من يدفع ثمن أخطاء الإعلام.. السلطة أم المجتمع؟

من يدفع ثمن أخطاء الإعلام.. السلطة أم المجتمع؟

3355

شهدت ساحة الإعلام المصري على مدار السنوات الأربع المنقضية حالةً غير مسبوقة من الارتباك، تواكبت مع حالة الارتباك السياسي والاجتماعي الذي يغلف الساحة المصرية في ظل تلاحق الأحداث والمستجدات سريعة الوتيرة. فدخل الساحة الإعلامية عناصر غير مدربة، بينما غاب من كان يُنظر إليه باعتباره يمتلك درجة يعتد بها من المهنية والخبرة في مجال الإعلام. علاوةً على ذلك فقد تحول الإعلام عن دوره المنوط به كأداة تعريفية وتثقيفية للمجتمع، ليصبح مجالا لتعميق الاستقطاب الحادث في المجتمع، وفي أحيانٍ كثيرةٍ بدا مجالا للتحريض على العنف وبث الكراهية. وبينما برر هؤلاء الإعلاميون الجدد ما يقومون به على أنه يأتي لدعم النظام القائم في مواجهة القوى المتربصة به داخليًّا وخارجيًّا؛ فإن المحصلة النهائية لما يقومون به كان تعريض ذلك النظام لأزمات متعددة على المستويين الداخلي والخارجي.

اولا- الإعلام بين التنظير والتطبيق:

في ظل ما يسود الساحة الإعلامية من تخلٍّ عن الأصول المهنية للتناول الإعلامي، والجدل الكبير الذي تشهده مصر حول مدى كفاءة ومهنية الإعلاميين في تناول القضايا المطروحة وتعبئة الرأي العام إزاءها سواء بالسلب أو بالإيجاب – بات من الضروري العودة لتعريف المهنية، ومدى استيعابها من العاملين في الحقل الإعلامي. فالمهنية ترتكز على محورين أساسيين ألا وهما (الموضوعية، والحياد)، الحياد بمعنى أن يتم نقل الخبر للمشاهدين مجردًا من الانطباعات الشخصية، ومن التأويل والتعليق المستطرد من جانب الإعلامي، وأن يلتزم الإعلامي الحياد والموضوعية في تناوله للقضايا، فلا يغلب أحد الأطراف على آخر في القضية محل النقاش، فلا معنى للحياد والموضوعية فيما يتعلق بالمنتج الإعلامي النهائي الذي قد يُظهر طرفًا ما على حق، أو قد يُظهر مسئولية أحد الأطراف. وفي الواقع، فإن وعي الإعلام بدوره وبالإطار القيمي الذي يحكمه لا يعني سيطرة الأيديولوجية على تغطيته للواقع، بل يعني الاسترشاد بذلك الدور والإطار القيمي دون توظيفهما كوسيلة أو ذريعة لتشويه الوقائع؛ إذ ينبغي على الإعلام أن يعي السياق الخاص للمجتمع المصري الحاضن له، وما يحيط به من تحديات، تفرض خطورتها أن تصبح في مقدمة الأجندة الإعلامية، ومن ثم تحظى بتغطية واعية، ومحاولة جادة لتوعية المجتمع بخطورتها، وكيفية التعامل معها دون مبالغة أو تهوين.

ثانيا:- الإعلام بين السلطة والمجتمع:

