في الوقت الذي أظهر فيه مايك بومبيو وجون بولتون أنهما يستطيعان التواصل مع دونالد ترامب، لم يبد أي منهما أي قدرة في أي وقت على التعامل مع أزمة واحدة، ناهيك عن وقف تراجع قيادة الولايات المتحدة في العالم. وسيكون الاجتماع المتوقع بين ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون أول اختبار لهما.
* * *
دنفر- يُنظر إلى تغيير الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخير للحكومة -استبدال وزير الخارجية ريكس تيلرسون بمدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق مايك بومبيو، واستبدال ماكماستر بالدبلوماسي المتشدد جون بولتون كمستشار الأمن القومي- على أنه يمثل نقطة تحول رئيسية في أولويات ومواقف الأمن القومي. وسوف تزيد هذه الممارسة من درجة الخطر في العالم.
بعد أكثر من عام من الدراما شبه اليومية، بدأ العالم بالتأقلم مع الوضع الراهن لإدارة ترامب، الذي يتضمن هجمات متكررة على القادة الأجانب والعلاقات مع الحلفاء المقربين. وبدءا من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أدرك حلفاء أميركا، خاصة في أوروبا، أنه لم يعد بإمكانهم الاعتماد على الولايات المتحدة كشريك.
نتيجة لذلك، عمل القادة السابقون بشكل متزايد من أجل تخفيف آثار القرارات الأحادية الصادرة عن إدارة ترامب، والتي أدى الكثير منها إلى تقويض التعاون العالمي بشكل مباشر. والجدير بالذكر أنه في ظل قيادة ترامب، انسحبت الولايات المتحدة من الشراكة عبر المحيط الهادئ وشراكة التجارة والاستثمار العابرة للمحيط الأطلسي -وهما مبادرتان من شأنهما أن تساعدا على تعزيز القيادة العالمية للولايات المتحدة، إذا لم تكن إدارة ترامب تصر على معاملة هاتين الاتفاقيتين على أنهما مؤامرات ضد الولايات المتحدة من قبل الدول الصغيرة.
وفي الآونة الأخيرة، ضاعف ترامب جهوده لتفعيل هذا النهج، معلناً عن فرض رسوم جمركية مرتفعة على منتجات الألمنيوم والصلب، وقد حصلت بعض هذه الدول على إعفاءات مؤقتة في حين أن اليابان لم تفعل ذلك. ولم يكن في هذا ما يبشر بالخير لشينزو آبي، رئيس الوزراء الياباني الذي لم يستطع الانتظار لتهنئة إدارة ترامب. وعلى الرغم من أن آبي يمكنه في النهاية إصلاح أساسه السياسي بشأن مسألة التعريفات الجمركية، إلا أنه سيكون أكثر حذراً بشأن التعاون بين اليابان والولايات المتحدة في المستقبل.
بينما يستمر الوضع في التقدم، يواصل تيليرسون وماكماستر النضال للحفاظ على الوضع العام. ويشكل الحياء والغرور مزيجاً مدمراً بالنسبة لوزير الخارجية، ولكن هذا بالضبط ما أثبته تيلرسون -نادراً ما كان يقضي يوماً جيداً في العمل. وعلى نحو مماثل، بدا أن ماكماستر -وهو بديل متهور ولو أنه مرحب به لمايكل فلين- يراقبه باستمرار، حيث لم يكن قادراً على التواصل مع الرئيس أو إدارة الديناميات المشتركة بين الوكالات.
على النقيض من ذلك، أظهر كل من بومبيو وبولتون أن بإمكانهما التواصل مع ترامب، وهذا ليس بالأمر السهل بالنسبة لرئيس ما يزال، في عامه الثاني بعد توليه المنصب، غير قادر على إقامة علاقة قوية مع فريق الأمن القومي. لكن أيا من هذه الجلين لم يُظهر قدرة على التعامل مع أزمة، ناهيك عن وقف المزيد من التراجع في القيادة الأميركية العالمية.
