الحرب البرية في اليمن بين قرارين

الحرب البرية في اليمن بين قرارين

20154281154569734_19

سعى الباحث في هذه الورقة إلى تسليط الضوء على تداعيات قرار مجلس الأمن رقم (2216) الصادر تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة في 14 إبريل/ نيسان 2015، وكذلك تداعيات قرار قوات التحالف وقف عملية “عاصفة الحزم”، والذي صدر بتاريخ 21 إبريل/ نيسان 2015.

ويرى الباحث بأن دوافع بدء عملية تدخُّل بري في اليمن قد تعزَّزت بشكل كبير؛ حيث صِيغَ قرار مجلس الأمن (2216) تحت الفصل السابع ليُجَهِّز مسرح العمليات لحرب برية؛ فأكَّد أولاً شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، وشرعية قتاله للحوثيين وأتباع الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح بكافة الأشكال، ليس بمساندة من دول الجوار في شبه الجزيرة العربية فحسب؛ بل ومن مكونات المجتمع الدولي أيضًا. فبقرار حظر وصول الأسلحة إلى المتمردين على الشرعية، وطلب انسحابهم من الأماكن التي سيطروا عليها وتسليم سلاحهم؛ يكون قرار الحظر قد وفَّر أرضية لإعلان الحرب.

ويخلص الباحث إلى أن عملية “عاصفة الحزم” قد غيرت القواعد الإقليمية لصالح الشرعية اليمنية، ورجحت الكفة لصالح دول مجلس التعاون الخليجي، وحذّر من أن يُستخدم قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2216) حول اليمن، وقرار وقف عملية “عاصفة الحزم” استخدامًا ذرائعيًّا لحفظ ماء الوجه، أو لأنصاف الحلول؛ فعلى الرغم من المخاطر والتداعيات المتوقَّعة بعد القرارين؛ فإنه يمكن اعتبارهما من إجراءات ما قبل المعركة (Pre-Battle Procedure)؛ حيث ساعدا في تجهيز مسرح العمليات لحرب برية، وخففا مما قد يحدث من ارتباك في صفوف قوات التحالف، كما ساعد القرار الأممي (2216) في وصف محددات التدخل البري وأشكاله.

مقدمة

إن من التبسيطية الفظة أن تُقيم وسائلُ إعلام خليجية احتفالاتِ نصرٍ بصدور قرار مجلس الأمن الدولي (2216) في 14 إبريل/ نيسان 2015، القاضي بفرض عقوبات تحت الفصل السابع على جماعة الحوثي وموالي الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح في اليمن؛ مطالبًا إياهم بتسليم الأسلحة ووقف أعمال العنف والانسحاب من صنعاء وبقية المدن التي يسيطرون عليها.

كما أنه من السذاجة اعتبار بعض من وسائل الإعلام قرار قيادة التحالف إيقاف “عملية عاصفة الحزم” في 21 إبريل/ نيسان 2015، انكسارًا خليجيًّا ؛ فمن الخطأ أن يُنظر إلى القرار (2216) غير كونه إجراءً مكمِّلًا لأعمال التحالف؛ لأن اعتباره النصرَ البديلَ الذي ننتظره يعني أن القرار هو مخرج لدول التحالف لوقف الحملة الجوية، كما أن اعتبار وقف عملية “عاصفة الحزم” انكسارًا تجاهلٌ تامٌّ لما حقَّقته من أهداف.

قرار مجلس الأمن الدولي

ينبغي أن لا يخرج القرار (2216) عن إطاره الدبلوماسي؛ حتى لا يقال أنه تمت هندسته في الأمم المتحدة بإدارة أردنية وبإيحاءات خليجية؛ بل لا بأس من استخدامه كنصر سياسي ليعطي لأنصار الشرعية في اليمن دفعة معنوية، فيهبُّوا في مشاركة قوات التحالف؛ أو استخدامه ليُزيل تردُّد كثير من الدول حيال ما يجري في اليمن، أو للحدِّ من المغامرة الإيرانية في دعم الحوثي، وإعطاء الاتفاق الإطاري للملف النووي مع واشنطن أولوية على الوضع في اليمن؛ تلك إذًا هي بعض إيجابيات صدور القرار الأممي (2216)؛ أضف إلى ذلك إمكانية تطويره (Upgrade) ليُواكب تحوُّل عملية “عاصفة الحزم” إلى عملية “إعادة الأمل”.

