امريكا لن تخرج من العراق
شذى خليل*
تتعمد الادارات الامريكية اخفاء الابعاد الاقتصادية في سياستها الخارجية، وتلجأ الى اعتماد سياسة (التعتيم) على الاهداف والدوافع الاقتصادية الحقيقية لحروبها وخططها العسكرية، وكان احتلالها للعراق خير شاهد على هذه السياسة اذ وضعت الولايات المتحدة العراق ضمن استراتيجيتها وخططها المستقبلية للأمن القومي الامريكي منذ عام 1930، عندما تزايد استهلاك الولايات المتحدة للنفط بنسبة 300%.
وفي ايار 1979،نضجت الفكرة لدى الولايات المتحدة ، اذ نشرت في مجلة (fortune) بعددها السابع خطط لحل ما سمي(غزو العراق للكويت والسعودية) والذي جاء فيها ان القوات العراقية تستطيع باستخدامها اسلحة سوفيتية التغلب على الدولتين بسرعة، متوقعة ان تطلب الدولتان المساعدة من (قبل أمريكا) التي ستتدخل بضربات جوية تكتيكية ضد الدبابات والطائرات العراقية مع التهديد بتدمير منشآتها النفطية، مع تدخل رجال المارينز من الاسطولين السادس والسابع وقوات المشاة من الفرقتين (82 و101) لاخراج القوات العراقية. وقد تم تنفيذ هذه الخطة بعد مرور 12 سنة فيما سمي بعاصفة الصحراء.
لماذا تختار امريكا العراق ؟
اكد الخبير في السياسة الخارجية الامريكية ، جيمس ايكنز ان سبب الغزو الأمريكي للعراق “هو البترول فمن الواضح أن هذه هي القضية، ولو أن العراقيين كانوا ينتجون الفجل فهل كنا ذهبنا إلى غزوهم؟ بالطبع لا. لقد غزونا العراق من أجل النفط”.
ووصل استهلاك الولايات المتحدة من النفط إلى 11،3 مليون برميل يومياً واستمر بالزيادة إلى أن وصل حوالي 20 مليون برميل يومياً ، بحيث أصبحت تستورد ثلثي حاجتها من النفط فيمت حقولها واحتياطيها النفطي في نضوب، وكان العراق يمتلك احتياطاً مبدئياً يقدر ب115 مليار برميل من 20 حقلاً منتجاً، ولكن بالعراق 80 حقلاً، وحسب التقديرات فإن الحقول ال 60 الباقية تحتوي على 200 مليار برميل إضافي ما سيجعل العراق مالك أكبر احتياط نفطي في العالم، بحيث ان حقل مجنون الذي يعد من اشهر الحقول النفطية في العراق يمتلك احتياطياً نفطياً يوازي كل احتياطي الولايات المتحدة النفطي البالغ حوالي 20 مليار برميل والذي سينضب خلال سنوات قليلة حيث إن الولايات المتحدة تستهلك حوالي 20 مليون برميل/يومياً من النفط.
ومن اسباب اهتمام الولايات المتحدة بالنفط العراقي ان تكلفة انتاج البرميل لا تتجاوز دولارين، فيما تكلفته التشغيلية في امريكا 14.8 دولار، والرأسمالية 21.5 دولار، وفي الحقول البحرية الأمريكية ما بين 60-70 دولارا للبرميل، لذا يمثل النفط العربي والعراقي على وجه الخصوص سلعة استراتيجية للولايات المتحدة الامريكية التي تستهلك حوالي 17 مليون برميل يوميا في حين ان انتاجها لا يتجاوز 6 ملايين برميل يوميا، اي انها تستورد نحو 11 مليون برميل يوميا، لتغطية حاجاتها الاستهلاكية الفعلية من الطاقة.
ومن اهداف سعيها الى السيطرة على منابع النفط التحكم بأسعاره لان ارتفاع سعر البرميل دولارا واحدا يعني تحميل ميزانيتها اربعة مليارات دولار سنويا، خاصة مع الزيادة الهائلة في حجم وارداتها النفطية. وبعبارة اخرى فان ارتفاع سعر البرميل 3 دولارات يقضي على كل مساعدات امريكا للعالم، وهذا يوضح السبب الحقيقي لاحتلال الامريكي للعراق، ويدحض ما قدمته امريكا من تبريرات او حجج للاحتلال مثل نزع اسلحة الدمار الشامل التي اقامت الدنيا حولها ولم تقعدها، والصلة بين النظام العراقي والقاعدة التي تهدد الامن والسلام العالميين ولكن الهدف كان واضحا منذ اللحظات الاولى التي اعلن فيها اقطاب الادارة الامريكية عن الخطر العراقي وبعد ايام من احداث سبتمبر في الكثير من تصريحات مسؤولي الادارة الامريكية وليس هنا متسع من المجال للحديث عن تقارير ريتشارد بيرل وبول ولوفثيز وغيرهما من صقور وزارة الدفاع الامريكية البنتاجون واعضاء مجلس تخطيط سياسات الدفاع وفلسفة هذا الفريق حول (القرن الامريكي) وفرض القوة الامريكية على العالم بلا منافس وهي اراء وافكار باتت منشورة ومعروفة على اوسع نطاق وكلها توضح بجلاء موقع العراق من المخططات الامريكية للسيطرة على النفط والتغيير (الجيوستراتيجي) لمنطقة الشرق الاوسط والتلويح بالقوة العسكرية الجبارة والتاريخية للولايات المتحدة امام القوى الكبرى التي تفكر في مناقشتها او منازعتها سلطاتها.
وكان احتلال العراق اعلانا بالقوة عن بدء القرن الامريكي الجديد الذي يكرس للسيطرة والهيمنة الامريكية على العالم ووضع اليد الامريكية على النفط العراقي واعادة رسم خريطة (جيوستراتيجية) لإقليم الشروط الاوسط والتأثير فيما حوله خصوصا في منطقة شبه القارة الهندية واسيا الوسطى.
وتبقى المشاكل الاقتصادية التي تعانيها الولايات المتحدة الاسباب الحقيقة وراء حربها على العراق ، فمنذ تولي بوش الابن منصب الرئاسة في يناير 2000، واخذت تتزايد اوضاعها الاقتصادية خاصة بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وما ترتب عليها من تداعيات تبنيها الحملة على الارهاب في شتى انحاء العالم ونجم عن ذلك تفاقم اوضاعها الاقتصادية .
عجز الموازنة الامريكية
بلغ العجز في الموازنة الأمريكية لعام 2002 حوالي مائتي مليار دولار، والمديونية وصلت الى 32 تريليون دولار، أما البطالة فبلغت نسبتها أكثر من 6 في المائة.
ولا شك ان هذه الأرقام مؤثرة وتعكس بالنسبة للاقتصاد الامريكي آثارا ونتائج لا يمكن التهوين من شأنها أو التقليل من خطورتها، وقد عانى الاقتصاد الامريكي معاناة حقيقية بعد الحادي عشر من سبتمبر، ثم شنت الولايات المتحدة الأمريكية حرب على نظام طالبان في أفغانستان ذلك (الموقع الحاكم) في جنوب آسيا في السابع من اكتوبر 2001، كانت باهظة ومرتفعة التكاليف، وعلى الرغم من أن التقديرات المبدئية لتكاليف الحرب الامريكية على العراق تراوحت بين 95 مليار دولار ومائتي مليار دولار، إلا أن الثمار والنتائج التي توقعتها الادارة الأمريكية من نجاح الغزو الأمريكي لهذا البلد، كانت كافية لكي تتحدى الولايات المتحدة الأمريكية ـ في سابقة تكاد تكون الأولى من نوعها ـ مجلس الأمن الدولي باعتباره أكبر سلطة دولية تمثل الادارة الدولية وتعبر عن هيئة الأمم المتحدة، كما كانت هذه النتائج والثمار كافية لكي تخرج على الشرعية الدولية وتتصرف باتخاذ اجراءات وتدابير عسكرية بعيدا عن سلطة المجتمع الدولي، ومخالفة قرارات هيئاته، وخروجا على القوانين والمواثيق الدولية على نحو غير مسبوق، يفسر بما لا يدع مجالا لأي شك الاهداف الحقيقية الخاصة بتطور الاستراتيجية العالمية للولايات المتحدة الأمريكية من ناحية، ويفسر الأهمية الاقتصادية لهذه الحرب على العراق من ناحية أخرى.
ومن الأهداف الحقيقية للتدخل الأمريكي في العراق:
– النفط العراقي هو الهدف الثمين للتدخل الأمريكي في العراق لما يحتويه من فائض احتياطي بالإضافة إلى سهولة استخراجه.
