئة بالاعتراضات الدولية، فيما اميركا غلب على سلوكها التهديد الكلامي باستثناء مرة واحدة يتيمة. لذا من غير المستبعد ان يبقى التهديد الأميركي كلامياً، خصوصاً ان الإنذار الروسي بالرد غير مسبوق في تاريخ الصراع. لعل ارتفاع وتيرة الصوت الروسي ناجم عن شعور الروس بالاستنزاف الأميركي لهم، ومنع تحقيق تسوية تسمح لروسيا الخروج من الوحول السورية ولو في شكل محدود.
اما الصراع الأميركي التركي فسيقى محدوداً ولن يصل الى حدود الاحتكاك العسكري، لأن الأتراك يدركون أخطار مثل هذه المغامرة، وسيصلون مع الأميركان الى تفاهمات على مناطق النفوذ التي يريدونها، خصوصاً ان الأميركيين تلاعبوا بالأكراد وشجعوهم على اقامة مناطق نفوذ ثم تخلوا عنهم. اما ايران فتبدو بعيدة عن اي احتكاك، مكتفية بمناطق سيطرتها في الداخل السوري، مدركة ان الحديث لم يتوقف عن اخراجها من سورية.
هكذا يبدو الصراع في سورية يسير من تعقيد الى تعقيد، ولا يظهر ان القوى المتصارعة راغبة في فرض حلول سياسية في الوقت الراهن. وسط كل ذلك، تزداد معاناة الشعب السوري، ويدفع كل يوم عشرات الضحايا، ويجري تدمير ما تبقى من بناه التحتية، ناهيك بتواصل النزوح خارج سورية، بما يضاعف من المعاناة. صحيح ان كلاماً يدور في المنتديات الدولية عن إعمار سورية، لكنه يبقى كلاماً افتراضياً، فالإعمار يتطلب وقف الحرب والوصول الى تسوية، فيما النظام غير قادر على ولوجها، بالنظر لعدم رغبته اولاً، ولعدم قدرته في ظل الاحتلالات المتعددة التي تبسط سلطتها على الأراضي السورية.
خالد غزال
صحيفة الحياة اللندنية