أما تداعيات القرار فعديدة؛ ولعلَّ أهمَّها:

نُظِرَ إلى قرار مجلس الأمن الدولي كمكافأة في الشكل، وعقوبة في المضمون للجهود المضنية التي بُذلت لتشكيل نواة جيش يمني بري يمكن دعمه بقوات خاصة أو بوحدات برية مناورة من قوات التحالف، وأعطى ذلك مسوغًا للاتكالية وعدم ضرورة سرعة تشكيل جيش يمني شرعي؛ فأين قبائل اليمن؟ وما الذي جعل أكثر الكلمات ترديدًا من قِبَل بعض الإعلاميين الخليجيين: “نناشد القبائل” و”نحث القبائل للمشاركة”؟ فيما يتلقف القاطنون في بعض القرى اليمنية الدعم العسكري الذي تلقيه قوات التحالف من الجو ليبيعوه لقرىً أخرى موالية لجماعة الحوثي أو لميليشيات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح. كما أن القرار الأممي قد يُوَحِّد الفرقاء في اليمن على الرغم من اختلافاتهم الأيديولوجية؛ سواء كانوا من الحوثي أو أتباع صالح أو القاعدة؛ حيث يتفق معظمهم على محاربة قوات التحالف التي تقودها المملكة العربية السعودية، ويسعون لمواجهتها وهزيمتها كما حلَّ بقوات الأمم المتحدة المجهزة بالعدة والعتاد أمام جنود عيديد الصوماليين في نهاية القرن الماضي؛ فالأَوْلَى أن تكون هناك تحالفات داخلية مقاتلة مؤيدة لقوات التحالف يدفعها لذلك خطر الهزيمة بدلاً من الشعور بالأمان والاحتماء بقرار مجلس الأمن الدولي.
يبقى أن نشير إلى أن بعض التصريحات تثير القلق، لا سيما تصريح خالد بحاح النائب الجديد للرئيس اليمني، والذي جاء فيه بأنه يأمل في تجنيب اليمن حملة برية من أجل استعادة وحدة البلاد(1)، وكأن قرار مجلس الأمن سيردع الحوثي عن مواصلة محاولاته من أجل إسقاط عدن.
من تداعيات القرار الأممي أيضًا أن وزَّعت إيران رسالة على الدول الـ 15 الأعضاء في مجلس الأمن الدولي؛ تتضمن خطة سلام مقترحة لتسوية الأزمة، مكونة من 4 نقاط؛ تشمل “وقفًا فوريًّا لإطلاق النار وإنهاء جميع الهجمات العسكرية الأجنبية، وتقديم المساعدات الإنسانية، واستئناف حوار وطني واسع، وتشكيل حكومة وحدة وطنية شاملة”. وطالبت الرسالة الإيرانية المجتمع الدولي بـ”مشاركة أكثر فعالية” في وضع حدٍّ للهجمات الجوية “العبثية”(2).
وعليه فقد زالت الحالة التي كانت توصف فيها طهران بأنها بدت عاجزة عملياتيًّا ومرتبكة استراتيجيًّا أمام صدمة عملية “عاصفة الحزم”، ويبدو أن إيران ستبدأ بعد قرار مجلس الأمن في خلق اصطفافات تدعم خطتها. فهل بدأ قرار مجلس الأمن الدولي بالتجوف من الداخل بعد تصريح الأمين العام للأمم المتحدة الذي كان الأول من نوعه منذ بدء الضربات الجوية؟ والمتضمن “الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار في اليمن من جانب جميع الأطراف”؛ بدلاً من دعم مفردات القرار الأممي (2216)(3)، وهل كان وصول السفن الإيرانية إلى خليج عدن بمثابة جس نبض للقرار الأممي، وستتبعه محاولات إيرانية بحرية أخرى لاختراق سيطرة قوات التحالف؟
قرار مجلس الأمن الأخير (2216) حول اليمن لم يُؤخذ فيه بعين الاعتبار المطلب الروسي بأن يشمل حظر السلاح كلَّ الأطراف، وليس فقط الحوثي وأنصار علي عبد الله صالح، ومع ذلك لم تعترض موسكو على القرار بالفيتو؛ مما يتعين معه الإجابة عن قائمة من الأسئلة؛ لعل أولها: ما هي قوة التوابع الزلزالية للخيبة الخليجية من حسن نية موسكو؟ وذلك حين نكتشف أن عدم اعتراض روسيا على القرار كانت ذريعة لتوريد منظومة صواريخ (S300) لإيران؛ ما يعني ترجيح كفة التفوق الجوي لصالح طهران؛ ولعلَّ مماحكات وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل الموجهة للرئيس الروسي بوتين في القمة العربية الأخيرة في 29 مارس/آذار 2015 حول تسليح روسيا للنظام السوري الذي يفتك بشعبه، يؤكد قابلية سماح موسكو لتهريب بطارية (S300) متحركة بأربعة قواذف من طهران إلى اليمن؛ حتى تنهي السيادة الجوية لقوات التحالف، وبالتالي رفع الكلفة على دول الخليج باستنزافها في حرب برية لا مفرَّ منها إلا بوقف العمليات، أو الخروج بنصف نصر.

