ذات يوم لقب السعيد وتعلق هذا الوصف في اذهاننا منذ نعومة اظفارنا، ويقول المؤلف توركيل هانسن: “كل شيء حتى ذلك الوقت كان يدل على أن هذه الأرض، التي يتهيأون لاكتشافها لأول مرة في تاريخها ، هي حقاً أرض السعادة على هذه الأرض”. نعم انها “العربية السعيدة” او ما كان يعرف بـ”اليمن السعيد”.
لم يعد اليمن سعيدا كما تعلمنا، بل اصبح بائسا مفتتاً، فالنزاع على السلطة واستشراء الفساد ونهب المال جميعها عوامل شكلت الصخرة التي تحطمت عليها امال اليمنيين في عملية البناء واخرت تقدمه خلال العقود الطويلة فكان الاقتصاد اليمني الخاسر الاول من هذا الوضع الذي شكل عائقا للاستفادة من المقومات الاقتصادية للبلد.
ان الوضع الاقتصادي الحالي في اليمن وما وصل اليه لم يكن وليد اليوم بل هو حالة تراكمية لم تلق اهتماما فكانت النتيجة وجود اختلالات هيكلية في موازنة اليمن.
في مقالنا السابق حذرنا من التداعيات الاقتصادية التي يعانيها اليمن بسبب الاوضاع الامنية والاقتصادية ، واليوم نلاحظ ان الامر استفحل ويكاد يخرج عن السيطرة فيما يخص الاقتصاد اليمني الذي بات الخاسر الاكبر في هذه الاوضاع المقلقة فتراجعت عائدات النفط وانخفض الاحتياطي النقدي وهربت الاستثمارات الاجنبية وازدادت مخاوف العزلة الدولية لليمن ما جعل اقتصاده على حافة الانهيار. وقد أظهر تقرير للبنك المركزي اليمني أن دخل البلاد من صادرات النفط تراجع 37% عن عام 2013 ما يعادل 1.67 مليار دولار.
تحذيرات جديدة حول الاوضاع في اليمن لكن هذه المرة في الاقتصاد والخوف من انهياره بشكل كبير ، فالبنك الدولي حذر من استمرار التدهور الاقتصادي والسياسي في اليمن بدرجة أكبر في العام الحالي، في ظل الظروف السائدة. وأوضح تقرير «المرصد الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» الصادر أخيراً، أن الاقتصاد تدهور بشدّة العام الماضي ،بسبب الاضّطرابات الأمنية والسياسية، وادت عمليات الاعتداء على خطوط أنابيب النفط والمنشآت النفطية على مدار السنة، بدورها إلى نقص الوقود وانقطاع التيار الكهربائي.
وادى انعدام الامن والمواجهات المسلحة واعمال التخريب ايضا الى انهيار النمو الاقتصادي من 4.8 % عام 2013 إلى نحو 0.3 % فقط في2014 بحسب التقرير. ما ينذر بنتائج كارثية فـــيما يتعلّق بتخفيف حدة الفقر في بلد يعد من بين أعلى بلدان العالم في نسبة الفقر إذ تبلغ حوالي60 % من سكانه ويعاني أكثر من نصف شبابه البطالة ، و11 مليون شخص من مواطنيه انعدام الأمن الغذائي الشديد، حسب منظمة الفاو .
وأفاد تقرير البنك بأن أداء المالية العامة عكس انهيار النمو في البلاد ، وفاقم عجز المالية العامة إلى 8.7 في المئة من إجمالي الناتج المحلي عام 2014، مقابل 7.8 في المئة عام 2013 وهو ما ادى الى تباطؤ النشاط الاقتصادي، وانعدام الأمن عموماً الذي اعاق تحصيل الضرائب.
اما الفائض الذي تحقّق من إصلاح دعم الوقود الذي بدأ تنفيذه في تموز (يوليو) الماضي، فقد كان محدودا بسبب التأخّر في التنفيذ وكذلك لقيام الحكومة بإعادة هذا الدعم جزئياً تحت ضغط من جماعة أنصار الله (الحوثيون). كما ثبتت صعوبة تعبئة التمويل المحلي، (بلغ صافي التمويل المحلي للحكومة نحو 2.6 في المئة من إجمالي الناتج في مقابل 7.2 في المئة عام 2013) وقد طلب الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي انذاك من السعودية ، دعم بلاده بسيولة مالية،بسبب تعسّر أوضاع السيولة في الاقتصاد ،لإنقاذ البلد من الانهيار الاقتصادي الوشيك. وإحجام البنوك الإسلامية عن شراء مزيد من الصكوك بالعائد السائد الذي تبلغ نسبته 10 في المئة.