شهدت الساحةُ الإعلامية المصرية في السنوات الأخيرة الكثيرَ من الأخطاء و”السقطات”، وهي ليست إعلامية فحسب بل “أخلاقية” أيضًا. ولعل أول ما يتبادر للذهن في سياق الأخطاء الأخلاقية للإعلاميين هو تعليق مذيعة قناة التحرير على حادثة التحرش بالتحرير التي حدثت أثناء تنصيب الرئيس عبدالفتاح السيسي، بقولها “مبسوطين بقى خلي الشعب يهيص”، وكأن ذلك تبرير يقبله المنطق ويترجم سعادة الشعب بانتهاك امرأة في حادثة تتسم بالبشاعة والوحشية. كما بالغ إعلاميون فاقدون للمهنية الإعلامية في انفعالاتهم وتعبيراتهم في تغطياتهم لأحداث مشابهة، في محاولة للتقليل من أثرها وتأثيرها على صورة النظام الجديد، فانتشر استخدام تعبير مفاده أن “محاولة التحرش الجنسي أو محاولة الاغتصاب عادي وطبيعي في المجتمع” ليس على لسان المغتصب، لكن على لسان إعلامية في إحدى القنوات في أعقاب حادث اغتصاب فتاة نُسب لأمناء شرطة، فحولت بتعليقها وتأويلها الحدث من إطار الطرح الإعلامي للقضية إلى استعراض إعلامي ضحل الأُفق، فبلورت انطباعًا يوحي بأن مثل ذلك ليس بالشيء الغريب أو المستبعد على المجتمع المصري، وهو ما يتعارض مع طبيعة القيم المجتمعية المصرية، بل ويؤثر عليها تأثيرًا سلبيًّا. كما خرج مذيع آخر في أعقاب دعوة مجموعات مختلفة من الشباب لوقفات سلمية للمطالبة بحقوق الشهداء، ليردد وبكل انفعال “اللي عايز ينزل ينزل، ونبقي نشوفهم أكفان”، وهو الأمر الذي يُمثِّل تحريضًا صريحًا للمشاهدين على المختلفين في التوجهات السياسية مع ذلك المذيع. وأخيرًا خرج أحد المذيعين ليبرر قتل 22 مصريًّا في واقعة استاد الدفاع الجوي، بقوله: “ما الفرق بينهم وبين الإخوان؟!”. وتتوالى مثلُ تلك الرسائل التحريضية التي يتفاقم فيها العنف نوعًا وحجمًا وأسلوبًا، وأيضًا تحمل تلك الرسائل -بجانب التحريض- تغييبًا للوعي لدى الشعب المصري، بما يزيد من حدة الاستقطاب الأيديولوجي، ويُساعد في تمزيق النسيج المجتمعي المصري.

ويتبادر إلى الذهن في ذلك السياق تجربة الإعلام العراقي وخطؤه الذي لا يُغتفر، عندما بدأت ميليشيات داعش -في بداية الأمر- عبارة عن بضعة أفراد لا يتعدى عددهم العشرات، ولكنهم اتخذوا من الآلة الإعلامية منفذًا قويًّا لهم، وساعدهم الأداء الإعلامي في ذلك عندما داوم على بث الفيديوهات التي تصور تلك الميليشيات، وفحواها قتل وذبح كل من يعترض طريقهم أو يفكر في مقاومتهم أو عدم الاستسلام لهم، فذلك البث المستمر لتلك الفيديوهات سبَّب هزيمةً نفسيةً لدى الشعب العراقي جاءت نتيجة اقتناعه بأن تلك الميليشيات أقوى من إرادتهم وأقوى من اتحادهم أمامها، وبمجرد تمكن الهزيمة النفسية من الشعب العراقي، خارت كل قواه التي يُمكن أن تتصدى لذلك الإرهاب، بل وأصبحت كوقود يغذيها حتى تنامت بالفعل على أرض الواقع.

إن كل ما سبق يعكس اضمحلالا فجًّا في إدراك ممثلي الإعلام حقيقةَ أن الشعب المصري ليست لديه مساحة الرفاهية التي تستوعب إعلام التحريض والإثارة، نظرًا إلى عدة عوامل، يأتي على رأسها خطورة الفترة الزمنية الحالية التي تَعبر فيها مصر من حالة الارتباك السياسي والاقتصادي والانقسام المجتمعي كنتيجة طبيعية للاستقطاب الفكري والأيديولوجي الذي تعرض له المجتمع على مدى أربع سنوات، إلى مرحلةٍ جديدةٍ تعبئ فيها الدولة المصرية كلَّ ما لديها من طاقات وسُبل متاحة للشروع في بلورة وبناء كيانٍ مصريٍّ ذي تماسك مجتمعي قوي، ورؤية سياسية-اقتصادية تهدف إلى تحقيق قفزات نجاح حقيقي نحو المستقبل

ثالثا:- الإعلام والوعي المجتمعي:

يترسخ في الوجدان المصري منذ عقود مضت أن القضية الفلسطينية ودعم حقوق الشعب الفلسطيني يمتزجان بشكل متأصل كمسئولية بلورها التاريخ على أكتاف المصرين، ولطالما كان الدعم والمساندة المصرية للفلسطينيين في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي أهم أولويات الشعب المصري. في ذلك السياق، لا يُمكن إغفال عدم مهنية بعض الإعلاميين في تناول آخر هجمات شنتها طائرات الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة في يوليو 2014، وفي مشهد شابه تعقيد مجريات الفعل ورد الفعل بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي؛ قدم بعضُ الإعلاميين المصريين تغطيةً إعلاميةً لذلك الحدث لا علاقة لها بمهنة الإعلام، ولا بالمصالح العُليا للدولة المصرية؛ حيث الخلط الجسيم والفشل في التمييز بين “حماس” التي سيطرت على القطاع بالقوة، وبين غزة نفسها، متجاهلين الحقيقة والمعادلة الثابتة بأن إسرائيل هي الجهة المعتدية المحتلة للأرض، والشعب الفلسطيني في غزة -تحديدًا- هو شعب أعزل يُعاني ويلات الاحتلال الإسرائيلي دائمًا. حيث ردد بعض الإعلاميين في الشاشات والقنوات المصرية أن الحق كل الحق مع إسرائيل، بل وتزداد المأساة بمطالبتهم الجيش المصري بتسديد ضربات عسكرية بصحبة إسرائيل لاستهداف قطاع غزة. وظهر أحد المذيعين وهو يدافع عن إسرائيل ويهاجم الفلسطينيين بكل براعة وإحكام، موفرًا فرصةً ذهبيةً لإسرائيل بأن يستعين إعلامها بمقطع الدفاع عن إسرائيل لذلك المذيع، ناقلا للعالم أن مصر تؤيد ضرب إسرائيل لغزة، بل ولديها كل الاستعداد لأن تعتدي هي نفسها على أهالي غزة. يأتي كلُّ ذلك التكثيف الإعلامي الجاهل مفتقدًا أدنى حدود المهنية والموضوعية، والوعي بأن القضية الفلسطينية بكل ملفاتها تشكل جزءًا حيويًّا من الأمن القومي المصري في الدرجة الأولى، ويشحن الشعب المصري بكميات مضاعفة من الرسائل السلبية والكراهية بما تتبلور عند الشعب المصري بنبذ الفلسطينيين، والتخلي عنهم، بل وخلط الأوراق بما يقلب العدو الإسرائيلي صديقًا ويحول الشقيق العربي إلى عدو. وكان لذلك بالغ الأثر في تراجع درجة تعاطف وتأييد الشعب المصري للفلسطينيين، فلم تخرج مسيرة واحدة تندد بالعدوان الإسرائيلي على غزة، أو تساند الشعب الفلسطيني، كما كان يحدث قبل ذلك من تدفق للمسيرات، وارتفاع التأييد والدعم الشعبي المصري للقضية الفلسطينية، حتى في ظل الأحداث والاضطراب السياسي على الساحة المصرية الداخلية. ورغم كل ذلك يُثبت الواقع ومجريات الأحداث أن توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين الجانب الإسرائيلي والفلسطيني لم يتم إلا برعاية مصرية، فرضت فيها مصرُ عدة بنودٍ تعدل بها أحوال الفلسطينيين، بل وتتعهد مصر لاحقًا بالرعاية الصحية والإنسانية لأهل قطاع غزة، ودعم إعمار القطاع.

رابعا:- الإعلام وتوريط الشعب والنظام الحاكم:

امتد مستوى الاستهتار وافتقاد معايير المهنية والموضوعية في الإعلام المصري ليلحق الضرر بعلاقات مصر الإقليمية؛ حيث قامت إحدى المذيعات بشن انتقاد لاذع للمغرب، قائلة إن “اقتصاد المملكة يقوم على الدعارة، وإنها معروفة بارتفاع نسبة المصابين بمرض الإيدز بين مواطنيها”، ثمّ انتقلت لتنتقد الملك المغربي، محمد السادس، قائلة: إنه يلتفّ على الربيع العربي، متّهمة إياه بالتآمر مع الإسلاميين، وإشراكهم في الحكم خوفًا من وصول الثورات إلى بلاده وتهديد عرشه. مما سبب غضبًا متفاقمًا لدى الشعب المغربي، ولدى الناشطين المغاربة والمصريين، تصاعد بتنظيم مجموعات من النشطاء المغاربة وقفة احتجاجية بالمغرب أمام السفارة المصرية بالرباط، مرددين شعارات من قبيل “تصريحات الزنديقة صورة حقيقية للفوضى العارمة بمصر”، ورافعين لافتات تحمل انتقادًا لاذعًا للمذيعة، ومنددة بالسلطات المصرية. وطالب المحتجون رئيس حكومتهم بأن يتخذ إجراءات تصعيدية أكثر شدةً وحزمًا تجاه تلك الإهانات المصرية للمغرب ولشعبها، كما صبوا غضبهم بوصف الإعلام المصري بالإعلام الهاوي، وكذلك انتقدوا النظام الحاكم المصري واصفين إياه بـ”القتلة السفاحين”، وتوجيههم العديد من الشعارات المنتقدة للسفير المصري بالرباط. أي أن زلة لسان أو خطأ مذيعة تجهل أدنى مستويات المهنية والدبلوماسية الإعلامية، زجت بالسلطات المصرية والمثقفين والشخصيات العامة المصرية في أتون معركة لا داعي لها عملوا فيها على امتصاص غضب المغاربة، فقد اعتذرت وزارة الخارجية المصرية بأكثر من وسيلة، واعتذر السفير المصري للمغاربة في بيان رسمي، كما دعا رئيس الإذاعة والتلفزيون المصري كممثل للاتحاد الذي يضم الإعلام المصري المرئي والمسموع برافديه العام والخاص جميع القنوات المصرية إلى تغطية لائقة احتفالا بعيد العرش في المغرب، لتعكس تلك التغطية العلاقات الفريدة والقديمة بين مصر والمملكة المغربية.

تلا ذلك خطأ إعلامي آخر تسبب في أزمة دبلوماسية بين مصر وإثيوبيا، بعدما نصّبت إحدى المذيعات نفسها قاضيًا له الحق في استجواب السفير الإثيوبي، وتوجيه الأسئلة إليه عبر مكالمةٍ هاتفيةٍ بنبرةٍ صوت متعاليةٍ، وقد حذرها السفير أكثر من مرة بأن تُتيح له فرصة للكلام، وتعدل من طريقة حديثها؛ إلا أنها قررت أن تُنهي الاتصال دون مقدمات. لتعكس كإعلامية للمشاهد المصري اعتقادًا خاطئًا بعيدًا عن الواقع بأن الجانب الإثيوبي أقل من فكرة الاحترام والتقدير في التعامل. بالإضافة إلى ما أُثير من جدل حول أزمة المياه في ضوء بناء سد النهضة الإثيوبي، فذلك المشهد فيه بلورة صريحة لافتقاد أبسط درجات دبلوماسية التعامل الإعلامي، الذي يُشكل أحد عوامل القوة الناعمة التي بإجادتها تحقق مكاسب سريعة ذات تأثير وفاعلية عميقة، وبالفشل فيها تعمق الخسارة على مستوى التعاون بين دولتين أو مستوى التقارب بين شعبين.

وأخيرًا، نذكر الحدث الأبرز في ذلك السياق، ألا وهو اعتذار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، عن أي إساءات صدرت ضد والدته الشيخة موزة بنت ناصر في الإعلام المصري، وذلك في ضوء تأكيده أنه لم يصدر بيان رسمي من جهات مصرية يوجه الإساءة لأيٍّ من قطر أو تركيا، وقال الرئيس السيسي في حوار له مع صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية: “لا يُمكننا الإساءة إلى المرأة العربية بأي شكل من الأشكال، ولذلك أنا قلت لأمير قطر من فضلك بلغ والدتك عني الاعتذار، لأنني لا أقبل مثل هذه الإساءات، ليس لسيدة من قطر فقط، وإنما إلى أي سيدة من أي مكان في العالم”.

جدير بالذكر أن كلمة الرئيس التي تداولها الإعلام الإقليمي وليس العربي فقط كانت: “إن الإعلام في مصر لديه هامش من الحرية، وبعد الثورة ارتفع هامش الحرية كثيرًا، إلى حدّ أنه يظن البعض أن الإعلام موجّه لتأييد النظام، مما يتسبب في حرج للدولة المصرية، لأن هناك من يحسب تلك الآراء علينا كجهات رسمية، ولكن في الحقيقة هذه الآراء تعكس غضب وتوجهات الشعب المصري والرأي العام”.