قرار وقف عاصفة الحزم

قد لا تكفي الإشارة إلى نفاد الأهداف أمام ضباط عمليات عاصفة الحزم كدليل على نجاحها؛ لكن من المؤكد أن إيقاف العملية لم يأت من باب عجز قوات التحالف عن تحقيق أهدافها؛ فقد كان التوقف مبرمجًا؛ حيث لا يمكن تجاهل ما سبق أن أعلنه الناطق الرسمي للتحالف أحمد عسيري في 19 إبريل/نيسان 2015؛ أي قبل توقف العمليات في 21 من إبريل/نيسان 2015 بيومين؛ من أن الـ 25 يومًا التي مضت هي المرحلة الأولى؛ أما المرحلة القادمة من الحملة الجوية فلها 3 أهداف؛ هي: منع التحركات العملياتية للعدو على الأرض، وحماية المدنيين، واستمرار دعم عمليات الإجلاء والعمليات الإنسانية والإغاثية وتسهيلها؛ وبذلك يكون أحمد عسيري قد أعلن عن قدوم عملية “إعادة الأمل”، وإن لم يُسَمِّها؛ كما أن توقف عملية “عاصفة الحزم” يُعتبر بمثابة مُحفز حتى ينهض المقاتل اليمني من قوات الجيش الشرعية ولجان المقاومة الشعبية والقوى القبلية المناصرة لقوات التحالف؛ فالقرار الأممي (2216) لن يكون مخدرًا للمقاتل اليمني وهو ينظر إلى طياري قوات التحالف في سماء اليمن يقاتلون نيابة عنه.

أما تداعيات وقف العملية فلم يتعدَّ “الصخب الإعلامي” الذي خلق بلبلة وارتباكًا كان بالإمكان تجاوزها بحملة إعلامية منظَّمة تشرح دوافع توقف عملية “عاصفة الحزم”؛ التي بدأت فجأة وانتهت فجأة.

تجهيز مسرح العمليات لحرب برية

لقد تعزَّزت بشكل كبير دوافع بدء عملية تدخُّل بري في اليمن؛ حيث صِيغَ قرار مجلس الأمن (2216) تحت الفصل السابع ليُجَهِّز مسرح العمليات لحرب برية؛ فأكَّد أولاً شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، وشرعية قتاله للحوثيين وأتباع الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح بكافة الأشكال، ليس بمساندة من دول الجوار في شبه الجزيرة العربية فحسب؛ بل ومن مكونات المجتمع الدولي أيضًا. فبقرار حظر وصول الأسلحة إلى المتمردين على الشرعية، وطلب انسحابهم من الأماكن التي سيطروا عليها وتسليم سلاحهم؛ يكون قرار الحظر قد وفَّر أرضية لإعلان الحرب؛ حيث أنه كان متوقعًا رفض الحوثي للقرار الأممي، ما يعني شرعنة أي عمل عسكري وفق وثيقة دولية.

وقد مارس قائد القوات المشتركة للتحالف -رئيس هيئة الأركان السعودية الفريق الركن عبد الرحمن البنيان، وهو مَنْ يتولى القيادة العسكرية لعملية “عاصفة الحزم” عمليًّا، وإعلاميًّا عبر الناطق الرسمي باسم عملية “عاصفة الحزم” العميد ركن أحمد عسيري- مبدأ الغموض الإيجابي (Positive Ambiguity)؛ فلم تنجر القوات السعودية للاستفزازات الحدودية المتأتية من ميليشيات جماعة الحوثي، واكتفت بالقصف المدفعي غير المباشر، متجنبة التماس المباشر مع تلك المليشيات؛ أما إعلاميًّا فقد صرح عسيري موضحًا: “لا زلنا في مرحلة الحملة الجوية، وعندما تحين المرحلة البرية سنباشر بها”. كما أشار إلى أن أهداف الحملة الجوية تتغير وتختلف بحسب مراحل العملية؛ مصورًا الوضع وكأن الحملة الجوية تتطور وتتغير لتنجز المهمات بناءً على تطور الموقف العملياتي، وهي ناجحة في ذلك -حسب عسيري-؛ مما أبعد هاجس الحملة البرية؛ كما أن توقف عملية “عاصفة الحزم” يؤشر على أن هاجس الحرب البرية يتراجع في الأفق؛ لكن ثمة مؤشرات قد تُقرأ لصالح سريان استعدادات لبدء عملية برية؛ منها:

دعم دولي منقطع النظير من قبل دول كبرى، والترحيب الذي رافق صدور القرار الأممي (2216)؛ مباركًا ما تقوم به قوات التحالف، ومنددًا باختطاف الشرعية في دولة مستقلة وعضو في المنظمات الإقليمية والدولية؛ مما أعطى العمل العسكري أفقًا أوسع قد يشمل العمل على الأرض.
ذكر المتحدث باسم قوات التحالف في 14 إبريل/نيسان 2015 توقُّعه انحسار العمليات العسكرية خلال الأيام المقبلة متى كانت الميلشيات الحوثية معزولة؛ مما يحتِّم تغيُّر شكل العمليات العسكرية؛ حيث لن يبق إلا أن تقوم قوات برية بعمليات الإحاطة بالعدو المعزول؛ حيث لا يقوم الطيران بهذه المهمة، وهذا ما حدث بعد ذلك بعشرة أيام حيث توقفت عملية “عاصفة الحزم”.
توافر العدد والتجهيز الكافيان للحملة البرية؛ فقد أكَّد المتحدث باسم عملية “عاصفة الحزم” أن قوات التحالف لديها العدد الكافي والنوعي لإنجاز المهمة البرية، ودول التحالف ملتزمة بالمشاركة بمختلف مراحل العملية(4)، أعقب ذلك تحركات لقوات الحرس الوطني السعودي للتوجه نحو الحدود البرية المتاخمة لليمن.
تخلَّت إيران عمليًّا عن جماعة الحوثي، وإذا استثنينا أخبارًا عن سفن إيرانية تتجه إلى خليج عدن، نستطيع القول: إن إيران قد توقفت عن دعم حليفها “مؤقتًا”، وهي التي لم تكن توفر وسيلة لإيصال الدعم إلى حلفائها في أحلك الظروف في لبنان وأفغانستان والعراق؛ ما يُعد مؤشرًا إلى توافر ظروف البدء بحملة برية، فقرار حظر تسليح الحوثي لا يكفي؛ حيث أن مخزون السلاح في اليمن ضخم جدًا، ولا يمكن إلَّا لتدخلٍ بري من أجل القضاء عليه.

حتى لا يحدث ارتباك في صفوف التحالف

لقد جاء قرار مجلس الأمن الدولي حول اليمن في 14 إبريل/نيسان 2015 دافعًا لحرب برية أو ملغيًا لمعوقاتها؛ مما قد يعزز فكرة تنفيذ عملية برية لحسم الأمور، وذلك حتى لا يحدث ارتباك في صفوف التحالف القائم؛ والمكوَّن من: السعودية، والبحرين، والكويت، وقطر، والإمارات، ومصر، والأردن، والمغرب، والسودان، وبدعمٍ من: باكستان والولايات المتحدة الأميركية.

تبع ذلك القرار، قرار وقف عملية “عاصفة الحزم”؛ فقد كان هناك تردُّد عربي؛ تمثَّل في عدم مشاركة سلطنة عُمان في التحالف، فمن المعلوم أن مسقط قد وُضعت في هذه الحرب بين فكَّيْ كماشة؛ هما: المصالح والخطر؛ فالعلاقات العُمانية الإيرانية أثمن للسلطنة من الانجرار خلف قرار خليجي نحو حرب يمكن تنفيذها دون مشاركة قوات الجيش العُماني فيها؛ بل إن السلطنة هي النافذة التي يُفَضِّل الخليجيون تركها مشرعة للتفاوض مع الغرماء، وذلك على مرّ أكثر من فترة تاريخية؛ فقد أُبقيت مفتوحة في عهد السادات عند عزله من قِبَل جبهة الصمود والتصدي المناوئة لاتفاقية كامب دافيد. كما أنَّ عُمان لن تغامر بالدخول في صراع مع اليمن متجاوزة ما تفرضه الجغرافيا من حدود برية طويلة يمكن للخطر الانتقال عبره إلى العاصمة مسقط.

أما القاهرة فيبدو أنها منخرطة في الحرب؛ ففي 11 إبريل/نيسان 2015 أعلنت القاهرة جاهزيتها لإنجاح مهمة التحالف جوًّا أو بحرًّا أو برًّا، ثم علت أصوات تروِّج لضرورة التروي بعد رفض البرلمان الباكستاني التدخل البري باليمن؛ مما ألزم مصر مراجعة موقفها، للموازنة بين التكاليف والمردود السياسي؛ لكن هذا التردد سرعان ما انجلى في إعلان مصر عزمها عقد مناورات مشتركة مع القوات السعودية، ما يُعدّ اقترابًا للقوات البرية المصرية من الجبهة، وانتظارًا لتحديد موعد ساعة الصفر لتدخل بري محتمل. ثم عاد المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة المصرية في 14 إبريل/نيسان 2015 لنفي أي وجود لقوات برية مصرية للمشاركة في عملية “عاصفة الحزم”؛ لكنه أشار إلى أن القوات البحرية والجوية تشارك في العمليات(5).

يمكن القول، أن مصر تميل إلى التسوية السياسية وفقًا لتصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في لقائه مع طلبة الكلية الحربية(6)، وربما يدفعها إلى ذلك أمور عدة؛ أهمها: خطورة الحرب اليمنية، التي هي جزء باهت في التاريخ العسكري المصري(7)، بالإضافة إلى أن مخرجات الحرب قد تقود إلى قفز حزب الإصلاح -وهو الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن- إلى السلطة؛ وهذا ما لا تامله القيادة المصرية الحالية، ناهيك عن أن مستقبل اليمن لا يزال مظلمًا سياسيًّا بدرجة يصعب استشراف جدوى المشاركة في أي حرب فيها. كما أن الاتفاقيات الدولية حول الممرات المائية وواجبات أساطيل الدول العظمى تعفي مصر من حتمية تدخلها لحماية مضيق باب المندب؛ ناهيك عن أن حربًا ذات أبعاد طائفية قد تخدش الوحدة الوطنية المصرية.

