تم مؤخرًا تداول خبر على نطاق واسع بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قرر أن يبيع نظام الصواريخ s-300 روسية الصنع إلى إيران. وقد تم التخطيط لهذا الأمر لسنوات، ولكن تم الإحجام عنه في عام 2010 عندما تبنى مجلس الأمن قرار رقم 1929 بفرض عقوبات على إيران.
ورغم أن هذا القرار لم يحظر بيع نوعية أنظمة صواريخ مثل نظام s-300 على وجه التحديد؛ إلا أنه دعا جميع الدول إلى “إظهار الحرص وضبط النفس” عند بيع الأسلحة إلى إيران. ومنذ ذلك الوقت، امتنعت روسيا عن بيع هذه الأسلحة. والآن، غيرت روسيا رأيها.
ونظام صواريخ s-300 هو نظام دفاع محمول لصواريخ أرض-جو مزود برادارات قوية ذات سرعة عالية، وصواريخ بعيدة المدى. وهو قادر على إسقاط الطائرات عبر مساحات شاسعة (اعتمادًا على متغيرات منطقة الاشتباكات القاتلة التي يمكن أن تصل إلى حجم أكبر من مساحة ولاية نيو جيرسي، بالإضافة إلى قدرة على تحديد الهدف والتتبع تصل إلى مدى أوسع من ذلك). وفي منظمة حلف شمال الأطلسي، نشير إلى هذا النظام الصاروخي باسم SA-10 . وقد درسناه وتدربنا على مواجهته لمدة سنين. وفي حين أننا لا نخشى هذا النظام الدفاعي؛ إلا أننا نحترم s-300 لكونه نظامًا صاروخيًا دقيقًا وقاتلًا وخفيف الحركة.
ويعد قرار روسيا ببيع نظام صواريخ s-300 إلى إيران صفقة كبيرة لثلاثة أسباب:
أولًا: يمثل هذا القرار تحولًا جوهريًا في القوة العسكرية للمنطقة. فقد كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها قادرة لأكثر من عقد من الزمان على التحرك بحرية في سماء الشرق الأوسط، ويمكن لقواتها الصديقة أن تعتمد على الدعم الجوي وحرية المناورة. وكان افتراض الخصوم أنهم معرضون للمراقبة والهجوم الجوي، يحد من خياراتهم، وكان هذا الأمر كفيلًا بإقناع بعضهم أنهم غير قادرين على تحقيق أهدافهم من خلال القوة العسكرية (وهو ما يسمى عادة بالردع عن طريق الحرمان). وقد كان هذا ينطبق بشكل خاص على إيران التي عانى نظام دفاعها الجوي بشدة بسبب العقوبات.
وقد غيرت صفقة صواريخ s-300 هذا الوضع. وصواريخ s-300 ليست حائطًا لا يمكن اختراقه في السماء، وإذا ما اضطررنا إلى ذلك، فيمكننا أن نهاجمها ونهزمها أيضًا. ولكن، القيام بذلك سوف يتطلب جهودًا كبيرة ذات مخاطرة أعلى وتكلفة أكبر بكثير. ومؤخرًا، شهدنا نقاشًا حول مدى الإمكانية المحتملة للهجوم على المنشآت النووية الإيرانية، وانقسمت وجهات النظر بين قائلة بأن هذا الأمر سيكون محدودًا نسبيًا، ووجهات نظر أخرى معارضة.
ومع وجود نظام صواريخ s-300 فلا يوجد مجال للنقاش؛ حيث إن التغلب على هذا النوع من النظم سوف يتطلب انتشارًا كبيرًا في الجو والبحر والمعدات الأرضية بما في ذلك الطائرات والصواريخ الأكثر مقدرة وتكلفة لدينا. وسوف يتعرض كل من شعبنا ومعداتنا إلى خطر كبير، بالإضافة إلى أن إنجاز هذه المهمة سوف يكون أكثر صعوبة واستهلاكًا للوقت.
ثانيًا: تمثل هذه الصفقة تسارعًا كبيرًا في وتيرة انتشار أنظمة A2/AD. وفي عام 2003، حذر كل من أندرو كريبنفتش وباري واتس وروبرت ورك من انتشار تهديدات من نوع نظام صواريخ s-300 في دراسة تم نشرها بواسطة مركز الدراسات الاستراتيجية وتحليل الموازنة، وقد صكت هذه الدراسة مصطلحات “عدم الوصول/منطقة الحرمان” أو A2/AD. وذكروا أن دولًا مثل إيران وكوريا الشمالية سوف تكون قادرة على جلب أنظمة دفاعية مثل نظام صواريخ s-300 ، مما سيجبر الولايات المتحدة على تغيير نهجها في إبراز قوتها العسكرية. ويبدو أننا وصلنا إلى ذلك الأمر اليوم.
ولهذا؛ يطالب الكثير من المسؤولين بما فيهم روبرت ورك -الذي يشغل الآن منصب نائب وزير الدفاع- بتطوير أساليب تقنية جديدة؛ لـ”تحقيق التوازن” في مقابل الأنظمة المتطورة للأسلحة مثل نظام s-300. وقد جادل البعض بأن هذا الجهد يجب أن يتم توجيهه مباشرة إلى الصين، ولكن انتشار نظام s-300 يوضح إلى أي مدى تتنامى بيئة أنظمة A2/AD.
ثالثًا: تمثل هذه الصفقة عودة إلى عصر المنافسة الجيوسياسية. ونحن ربما لا نريد العودة إلى تلك الأيام التي كان يُنظر فيها إلى كل تطور يحدث في العالم في ضوء المنافسة السياسية مع قوة أخرى عظمى. ومع ذلك، فإنه من الواضح بشكل متزايد أن روسيا تنظر إلى العالم من خلال هذه العدسة. وقد كبدت العقوبات الغربية -المفروضة على روسيا بسبب تدخلها في أوكرانيا- الاقتصاد الروسي تكاليف كبيرة، وزادت من حدة التوتر بين روسيا والغرب. ويبدو أن التوتر الآن قد امتد إلى الوضع الإيراني أيضًا. وقد وجدت روسيا طريقة لزيادة التكاليف التي يجب أن ننفقها هنا بشكل كبير؛ بسبب الصفقة القادمة لبيع صواريخ s-300 إلى إيران.
وتوجد ملاحظة أخيرة: التدريبات المضادة اللازمة للإعداد ضد تهديد صواريخ s-300 هي نفس نوع التدريبات التي كانت مكلفة لنا عن طريق الاقتطاع من ميزانية عام 2013، وموازنة عام 2014/2015.
ومؤخرًا، صرحت ديبورا جيمس، وزيرة سلاح الجو، أن نصف الوحدات القتالية للقوات الجوية ليست مدربة على المستوى المطلوب الذي يرقى لمستوى القتال. وفي ضوء تطورات انتشار مثل هذه الصفقة الروسية مع إيران، فإن هذا ليس أمرًا مطمئنًا.
مركز التحليل الجيوسياسي – التقرير