وهنا نستطيع أن ندرك ما آل إليه الوضع بمصر من جراء اندفاع الإعلام والإعلاميين المصريين، وعدم التزامهم بأقل درجات المهنية أو الموضوعية الإعلامية، وأن يصل الوضع إلى اعتذار الرئيس المصري حتى وإن كان بشكل ودي حفاظًا على مكانة الدولة المصرية التي يتسبب لها إعلامها في حرج على مستوى التعاملات الإقليمية والدولية، حتى ولو مع دولة صغيرة مثل قطر تتعمد إلحاق التشوية المتلاحق للدولة المصرية عبر قناتها وإعلامييها، ودعم سبل إضعافها وإرباكها، إلا أنها تأخذ من المهنية قشورًا تُزين بها الأداء العام لإعلامها، وحتى ذلك “التزيين” يفشل فيه الإعلام المصري

خامسا:- الإعلام اللحظي وصناعة الرأي العام:

افتقد الإعلام المصري نسبًا متزايدة من قاعدته الجماهيرية، خاصةً أنه لم يعد بارعًا إلا في صناعة مشاهدين ذوي فكر متطرف سياسيًّا واجتماعيًّا نتيجة الخطاب الإعلامي السائد، وذلك بسبب:

أولا سوء استخدام الإعلام بشكل مكثف ومتعمد. وثانيًا اختيار واجهات إعلامية خاطئة تفتقد المصداقية وأبسط قواعد المهنية الإعلامية. وثالثًا لحصر الرسائل الإعلامية عبر التحليلات والبرامج الحوارية للفئات العمرية المتقدمة في السن من المجتمع دون الاهتمام بتوصيل رسائل منضبطة تناسب فئة الشباب، وهو الأمر الذي ساهم بشدة في زيادة مساحات التطرف المجتمعي، وارتفاع نسب العنف في الحياة اليومية. وقد دفعت كل تلك الأمور كثيرًا من المشاهدين إلى الانصراف عن متابعة الإعلام المصري، والاستعانة بوسائل إعلام بديلة، قد لا تُعلي في أجندتها المصالح المصرية، فضلا عن انقطاع فئة الشباب بشكل كبير عن وسائل الإعلام التقليدية، خاصة في ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية للأخبار، فانصرفت شريحة كبيرة من الشباب إليها، حيث تستمد أغلب معلوماتها ومعرفتها للأحداث بشكل لحظي عبر متابعة الأصدقاء على مواقع التواصل الاجتماعي التي تكون مجالا خصبًا واسعًا دون قيد لكتابة المواقف الحياتية التي يمر بها الأفراد.

وجدير بالذكر هنا أن تركيز الشباب ينصب على رسائل ومتابعات صفحات الثوريين مثل “الاشتراكيين الثورين”، أو الشباب المنخرط في ساحة الاحتجاجات أو التجمعات التي قد تُقابل بالتعامل الأمني أو بالاستنكار الشعبي وغالبًا بالتجاهل أو التشوية الإعلامي، فتكون تلك الصفحات وما تنشره بشكل لحظي للحدث هو المصدر الأسرع والأصدق بالنسبة للشباب، حيث إنه يكون من قلب الأحداث بشرح مفصل، وغالبا ما يتم تصوير فيديوهات أو صور للأحداث من الجمهور العادي، ونشرها على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي لإثبات موقف معين، أو تطور حدث بعينه، وغالبا ما يكون تناول الخبر وانتشاره عبر تلك المواقع سابقًا لتناوله إعلاميًّا على الشاشات والقنوات التلفزيونية بساعات أو أيام، نظرًا لما يتوافر بالفضاء الإلكتروني من حرية وسلاسة ويُسر للمشاركين به، بعيدًا عن التعقيدات الإجرائية والأُطر الروتينية.

ورغم ما سبق فإن بعض القنوات الإخبارية المصرية الخاصة التي لم يمضِ عليها وقت كبير تمثل بشائر طيبة لنواة إعلامية تحتكم إلى سبل المهنية الإعلامية على قدر مقبول للغاية، ولا بد من العمل على تشجيع ذلك النوع الجديد من الإعلام الذي يعتمد على وجوه شابة جديدة، لديها من الكفاءة والحضور الإعلامي، وتبني برامج ذات كثافة وتوازن في التناول الإعلامي، فلا بد من الحرص على تطوير أجيال جديدة من الإعلاميين لمواكبة العصر بشبابه وديناميكيته، كما يتحتم على الدولة المصرية أن تعيد النظر في القوانين والتشريعات الحاكمة للبيئة الإعلامية المصرية.

نانسي طلال زيدان

لبمؤكز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية