باريس – اعتبر كثيرون خسارة مارين لوبان، زعيمة الجبهة الوطنية في فرنسا، للانتخابات الرئاسية وهي التي كانت قاب قوسين من دخول الإليزيه، انتكاسة لليمين المتطرف في فرنسا واستمرارا لسلسلة الهزائم التي منيت بها أحزاب اليمين المتطرف في دول أوروبية أخرى. لكن ستيف بانون، المستشار السابق للرئيس الأميركي دونالد ترامب، سخر من هذه الرؤية، وقال إن من يقللون من قدرة لوبان ومن فرص فوزها في الانتخابات الرئاسية في عام 2022 يرتكبون نفس الخطأ، الذي وقعوا فيه عندما استهانوا بترامب.
وبالنظر إلى التصريحات الأخيرة للوبان والبرنامج الجديد للجبهة الوطنية، يبدو حديث بانون، الذي شارك مؤخرا في مؤتمر الجبهة بمدينة ليل، مثيرا للاهتمام ويبشّر بأوضاع أشد صعوبة على المهاجرين والمسلمين والجهات المستهدفة من اليمين المتطرف، خاصة وأن الأسباب التي يبني عليها حججه مازالت قائمة من خطر الإرهاب إلى أزمة اللاجئين وارتفاع نسبة البطالة.
قد تكون الجبهة الوطنية الفرنسية نجحت في إبعاد تهمة معاداة السامية عن نفسها منذ تزعمتها مارين لوبان، غير أن العدو الأول برأي الحزب اليميني المتطرف بات “التيار الإسلامي” مع ما قد ينتج عن ذلك من تجاوزات وأخطاء بحق المسلمين، برأي اختصاصيين.
واقترحت لوبان تغيير اسم “الجبهة الوطنية” إلى “التجمع الوطني” في محاولة للتخلص من اسم يربطه الكثير من الناخبين بمعاداة السامية، ومن أجل تسهيل تشكيل تحالفات مع أحزاب أخرى.
وقال المتحدث باسم الجبهة الوطنية سيباستيان شونو إنه مع المسيرة البيضاء ضد معاداة السامية الأسبوع الماضي والتي شاركت فيها مارين لوبان “اجتزنا حدا فاصلا، إنه الموقف المضاد لما كان ‘تفصيل’ جان ماري لوبن”، في إشارة إلى العبارة المثيرة للجدل التي استخدمها مؤسس الحزب في تعليقه على “غرف الغاز” إبان الحرب العالمية الثانية، حيث وصفها بأنها “تفصيل صغير في التاريخ”.
لوبان تغيير اسم “الجبهة الوطنية” إلى “التجمع الوطني” في محاولة للتخلص من اسم يربطه الكثير من الناخبين بمعاداة السامية، ومن أجل تسهيل تشكيل تحالفات مع أحزاب أخرى
وأضاف المتحدث “لن يكون بالإمكان من الآن فصاعدا الربط بين الجبهة الوطنية ومعاداة السامية”. وأقر الخبير السياسي جان إيف كامو بأن مارين لوبان “ليست من معادي السامية ولا من منكري المحرقة”.
وذكر المؤرخ نيكولا لوبور أنها حين تسلمت رئاسة الجبهة الوطنية عام 2011، أبدت رغبتها في أن يتم استقبالها في إسرائيل التي يزورها رفيقها لوي آليو. وفي السنة ذاتها، استبعد الحزب مسؤولين ينتمون إلى مجموعة “لوفر فرانسيز”، الحركة القومية الفرنسية التي حلتها السلطات عام 2013، وبينهم إيفان بينيديتي الذي كان يصف نفسه بأنه “معاد للصهيونية والسامية واليهود”.
وفي صيف 2014، اتخذت مارين لوبان موقفا مؤيدا لرابطة الدفاع اليهودية، مبررة وجود المجموعة المتطرفة بأن “هناك عددا كبيرا من اليهود الذين لا يشعرون بالأمان”.