فيما يخص باكستان فقد تآكل الرهان الخليجي على مشاركتها؛ وذلك بعد أن أقر البرلمان الباكستاني مشروع قانون يحث إسلام أباد على الالتزام بالحياد في الصراع الدائر في اليمن(8)، وبالتالي فإن هذا القرار جاء بناءً على مشورة جنرالات إسلام أباد؛ الذين ضعفت آلتهم العسكرية على الجبال المحيطة بــ”وادي سوات” طيلة عشر سنوات من الحرب ضد طالبان باكستان؛ وذلك في مسرح عمليات يشبه تضاريس جبال اليمن، عليه فمن المحتمل أن جنرالات الجيش الباكستاني قد أشاروا بعدم الوقوع في مستنقع مشابه، والاكتفاء بأداء دور القوة الرادعة ضد أي مغامرة قد تهدد أمن المملكة العربية السعودية(9).

احتمالات التدخل البري وأشكاله

لن يكون القرار الأممي (2216) ووقف عملية “عاصفة الحزم” وحدهما خميرة تشكُّل الحملة البرية؛ فللبيئة السياسية التي تتشكَّل إقليميًّا دور في بدء الحملة أو في عدمها، ومن المتوقع أن يكون شكل التدخل البري على أحد الأنساق التالية:

الحالة البحرينية
لقد تدخلت قوات درع الجزيرة المشتركة في البحرين في ربيع عام 2011، وحسمت الأمور قبل تحولها للسيناريو اليمني؛ حيث تعرضت دولة عربية للانقلاب على سلطتها الشرعية بمساعدة خارجية؛ لكن الفرق كان في نجاح طهران في مسعاها في اليمن وفشلها في البحرين؛ مما يتطلب إنجاز الأمور بشكل معاكس؛ أي دخول قوات برية إلى اليمن لتقوم بما قامت به قوات درع الجزيرة في البحرين لحماية الأصول الاستراتيجية؛ مثل: منشآت النفط، وممتلكات الدولة ووزاراتها، وتأمين المنشآت الحيوية كالمطارات والموانئ؛ حتى تعود قوات الأمن الداخلي اليمنية إلى سابق عهدها وتتسلم مهامها، كما يمكن للولايات المتحدة الأميركية أو قوات “حلف الناتو” المشاركة في العمليات البرية من أجل حماية الأمن والسلم الدوليين.

قوات برية من القوات الخاصة(10)
القوات الخاصة التي يمكنها المشاركة في أي عملية برية ينبغي أن تكون محدودة العدد ومحددة المهمة؛ وذلك لتقوم بعمليات دقيقة لصالح الجيش اليمني؛ كالإنزال وتنفيذ المهام خلف خطوط ميليشيات الحوثي والقوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، أو لتدمير أهداف تعرقل انتشار الجيش اليمني الموالي للشرعية، أو لتقييد نشاط شخصيات مؤثرة في هيكل تنظيم تلك المليشيات، بالإضافة إلى فك حصار الوحدات وتخليص الرهائن من جماعة الحوثي ومواليها.

لمُّ شمل الجيش اليمني الشرعي
يتطلَّب لم شمل الجيش اليمني الشرعي عملاً استخباراتيًّا ضخمًا؛ لكن المشهد السوري والمشهد العراقي يشهدان للأمير بندر بن سلطان؛ الذي حدَّد هدفه بتقويض القوة الإيرانية وحلفاء طهران كالمالكي والأسد وحزب الله(11) قبل إعفائه من منصبه قبل عام بناءً على طلبه كرئيس للاستخبارات السعودية في 15 إبريل/نيسان 2014؛ فالحالة في اليمن هي نفسها شمالاً، وقد يكون من واجب الاستخبارات تشجيع الانشقاقات داخل فصائل الجيش الموالية للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، ودفع ألوية الجيش اليمني إلى إعلان الولاء للشرعية، وإعفاء قادة بعض الألوية التي تحول دون انصياع منتسبيها للشرعية، وتوفير احتياجات شيوخ القبائل حتى يثقوا بجدوى الحكومة الشرعية، ثم إعادة تكوين الوحدات المقاتلة.

فتح معسكرات تدريب وإنشاء نواة جيش جديد
إن استضافة وحدات من الجيش اليمني الشرعي في عدد من الدول الخليجية، من أجل تأسيس جيش تحرير وطني، ومشاركة واشنطن وعواصم غربية أخرى في برامج التدريب والتسليح؛ سيسهم في تأهيل جيش بري يمني لحرب جماعة الحوثي والمليشيات الموالية لصالح من أجل عودة الشرعية.

خاتمة

إن بإمكان من ليس لديه خصومة مع البديهيات العقلية متابعة كيف غيرت عملية “عاصفة الحزم” القواعد الإقليمية لصالح الشرعية اليمنية، ولصالح كفة دول مجلس التعاون الخليجي، وجُل ما يُقلق المراقب الخليجي أن يُستخدم قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2216) حول اليمن، وقرار وقف عملية “عاصفة الحزم” استخدامًا ذرائعيًّا لحفظ ماء الوجه، أو لأنصاف الحلول؛ فعلى الرغم من المخاطر والتداعيات المتوقَّعة بعد القرارين؛ فإنه يمكن اعتبارهما من إجراءات ما قبل المعركة (Pre-Battle Procedure)؛ حيث ساعدا في تجهيز مسرح العمليات لحرب برية، وخففا مما قد يحدث من ارتباك في صفوف قوات التحالف، كما ساعد القرار الأممي (2216) في وصف محددات التدخل البري وأشكاله؛ وعليه فلن تكون عملية “عاصفة الحزم” وحدها خميرة تشكُّل الحملة البرية؛ فللبيئة السياسية شديدة المراوغة التي تتشكَّل إقليميًّا دور في إعلان الحرب البرية أو استبعادها؛ لكن أنصاف الحلول تعني للشعب اليمني المضطهد أن يعيش بقية حياته في بؤس؛ عليه يبدو أن التدخل البري بات واجبًا لن يتم تحقيق المهمة إلا به.
____________________________________
د. ظافر محمد العجمي: المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج.

الهوامش والمصادر
(1) رويتر عربي، 16 من إبريل/نيسان 2015،
http://ara.reuters.com/article/topNews/idARAKBN0N729W20150416
(2) بي بي سي العربية، 18 من إبريل/نيسان 2015،
http://www.bbc.co.uk/arabic/middleeast/2015/04/150417_yemen_iran_un_peaceplan
(3) بي بي سي العربية، 18 من إبريل/نيسان 2015، المصدر نفسه.
(4) الناطق الرسمي باسم قوات “عاصفة الحزم” العميد ركن أحمد عسيري، “عاصفة الحزم”: توقع بانحسار العمليات خلال أيام، العربية نت، 14 من إبريل/نيسان 2015،
http://tinyurl.com/q64ta4v
(5) بي بي سي العربية، 14 من إبريل/نيسان 2015، إضغط هنا.
(6) جريدة الحياة، 18 من إبريل/نيسان 2015،
http://tinyurl.com/obrhkgr
(7) أسباب تَحُولُ بين مصر والحرب البرية في اليمن، جريدة العرب اليوم، 14 من إبريل/نيسان 2015،
http://alarabalyawm.net/?p=428504
(8) رويترز 10 من إبريل/نيسان 2015،
http://ara.reuters.com/article/topNews/idARAKBN0N10PI20150410
(9) ميدل إيست أون لاين 11 من إبريل/نيسان 2015،
http://www.middle-east-online.com/?id=197796
(10) أخبار اليمن، 24 من إبريل/نيسان 2015،

كريستينا تيفونو المسؤولة في منظمة "اكسيون كونتر لا فان" (العمل ضد الجوع): سجل الوضع في #اليمن خلال عام تدهوراً كبيراً


(11) جريدة السفير: وداعًا بندر بن سلطان، 1 من فبراير/شباط 2015،

http://assafir.com/Article/5/399518