لا نعتقد انها كانت زلة لسان من قبل السيد عبد الله المعلمي، مندوب السعودية في الامم المتحدة، عندما قال اثناء مداخلة له عن حرب اليمن قبل يومين بأن بلاده “لن تدخر اي جهد لمساعدة الشعب السوري”، ملمحا الى احتمال زيادة تدخلها سياسيا وعسكريا في الازمة السورية، الامر الذي التقطه السيد بشار الجعفري، زميله السوري، وعرف ما يرمي اليه من خلال هذا التسريب، عندما تولى الرد بغضب متهما السعودية ببذر بذور الفتنة الطائفية وثقافتها في المنطقة محذرا “من اي يد تمس سورية سيتم قطعها”.
الدبلوماسيون السعوديون لا يزل لسانهم في العادة، ولا يطلقون كلاما على عناته، وانما ينفذون تعليمات واضحة وصريحة من قيادتهم القابعة في اروقة وزارة الخارجية في الرياض، لان باب الاجتهاد الدبلوماسي بالنسبة الى السفراء مغلق باحكام في الظروف العادية، فكيف سيكون الحال اذا في مثل هذا الظرف الحساس الذي تنتهج فيه القيادة السعودية سياسة صدامية حازمة، وتلجأ فيه الى استخدام القوة، وليس الدبلوماسية الناعمة، مثلما هو الحال حاليا في اليمن.
الترجمة الاكثر وضوحا لتصريحات السيد المعلمي، والتلاسن الحاد بينه وبين نظيره السوري، نراها تتجسد بوضوح في احتدام المعارك في الشمال الغربي لسورية، حيث قرر الحلف الثلاثي “السعودي التركي القطري” تكثيف الهجمات العسكرية على النظام السوري في هذه المنطقة لفتح جبهة اخرى للحرب مع ايران وحلفائها، موازية لحرب اليمن.
ففي اسابيع معدودة خسر النظام السوري مجموعة من المدن الاستراتيجية في الشمال الغربي ابتداء من مدينة ادلب التي سيطرت عليها “جبهة النصرة” المدعومة من تركيا وقطر، حسب ما تشير تقارير اخبارية عديدة، ثم مدينة بصرى الشام، والآن جسر الشغور، وفي التوازي ايضا السيطرة على معبر نصيب الحدودي مع الاردن.
استيلاء قوات “جبهة النصرة” بالتعاون مع قوات كتائب اسلامية اخرى مثل “جيش الفتح” على مدينة جسر الشغور الاستراتيجية يمكن ان يشكل نقطة انطلاق للهجوم على مدينة اللاذقية، احد معاقل النظام السوري الاساسية.
واللافت ان المثلث السعودي القطري التركي الجديد بات يتبع استراتيجية جديدة تتمثل في دعم فصائل اسلامية جديدة مماثلة لتنظيمي “النصرة” و”الدولة الاسلامية”، كتكتيك جديد لتجنب تهمة دعم الارهاب، خاصة بعد ان تعثرت المحاولات القطرية لاقناع تنظيم “جبهة النصرة” بقطع علاقاتها مع تنظيم “القاعدة” والتبرؤ منه، وقد تكون عملية تأسيس “جيش الفتح” وتعاظم دوره واهميته هو محاولة التفاف على هذا التعثر او الفشل.
القيادة السعودية عندما قررت الانفتاح على المحور القطري التركي على حساب المحور الاماراتي المصري الشريك السابق، ادركت ان المحور الاول يمكن الركون اليه، والثقة فيه للضغط على ايران وحلفائها التي تشن ضدهم حربا بالنيابة في سورية والعراق، ومباشرة في اليمن.
وما يعزز هذا الاعتقاد الزيارة التي يقوم بها حاليا الشيخ تميم بن حمد آل ثاني امير دولة قطر الى انقرة، وهي الزيارة التي جاءت بعد اخرى خاطفة الى الرياض، كان في استقباله خلالها في مطار الرياض الاميرين القويين الذين يشرفان على الحرب السعودية ضد المحور الايراني السوري، وهما محمد بن نايف ولي ولي العهد السعودي، ووزير الداخلية ورئيس مجلس الامن والسياسة، ومحمد بن سلمان وزير الدفاع، ورئيس ديوان والده الملك سلمان بن عبد العزيز.
تسخين الجبهة السورية للضغط على كل من ايران وسورية وحزب الله لاستنزاف هذا المحور للتغطية على عدم تحقيق “عاصفة الحزم” اهدافها في اليمن بعد اربعة اسابيع من القصف الجوي المتواصل، وفشل المحاولات لاقناع دول التحالف العربي الاسلامي، مثل تركيا ومصر وباكستان في ارسال قوات للتدخل البري.
السؤال المطروح هو عما اذا كان التحالف الايراني السوري سيكتفي بالرد الكلامي على غرار ما فعل السيد الجعفري في نيويورك في تصديه الغاضب لزميله السعودي، اما سيأخذ خطوات عملية ضد التحالف الثلاثي السعودي التركي القطري، وما هي الاوراق التي يملكها، ويمكن استخدامها؟
من الصعب علينا استباق الامور والغرق في بحر التكهنات، ولكن استخدام الورقة الطائفية سلاح ذو حدين، ومثلما استخدمت ايران الورقة الطائفية في اليمن، فانه يمكن استخدام مثيلتها في تركيا والسعودية، ففي الاولى اقلية علوية (16 مليون نسمة) وفي الثانية اغلبية شيعية (في المنطقة الشرقية).
المنطقة وباختصار شديد تقف على ابواب انفجار اكبر لحرب طائفية، وصراع محاور تغذيه امريكا بدعم الجانبين، وتستفيد منه اسرائيل، في الوقت الراهن على الاقل، ولا نستبعد دخولها طرفا فيه في نهاية المطاف او في مراحل لاحقة.
“راي اليوم”