وللإبقاء على الإنفاق ضمن حدود موارد التمويل المتاحة، اضّطرت الحكومة إلى خفض النفقات الرأسمالية ومراكمة المتأخّرات.
لقد تدهورت الأوضاع الاقتصادية في اليمن، بالإضافة الى المالية العامة للدولة نتيجة الهجمات المتكررة وغياب المنح الخارجية التي يتوقع ان تشهد انخفاضا اكبر خصوصا من دول الجوار الخليجي التي تشكل اكثر من نصف مجمل المعونات الخارجية.
التقرير لفت إلى أن أداء الحساب الجاري أصبح أسوأ كثيراً لولا المنح السعودية. وعلى الرغم من أن اليمن لايعد منتجا كبيرا للنفط، إلا أن قطاع الطاقة يشكل نحو 25% من الناتج المحلي الإجمالي، ونحو 70% من إيرادات الحكومة، و90% من صادرات البلاد ، ويبلغ سعر النفط المطلوب لتعادل المصروفات والإيرادات في الميزانية 215 دولارا بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي لعام 2013، وهو معدل مرتفع جداً ومن غير الممكن تصوره. ولدى اليمن احتياطات مؤكدة تبلغ نحو ثلاثة مليارات برميل، بحسب تقديرات إدارة معلومات الطاقة الاميركية، وبالتالي أدّى هبوط أسعار النفط إلى انخفاض تدفّقات النقد الأجنبي الوافدة. كما زادت التدفّقات الرأسمالية الخارجة، ولا سيّما من شركات النفط.
وعلى الجانب الإيجابي بحسب التقرير، بقيت التحويلات ثابتة وتم تلقّي منح سعودية كبيرة بقيمة إجمالية تبلغ نحو 1.2 بليون دولار. وساعد ذلك في تحسين عجز الحساب الجاري من 2.9 في المئة من إجمالي الناتج المحلي عام 2013 إلى 1.3 في المئة عام 2014. و لم يغفل التقرير تراجع إجمالي الاحتياطي النقدي الأجنبي نحو 800 مليون دولار ليصل إلى 4.1 بليون دولار نهاية عام 2014، لكنه ظل كافياً بشكل عام ليغطي أربعة أشهر من الواردات. وعلى رغم تراجع احتياطات النقد الأجنبي، بقي سعر الصرف الإسمي ثابتاً منذ تموز/ يوليو 2012 عند 214.9ريال يمني في مقابل الدولار.
وتمثل الاستثمارات الخليجية الحكومية والخاصة 70% من إجمالي الاستثمارات المدارة في اليمن، وفي مقدمتها الاستثمارات السعودية والمقدرة بين 3 و4 مليارات دولار.
قبل ايام اعلن التحالف العربي عن انتهاء العمليات العسكرية لعملية “عاصفة الحزم” لتتيح المجال نحو بدء مرحلة “إعادة الأمل” المعنية بتقديم المساعدات للمتضررين في اليمن، بموازة المساعدات لابد من العمل بشكل حثيث على اعادة اليمن الى الصف العربي بعد ان تقاذفته الجماعات والمنظمات التي لا تهتم سوى بتنفيذ اجندة خارجية على حساب مصالحه.
ارقام مقلقة ومستقبل مجهول هذا هو الحال اليوم في اليمن فالحديث عن الوضع الاقتصادي يثير تخوفات المراقبين لان الوضع الحالي قد يقود البلاد الى انهيار اقتصادي مرعب بالتالي يترتب عليه الكثير من العواقب الوخيمة ما يستدعي التحرك السريع لانقاذ اليمن ليعود كما تعلمنا “اليمن السعيد” لكن المشكلة تكمن بأنه لا يمكن الحديث عن حل جذري للمشاكل الاقتصادية في اليمن دون وجود استقرار سياسي ومعالجة الوضع الأمني والسياسي .
عامر العمران
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية