الرباط – بعد ترقب ساد طيلة شهر أبريل الجاري صوت مجلس الأمن، مساء الجمعة، لفائدة مشروع قرار تقدمت به الولايات المتحدة يكبح جماح البوليساريو ومن ورائها الجزائر في المنطقة العازلة، ويحث على بدء “مفاوضات دون شروط مسبقة”، ويمدد مهمة بعثة مراقبة وقف إطلاق النار (المينورسو) ستة أشهر فقط.
وعبّر مجلس الأمن في قراره مجددا عن “قلقه من وجود البوليساريو في الكركرات بالمنطقة العازلة” في جنوب غرب الصحراء المغربية، داعيا إياها “إلى الانسحاب الفوري” وعدم نقل مكاتبها إلى بير لحلو بشمال الغرب.
وقد أشاد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة بالمضمون الإيجابي للقرار، معتبرا أنه يعد ثمرة لجهود العاهل المغربي الملك محمد السادس من أجل التصدي لكل المحاولات اليائسة التي تستهدف المصالح العليا للمملكة، ونتيجة للتعبئة القوية من أجل الدفاع عن الوحدة الترابية للمغرب.
وأعرب مجلس الأمن عن قلقه إزاء إعلان البوليساريو عن نقل بعض ما يسمى بـ”منشآت إدارية” إلى بير لحلو، شرق الشريط العازل مطالبا إياها بالامتناع عن مثل هذه الأفعال المزعزعة للاستقرار، والانسحاب من الكركرات. كما أبدى قلقه إزاء انتهاكات الاتفاقات القائمة، داعيا الأطراف إلى احترام التزاماتها ذات الصلة والامتناع عن أي عمل من شأنه زعزعة استقرار الوضع.
وجاء القرار حسب وزير الخارجية المغربي مرتبطا بالانتهاكات المتعددة لوقف إطلاق النار من قبل البوليساريو، بتشجيع من الجزائر، وبالمحاولات المتعددة لتغيير النظام القانوني والتاريخي للمنطقة الواقعة شرق المنظومة الدفاعية، وكذلك بالتحديات المتكررة لسلطة مجلس الأمن والشرعية الدولية.
ويعتقد مراقبون أن القرار الأممي يعكس ميلا دوليا واضحا للمقاربة المغربية في قضية الصحراء، وأن ذلك يأتي امتدادا لجهود متنوعة قادتها الدبلوماسية المغربية خلال السنوات الأخيرة، موظفة الاستثمارات الاقتصادية والانفتاح على المحيط الأفريقي للرباط.
وقال صبري الحو، الخبير في القانون الدولي والهجرة ونزاع الصحراء لـ”العرب”، إن مطالبة مجلس الأمن بإخلاء المنطقة العازلة والانسحاب من منطقة الكركرات تشكل استجابة للتنبيه المغربي، وجوابا بالنفي على محاولة البوليساريو إعادة تأويل اتفاق وقف إطلاق النار وملحقه العسكري في محاولة للإيهام بكونه ينسحب فقط على العناصر العسكرية وليس المدنية.
وأضاف صبري الحو أن موقف مجلس الأمن يشرعن مغربية المنطقة من خلال عدم مساسه بحق المملكة في استغلال ممر الكركرات، كما يجيب القرار على طلب الرباط رفض أي تغيير في الوضع القائم في المنطقة.
وقرر مجلس الأمن تمديد مهمة بعثة المينورسو إلى غاية 31 أكتوبر 2018، معربا عن قلقه لتواجد جبهة البوليساريو في المنطقة العازلة بالكركرات داعيا إلى انسحابها الفوري من المنطقة التي تقع في المنطقة العازلة.
ولفت سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة العين للعلوم والتكنولوجيا بأبوظبي، في تصريح لـ”العرب”، إلى أن هذا القرار لا يختلف في مضمونه عن قرار السنة الماضية، باستثناء تجديد ولاية البعثة لمدة ستة أشهر موضحا أن مجلس الأمن اعتاد منذ 10 سنوات تمديد مهمة البعثة الدولية لعام كامل نظرا لوجود نوع من الاستقرار النسبي للوضع في المنطقة، والعودة إلى مدة ستة أشهر هي وسيلة للضغط لأجل العودة إلى المفاوضات المباشرة.
وامتنعت كل من روسيا والصين وإثيوبيا، عن التصويت فيما حظي مشروع القرار الذي تقدمت به الولايات المتحدة الأميركية بتأييد 12 عضوا. وفي هذا الصدد قال صديقي إنه ورغم صعوبة معرفة الدوافع الحقيقية لامتناع كل من روسيا والصين عن التصويت لا سيما وأن القرار كان متوازنا إلى حد كبير، فإن موقف الدولتين لا يؤشر إلى وجود أي توجه لصراع النفوذ بين القوى الدولية الكبرى في المنطقة.
ويعتقد صبري الحو أن امتناع إثيوبيا عن التصويت على القرار دليل على أن سياسة المغرب الجديدة في أفريقيا وحجم الاستثمارات الاقتصادية المغربية في إثيوبيا بدآ يثمران عائدات سياسية تجاه قضية الصحراء، وأن أديس أبابا لم تعد تصطف إلى جانب الجزائر والبوليساريو.
وفي الوقت الذي لم يحدد القرار جدولا زمنيا لإعادة إطلاق المفاوضات بين الأطراف المعنية شدد مجلس الأمن على أهمية تجديد التزام تلك الأطراف بالمضي قدما في العملية السياسية استعدادا لجولة خامسة في إطار من الواقعية وروح التسوية، داعيا الأطراف إلى التحلي بالإرادة السياسية والعمل في بيئة مواتية للحوار من أجل التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول.
وذكر ناصر بوريطة أن السياق الذي أتى فيه القرار مرتبط بـ”إرادة المجتمع الدولي بإعادة إطلاق العملية السياسية بقيادة المبعوث الشخصي هورست كوهلر، على أساس دينامية جديدة وروح متجددة، مع استخلاص الدروس والإكراهات التي تمت مواجهتها في الماضي”.
وقد جدد القرار دعوة الأطراف والبلدان المجاورة إلى التعاون على أكمل وجه مع منظمة الأمم المتحدة ومع بعضها البعض، وتعزيز انخراطها من أجل المضي قدما نحو حل سياسي لهذا النزاع، في إشارة واضحة إلى الجزائر.
وعلق سعيد الصديقي قائلا لـ”العرب”، “ليست هناك الآن خيارات مثالية أمام مختلف الأطراف المعنية بملف الصحراء ولعل أسلم السيناريوهات هو الحفاظ على الوضع القائم”.
العرب