بغداد – لا تستبعد أوساط سياسية عراقية أن تسفر الانتخابات العامة المنتظرة في العراق عن سلسلة من التغييرات في المشهد السياسي، أبرزها عملية تبادل مواقع بين العرب السنة والأكراد في منصبي رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان، ما يستلزم تغييرا في الشخصية الشيعية التي تشغل منصب رئيس الوزراء، وفقا لتوقعات الفوز والخسارة في هذا الاقتراع، والدور الذي ستلعبه إيران في الأسابيع القليلة التي تعقب إعلان نتائجه.
وآخر عربي شغل منصب رئيس الجمهورية في العراق، كان غازي الياور، الذي تنحى بعد انتخابات العام 2005 لصالح الراحل جلال الطالباني، عندما كان رئيس الجمهورية الحالي فؤاد معصوم، ممثلا للأكراد في البرلمان العراقي.
وكشفت مصادر سياسية مطلعة في بغداد عن “بوادر تفاهم بين العرب والأكراد، لتبادل منصبي رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان”.
وتقول المصادر إن “خميس الخنجر، زعيم المشروع العربي، الذي شكل قائمة بعنوان ‘القرار العراقي’، لخوض انتخابات البرلمان المقررة في 12 مايو، هو أبرز المرشحين السنة لشغل منصب رئيس الجمهورية”. بينما السياسي الكردي برهم صالح مرشح لرئاسة البرلمان العراقي.
ويرتبط الخنجر وهو رجل أعمال مثير للجدل يقيم في الأردن منذ سنوات، بعلاقات وثيقة مع قطر وتركيا.
ومؤخرا غيّر الخنجر، الذي ينحدر من مدينة الفلوجة في محافظة الأنبار غرب العراق، نبرته إزاء زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، الذي كان يتهمه في ما سبق بالتبعية لإيران، وتغذية النعرات الطائفية وإطلاق أيدي قادة الميليشيات الشيعية الموالية لطهران في الجيش العراقي. وبدا أن الخنجر في ظهوره المتلفز مؤخرا، يبرر أخطاء المالكي التي سبق له أن وجه لها أشد الانتقادات.
وتكشف المصادر أن وصول الخنجر إلى موقع رئيس الجمهورية في العراق، وهو الطريد السابق بتهمة دعم الإرهاب، يحتاج إلى مباركة إيرانية صريحة. ووفقا للمصادر فإن “هذه المباركة ليست مستبعدة”.
واستكمالا لمشهد المحاصصة في الساحة السياسية العراقية، فإن حصول السنة على منصب رئيس الجمهورية يستلزم حصول الأكراد على منصب رئيس البرلمان، بعدما تأكد احتكار الشيعة لمنصب رئيس الوزراء.
ويقول النائب عن ائتلاف المالكي، جاسم محمد جعفر، إن الأروقة السياسية تشهد حراكا لتسمية مرشح كردي لمنصب رئيس البرلمان.
ويضيف أن القوى الشيعية لا تمانع تغيير المواقع بين السنة والأكراد، ما دام سيتم تحت قبة البرلمان وعبر التوافق، مشيرا إلى أن السياسي الكردي المخضرم برهم صالح، مرشح لتولي منصب رئيس البرلمان العراقي في الدورة القادمة، في حال جرى الاتفاق على إسناد منصب رئيس الجمهورية لشخصية سنية.
ويتنافس مشروعان سياسيان في العراق حاليا، أولهما يدعو إلى أغلبية سياسية في البرلمان القادم، وثانيهما يصر على التوافق السياسي في إدارة البلاد.
ويعد زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، أبرز دعاة الأغلبية السياسية، بعدما تسبب التوافق السياسي، العام 2014، في قطع طريقه نحو ولاية ثالثة في منصب رئيس الوزراء الذي شغله لدورتين متتاليتين.
ويريد المالكي أن يحشد أغلبية في البرلمان القادم، يوفرها نواب شيعة وسنة وأكراد، بهدف تحقيق الغطاء اللازم رقميا لتشكيل الحكومة المقبلة، من دون الحاجة إلى استرضاء جميع الكتل الفائزة.
ومنذ العام 2005 تقوم العملية السياسية العراقية على توافق تديره واشنطن وطهران، يستلزم استرضاء جميع الكتل التي تفوز في الانتخابات النيابية، وضمان تمثيلها في الحكومة. 2017
ويبدو أن رئيس الوزراء حيدر العبادي، يقف على الضفة الأخرى في مواجهة المالكي، كأحد أبرز الوجوه التي تتبنى التوافق السياسي في المرحلة المقبلة.
ويعترف قيس الخزعلي، زعيم حركة عصائب أهل الحق المقربة من إيران، بأن العبادي والمالكي، فضلا عن زعيم منظمة بدر هادي العامري، هم أبرز المرشحين لشغل منصب رئيس الوزراء في الدورة القادمة.
ولا يتبنى العامري، الذي يتزعم تحالف الفتح للمشاركة في الانتخابات المقبلة منافسا للعبادي والمالكي، منهجا سياسيا واضحا بشأن الأغلبية أو التوافق، لذلك فهو مستعد للعمل بصيغة وسطية، في حال ترشحه لتشكيل الحكومة المقبلة، وفقا لمصادر مطلعة.
ويقول الخزعلي، إن تحالف الفتح الذي يضم معظم القوى السياسية العراقية الموالية لإيران، وضع شروطا على ولاية العبادي الثانية، من دون الإفصاح عنها.
لكن مصادر مطلعة كشفت أن أبرز شروط تحالف الفتح لدعم العبادي تتمثل في الحصول على وزارة الداخلية لمرشح ترضى عنه عصائب أهل الحق التي يتزعمها الخزعلي، فضلا عن إسناد وزارة النقل لمنظمة بدر بزعامة العامري.
وقالت المصادر إن “الفتح لديه قائمة مناصب يريد الحصول عليها في الحكومة القادمة، قبل الموافقة على ولاية ثانية للعبادي”.
لكن المناصب المذكورة، ربما تسهم في ترسيخ النفوذ الإيراني في أجهزة الدولة العراقية، وفقا لمراقبين، لذلك فإنها قد تواجه بالرفض، ولأجل ذلك يبدو أن المالكي والعامري لديهما حظوظ أيضا في منصب رئيس الوزراء، في حال واجه العبادي صعوبات في الحفاظ على موقعه.
وترجح مصادر سياسية شيعية حصول خميس الخنجر على منصب رئيس الجمهورية في العراق، في حال أقصي العبادي عن موقع رئيس الوزراء في الدورة المقبلة، لأن هذه النتيجة ستعني انتصار الرغبة الإيرانية.
ويُظهر المالكي وسواه من رموز العملية السياسية في العراق اطمئنانا غريبا من نوعه إلى نتائج الانتخابات المقبلة، بالرغم من أن فتوى المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني توحي بعدم حماسته لإعادة انتخابهم.
ولا يستبعد المراقبون أن يكون توزيع المناصب بين الكتل والأحزاب الكبيرة، بل وتسمية المرشحين لها، هو واحد من مظاهر ذلك الاطمئنان الذي لا يحدث إلا في العراق، مشيرين إلى أن الاطمئنان مصدره الشعور بأن المال سيلعب دورا كبيرا في حسم الموقف وليس السيستاني الذي لم يظهر المرشحون هذه المرة حماسة للذهاب إليه وتقبيل يده والحصول على بركته.
يشدد مراقب عراقي في تصريح لـ”العرب” على أن فكرة حكم الأغلبية السياسية التي تنطوي على قدر من الاستقطاب الطائفي لن تجد لها أذنا صاغية في واشنطن، في ظل إمكانية أن يستبعد المالكي وهو صاحب تلك الفكرة من المشهد بشكل نهائي.
وأشار المراقب إلى أن رئيس الوزراء السابق الذي يوحي للآخرين بأنه لا يزال عراب العملية السياسية لم يعد يملك قدرا من الرصيد الشعبي في المدن ذات الغالبية الشيعية يؤهله لفرض مشروعه، الذي لا يمكن أن يحظى بالقبول من قبل الأطراف السنية والكردية، إضافة إلى كتل شيعية لا تميل إلى استمراره حاضرا في مشهد سياسي يُراد من خلاله البدء بمرحلة جديدة.
ويعتقد المراقب أن تبادل الأدوار بين السنة والأكراد هو بداية لتغيير لن يكون في مصلحة الأطراف الشيعية المتشددة، فإزاحة سليم الجبوري من رئاسة مجلس النواب مؤشر على نهاية الدور الذي لعبه المالكي. فبرهم صالح وخميس الخنجر هما من أكثر الشخصيات التي يُمكن أن تحسب على المعسكر المناوئ لنزعة رئيس الوزراء السابق الطائفية.
إذا ما صحت التوقعات التي تميل إلى استبعاد المالكي من العملية السياسية فإن ذلك يعتبر في حدّ ذاته إنجازا ودليلا على نجاح الانتخابات بالنسبة للكثير من الأطراف السياسية.
العرب