– الهيمنة على أعدائها المحتملين وفي مقدمتهم الصين حيث تعتبر بكين أحد المنافسين الرئيسين عسكريا وسياسيا لأمريكا خلال الأعوام المقبلة، فالصين مستورد أساس للبترول العراقي والدول الخليجية، وبالتالي فإن وجود ثقل لأمريكا في العراق سوف يسمح لها الضغط والتحكم بالدول المنافسة لها في المنطقة وعلى رأسها الصين.
– السيطرة على العراق يعطي عامل قوة لأمريكا لإحداث تغيير جيبوليتكي راديكالي بإيجاد المزيد من الدول تحت سيطرتها في الشرق الاوسط.
– امريكا تدرك جيدا أن العراق قوة حضارية وهي ارض الذاكرة العربية الإسلامية وهذا يهدد سيادة الثقافة والقيم الغربية.
– الأزمة الاقتصادية التي تعانيها أمريكا عامل إضافي ومهم لنزوع الطبقة الحاكمة في أمريكا نحو التدخل في الدول الاخرى، فالمخرج من هذه الأزمة بنظرهم هو إقرار سياسة بربرية تبيح قلب الأنظمة واحتلال أمريكا لقرارات الدول الأخرى، وإيجاد اسواق لها لتصريف الفائض عندها. مع ذلك فإن أمريكا تعاني تراجعا متواصلا وتاريخيا في حصتها من إجمالي الناتج العالمي من 50 في المئة عند انتهاء الحرب العالمية الثانية إلي 22.5 في الوقت الحالي، وبطبيعة الحال انعكست الأزمة الاقتصادية الأمريكية على توجهات الرأي العام داخليا وخارجيا وخصوصا الطبقة العاملة داخل أمريكا.
– حاجة أمريكا لتعزيز قواعدها العسكرية في الصحراء الغربية العراقية وهي النقطة الجغرافية التي انطلق منها واحد وأربعون صاروخ سكود عام 1991 لتحط على تل أبيب ويافا وحيفا في عمق الكيان الإسرائيلي. فالإسرائيليون هذه الأيام يلحون على الأمريكان باحتفاظهم بحق المراقبة على الصحراء الغربية العراقية بهدف حمايتهم وحماية أعمالهم التعسفية في فلسطين وغيرها من دول المنطقة.
– المكسب السياسي في إظهار أمريكا نفسها امام العالم والشعوب على أنها الحامية للديمقراطية والمناهضة للحركات التكفيرية.
– القضاء على أي فرصة لإنشاء دولة قوية ومقتدرة في المنطقة، منبثقة من إرادة الشعوب تحترم حقوق المواطن والإنسانية.
هذه الاهداف والمطامع الأمريكية في المنطقة وبالرغم من كل الثقل الذي تبذله لتحقيقها، إلا أن المعطيات على الأرض تشير بوضوح إلي ان السياسة الامريكية في المنطقة قد فشلت، ولم تحصد من تدخلها في الشأن العراقي سوى الخيبة والفشل وتراجع دورها الإقليمي والعالمي، إضافة إلى ازدياد مشاكلها الاقتصادية، وتراجع ثقة حلفائها بها، فإرادة الشعوب تأبى إلا ان تنتصر!
العلاقات الامريكية العراقية بعد الانتخابات المقبلة
تكشف التصريحات لوزارة الدفاع الأمريكية(البنتاغون) عن نية الإدارة الأمريكية الإبقاء على القواعد العسكرية وتفعيل « الاتفاقية الأمنية والاستراتيجية» مع الحكومة الجديدة بعد اجراء الانتخابات. وتتطابق هذه التصريحات مع واقع العمليات التي تخوضها أمريكا، داخل العراق.
فعلى الرغم من اعلان الانتصار والقضاء على «تنظيم داعش الارهابي ، لا تزال القوات الامريكية تقصف أماكن مختلفة من العراق؛«لمطاردة فلول داعش الإرهابي». ولا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تُعلن عن انطلاق عملياتها المستمرة في سوريا والعراق، مما يثير التساؤل العديد من البيانات الصادرة من الجانبين العراقي والأمريكي المتعلقة بالعمليات الموصوفة بانها مبنية على معلومات استخباراتية دقيقة؛ بسبب استمراريتها، وكثرتها، واعداد الضحايا من المدنيين في الفترة التي أعقبت إعلانات الانتصار والاحتفال به. فما الذي حدث للوعود الكبيرة بالاستقرار والأمان والاعمار، في الفترة التي اُطلق عليها اسم «ما بعد داعش»؟ وما دور الصراعات بين الأحزاب والميليشيات المتنفذة في هذه الفترة، وهل هناك دور أمريكي بالإضافة إلى الإيراني؟ وما مدى صحة كون العمليات العسكرية والقصف يستهدفان، فعلا، بقايا تنظيم داعش الارهابي.