يشكل الحصول على منصب وزير الخارجية -وهو أرفع منصب في الحكومة- خطوة مهمة بالنسبة لبومبيو، الذي سبقت فترة توليه منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية ست سنوات في مجلس النواب، حيث كان يمثل الدائرة الرابعة في الكونغرس في ولاية كانساس. وقد سمع معظم الأميركيين عنه لأول مرة في العام 2015، عندما كان مسؤولاً عن التحقيق في دور وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في وفاة السفير الأميركي في بنغازي، ليبيا. وفي حين أن هذا الأداء يمكن أن يشير إلى وجود مخاوف مرحب بها بشأن أمن الدبلوماسيين الأميركيين في الخارج، إلا أنه يشير أيضا إلى نهج مسيّس للأمن وصنع القرار، وهو ما انعكس أيضاً في فترة خدمة بومبيو في وكالة الاستخبارات المركزية.
أما بالنسبة لبولتون، فقد تم تعيينه كعضو سياسي معين في العديد من الحكومات. وقد ترك بصمته كعدو رئيسي للوكالات الحكومية غير التقليدية، التي وصفها مسؤولو إدارة ترامب الآن بأنها جزء من “الدولة العميقة”، متهمين بشكل منتظم هؤلاء المهنيين -وكذلك الدبلوماسيين– باتباع سياسة “الاسترضاء”.
على الرغم من كونه بيروقراطياً متعصباً، حقق بولتون العديد من الإنجازات. ويُنظر عموما إلى مبادرته الأمنية لمكافحة الانتشار، التي أُطلقت أثناء إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، على أنها نجاح دبلوماسي ساعد على تعزيز التعاون الدولي. لكن بولتون عرض نفسه بشكل عام كصقر في السياسة الخارجية، مع تفضيل قوي للأحادية.
مع ظهور أزمة كوريا الشمالية، لن يضطر العالم إلى الانتظار طويلاً لمعرفة كيف تترجم ميول بولتون وبومبيو إلى أفعال. ومن المتوقع أن يبدآ وظائفهما الجديدة في الفترة التي تسبق قمة ترامب المتوقعة مع كيم جونغ أون -نتيجة لقرار ترامب المفاجئ والأحادي.
علاوة على ذلك، رفض العديد من أعضاء الحزب الجمهوري الذين يشككون في الدبلوماسية، والذين يعتبرون بولتون زعيماً لهم، لقاء ترامب مع كيم جون أون، معتقدين أن التحدث مع الديكتاتوريين مجرد مضيعة للوقت وهي في النهاية بمثابة لعبة في أيدي الأوتوقراطيين. وحتى أولئك الذين يدعمون الدبلوماسية بشكل فطري لديهم شكوك جدية بهذا الشأن: إذا فشلت مناورة ترامب، مع غياب المزيد من الإجراءات الدبلوماسية، فإن الحلول العسكرية ستصبح الخيار الوحيد.
قد يعتقد بولتون وبومبيو أن أفضل نتيجة هي أن يعقد الاجتماع في موعده المحدد، مع غوغائية ترامب الغاضب. ومع ذلك، وبسبب عدم وجود بدائل مجدية حقاً، فإن معظم الناس لا يريدون أن ينتهج الاجتماع بنتائج سلبية. ومن المؤكد أن هذا لا يتماشى مع رغبات ترامب، لأنه لا يستطيع الانتظار حتى يثبت للعالم الخارجي أنه من الحكمة بحيث قبل اجتماع كيم. ولذلك، فإن درجة تأييد بومبيو وبولتون للمبادرة لن تؤثر فقط على القمة نفسها، وإنما سيكون لها تأثير بعيد المدى على رئاسة ترامب.
يمكننا أن ننجح فقط من خلال الاستعداد الكامل للقمة مقدماً. فهل يرغب بولتون في التعامل مع القادة الكوريين الجنوبيين الذين غالباً ما يتعرضون لانتقاداته الحادة من أجل تنسيق الموقف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية؟ وهل سيعمل هو وبومبيو مع الصينيين لإيجاد نموذج للتعاون الفعال؟ هل هذان المسؤولان مستعدان للقاء الكوريين الشماليين قبل القمة لضمان نتيجة إيجابية؟
قد يقوم الرئيس بخدع سحرية من وقت لآخر. لكن هذه الخدع تكون ممكنة فقط عندما يقوم الدبلوماسيون -عادة بقيادة مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية- بإعداد الدعائم لكي ينجح البرنامج. وليس من الواضح ما إذا كان بومبيو وبولتون يستطيعان إكمال هذه المهمة. لكن هناك أمراً واضحاً واحداً: علينا أن لا نعتمد على الخبرة، وإنما على الأمل.
كريستوفر آر. هِل
صحيفة الغد