ومضت زعيمة الجبهة الوطنية في 2015 إلى حد إقصاء والدها من الحزب الذي ورثته منه، بعد إدلائه بتصريحات حول محرقة اليهود أثارت جدلا.
وقال كامو “حصل ما يشبه حملة تنظيف” غير أن “القطيعة (عن الماضي) ليست تامة” برأيه لأن العديد من أعضاء المجلس الوطني للحزب انتسبوا في زمن جان ماري لوبان، وبعض المقربين من مارين لوبان الذين يعتبر ماضيهم موضع جدل مازالوا في الجبهة الوطنية.
ويبدو أن النزعة المعادية للسامية لا تزال قائمة، إذ أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد الابتكار السياسي ليبرالي التوجه عام 2014 أن 49 بالمئة من ناخبي مارين لوبان عام 2012 أعربوا عن عزمهم تجنب وصول يهودي إلى سدة الرئاسة، مقابل 21 بالمئة أبدوا رأيا مغايرا. واستقبلت رئيسة الحزب بصيحات التنديد لدى انضمامها إلى “المسيرة البيضاء” التي نظمها المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا الذي لم يرغب في مشاركتها.
أوضح جان إيف كامو أنه مازالت هناك “نقاط خلافية” برأي المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في برنامج الجبهة الوطنية، ومنها دعوة الحزب لحظر القلنسوة اليهودية في الأماكن العامة وذبح المواشي طبقا للشعائر الدينية اليهودية (كوشير) باعتبارهما “إجراءين يسيئان إلى حريات الفرنسيين اليهود”.
لكن جيروم فوركيه، من معهد إيفوب، لفت إلى أن ذلك لم يمنع الحزب من زيادة ناخبيه اليهود من 5.4 بالمئة عام 2007 إلى 5.13 بالمئة عام 2012، إذ يرون في هذا الحزب “درعا” في وجه التعديات التي تزايدت في العقد الأول من الألفية.
وأضاف أن “اليهود شعروا بأنه تم التخلي عنهم فيما يرون أن التعديات عليهم لم تعد تأتي من الفاشيين بل من الشبان المنحدرين من عائلات مهاجرة من المسلمين العرب”، وبلغ هذا الوضع ذروته مع المذبحة التي ارتكبها محمد مراح في مدرسة يهودية عام 2012.
وتقول مارين لوبان إن المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية “يخطئ في تحديد عدوه منذ سنوات”، معتبرة أن “التيار الإسلامي” بات العدو الأول مع أن الجبهة الوطنية اعتبرت التيار الإسلامي لوقت طويل وحتى الثمانينات والتسعينات حليفا ضد “النظام الأميركي الصهيوني”.
وتندد رئيسة الجبهة الوطنية باستمرار بـ”أسلمة فرنسا”، رافعة شعار الجمهورية والعلمانية. وفي مؤتمر ليل، نددت بـ”التيار الإسلامي، تلك التوتاليتارية المروعة”. وهذا الخطاب يعرضها لارتكاب أخطاء، وقد خضعت لملاحقات قضائية عام 2010 بتهمة التحريض على الكراهية بعدما شبّهت صلاة المسلمين في الشارع بـ”الاحتلال النازي”، ولو تمت تبرئتها.
واضطر حزب الجبهة الوطنية خلال الانتخابات التشريعية إلى القيام بحملة تطهير داخل صفوفه وسحب ترشيح أعضاء أدلوا بتصريحات معادية للإسلام واليهود، وبينهم سامويل بوتييه في منطقة لوار أتلانتيك، الذي شبه امرأة محجبة بديك حبش. غير أنه تمكن من الترشح للمجلس الوطني دون أن يتم انتخابه.
ويرى نيكولا لوبور أن “مسألة معاداة السامية تختلف عن مسألة معاداة الإسلام” التي باتت “شعارا للتعبئة يعزز الإحساس المتزايد بأن فرنسا تسلك طريق التشرذم إلى مجموعات متعادية”.
العرب