ان استخدام ذريعة حماية العالم يترجم على ارض الواقع، بأن لقوة المهام المشتركة أو الولايات المتحدة وحلفائها، المبرر الشرعي للبقاء على ارض العراق وسوريا مدة تفرضها هي، وفق مصالحها الاقتصادية والسياسية والعسكرية.
وتعمل الولايات المتحدة على إبقاء حضور داعش، لترهيب الدول والناس، وإبقاء العراق ضعيفا، ممزقا، تسهل الهيمنة عليه، بالتعاون مع جهات محلية متحالفة مع الدول الإقليمية، أو الولايات المتحدة، أو كليهما معا.
ذكر موقع «غلوبال ريسيرج» الأمريكي، في 23 كانون الثاني/يناير، ان هناك ست قواعد عسكرية للولايات المتحدة في العراق. وهناك ما يشير إلى انشاء قواعد أخرى. ولن تكون هذه القواعد بالحجم السابق الذي كانت عليه قبل انسحاب قوات الاحتلال عام 2011، الا انها ستكون قادرة على تحقيق الأهداف المطلوبة ومنها السيطرة الجوية والاستخباراتية والاغتيالات بواسطة الطائرات بلا طيار. ومن أهم القواعد العسكرية، حسب موقع «ميل اونلاين» البريطاني، هي: مطار صدام الدولي السابق خارج بغداد، وقاعدة تليل الجوية بالقرب من الناصرية، في الجنوب، والقاعدة الجوية المعروفة باسم اتش -1، في الصحراء الغربية، ومطار باشور في شمال العراق. ولموقع أتش 1 الاستراتيجي أهمية خاصة، حيث توجد فرق القوات الخاصة حاليا، لكونه على مسار خط أنابيب النفط إلى الأردن.
ومما يؤكد ان الولايات المتحدة لن تنسحب من العراق أن تاريخها يؤكد انها ما زالت تقيم في “مدن” عسكرية في اليابان وألمانيا بعد أكثر من 65 سنة من انتهاء الحرب العالمية الثانية، وان أي مكان دخلته لا تنسحب منه مثل كوريا، فالولايات المتحدة لا تنسحب طوعا بل كرها كما في فيتنام، وهذا يعني عدم خروجها من العراق، واشارالمتحدث باسم وزارة الحرب الامريكية ، اريك باهون ، وحسب البنتاغون الى الاتفاق مع الحكومة العراقية على استمرار بقاء 5200 جندي امريكي في العراق بالاضافة الى القوات الخاصة التي لم يذكر عددها، وستتمركز في الجهة الغربية من العراق ، وسقتصر عملها على تدريب القوات العراقية. والولايات المتحدة الامريكية تذهب باهدافها ابعد من محاربة الارهاب، فيها تحضر لحرب جيوسياسية مقبلة او حرب نفوذ تتعدى حدود العراق، وما يمهد لها حضورها المركز على الشريط الحدودي بين العراق وسوريا .
وأكد وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيلرسون، ان القوات الأمريكية لن تنسحب من العراق، واعتبر بقاءها في العراق قانونيا وفقا لتفويضي الحرب اللذين صدرا في العامين 2001 و2002، بعد هجمات الـ11 سبتمبر/أيلول، وبدء الحرب في العراق.
و اكدت مصادر مقربة من الحكومة ، ان “التنسيق مستمر من أجل مواصلة الدعم الأمريكي بما يتلاءم مع متطلبات القوات العراقية في المرحلة المقبلة
ولفتت مصادر الى أن بقاء الأزمة السورية من دون حل، والوجود الإيراني في سورية يتطلب حضوراً أمريكياً مستمراً على الحدود العراقية- السورية، اضافة الى ان التحالف الامريكي مع أكراد سورية الذي يتطلب امدادهم من ناحية العراق أسبابا إضافية لعدم الانسحاب الأمريكي بالكامل.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية