اتفاقية سايكس بيكو وقعت بين فرنسا وبريطانيا على اقتسام الدول العربية الواقعة شرقي المتوسط عام 1916 في إطار تقسيم أراضي الإمبراطورية العثمانية التي كانت توصف بالرجل المريض، وتم الوصول إليها بين أبريل/نيسان ومايو/أيار من ذلك العام على صورة تبادل وثائق بين وزارات خارجية الدول الثلاث (فرنسا وإنجلترا وروسيا القيصرية).
تقسيم الكعكة
عينت الحكومة الفرنسية قنصلها العام السابق في بيروت جورج بيكو مندوبا ساميا لمتابعة شؤون الشرق الأدنى، ومفاوضة الحكومة البريطانية في مستقبل البلاد العربية، ولم يلبث أن سافر إلى القاهرة واجتمع بالمندوب السامي البريطاني لشؤون الشرق الأدنى مارك سايكس بإشراف مندوب روسيا، وأسفرت هذه الاجتماعات والمراسلات عن اتفاقية عرفت باسم “اتفاقية القاهرة السرية”، ثم انتقلوا إلى مدينة بطرسبرغ الروسية، وأسفرت هذه المفاوضات عن اتفاقية ثلاثية سميت اتفاقية سايكس بيكو، وذلك لتحديد مناطق نفوذ كل دولة على النحو التالي:
– استيلاء فرنسا على غرب سوريا ولبنان وولاية أضنة.
– استيلاء بريطانيا على منطقة جنوب وأواسط العراق بما فيها مدينة بغداد، وكذلك ميناء عكا وحيفا في فلسطين.
– استيلاء روسيا على الولايات الأرمنية في تركيا وشمال كردستان.
– حق روسيا في الدفاع عن مصالح الأرثوذكس بالأماكن المقدسة في فلسطين.
– المنطقة المحصورة بين الأقاليم التي تحصل عليها فرنسا، وتلك التي تحصل عليها بريطانيا تكون اتحاد دول عربية أو دولا عربية موحدة، ومع ذلك فإن هذه الدولة تقسم إلى مناطق نفوذ بريطانية وفرنسية، ويشمل النفوذ الفرنسي شرق بلاد الشام وولاية الموصل، بينما النفوذ البريطاني يمتد إلى شرق الأردن والجزء الشمالي من ولاية بغداد وحتى الحدود الإيرانية.
– يخضع الجزء الباقي من فلسطين لإدارة دولية.
– يصبح ميناء إسكندرون حرا.
كشف عن الاتفاق مع وصول الشيوعيين إلى سدة الحكم في روسيا عام 1917 مما أثار غضب الشعب السوري الذي يمسه الاتفاق مباشرة وأحرج فرنسا وبريطانيا.
قسمت المنطقة بموجب الاتفاق فحصلت فرنسا على الجزء الأكبر من بلاد الشام وجزء كبير من جنوب الأناضولومنطقة الموصل في العراق، أما بريطانيا فامتدت مناطق سيطرتها من طرف بلاد الشام الجنوبي متوسعة بالاتجاه شرقا لتضم بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج العربي والمنطقة الفرنسية.
كما تقرر وضع المنطقة التي اقتطعت في ما بعد من جنوب سوريا “فلسطين” تحت إدارة دولية يتم الاتفاق عليها بالتشاور بين بريطانيا وفرنسا (لاحقا وبموجب وعد بلفور لليهود أعطيت فلسطين إلى الصهاينة لبناء دولة إسرائيل).
لكن الاتفاق نص على منح بريطانيا ميناءي حيفا وعكا على أن يكون لفرنسا حرية استخدام ميناء حيفا، ومنحت فرنسا بريطانيا بالمقابل استخدام ميناء إسكندرون الذي كان سيقع في دائرة سيطرتها.
بنود الاتفاقية
المادة الأولى:
إن فرنسا وبريطانيا العظمى مستعدتان لأن تعترفا وتحميا دولة عربية برئاسة رئيس عربي في المنطقتين “أ” (داخلية سوريا) و”ب” (داخلية العراق) المبينة في الخريطة الملحقة بهذا الاتفاق.
يكون لفرنسا في منطقة “أ” ولإنجلترا في منطقة (ب) حق الأولوية في المشروعات والقروض المحلية، وتنفرد فرنسا في منطقة “أ” وإنجلترا في منطقة “ب” بتقديم المستشارين والموظفين الأجانب بناء على طلب الحكومة العربية أو حلف الحكومات العربية.
المادة الثانية:
يباح لفرنسا في المنطقة الزرقاء (سوريا الساحلية) ولإنجلترا في المنطقة الحمراء (منطقة البصرة) إنشاء ما ترغبان به من شكل الحكم مباشرة أو بالواسطة أو من المراقبة بعد الاتفاق مع الحكومة أو حلف الحكومات العربية.
المادة الثالثة:
تنشأ إدارة دولية في المنطقة السمراء (فلسطين) يعين شكلها بعد استشارة روسيا وبالاتفاق مع بقية الحلفاء وممثلي شريف مكة.
المادة الرابعة:
تنال إنجلترا ميناءي حيفا وعكا.
– يضمن مقدار محدود من مياه دجلة والفرات في المنطقة “أ” للمنطقة “ب”، وتتعهد حكومة جلالة الملك من جهتها بألا تتخلى في أي مفاوضات ما مع دولة أخرى للتنازل عن جزيرة قبرص إلا بعد موافقة الحكومة الفرنسية مقدما.
المادة الخامسة:
يكون إسكندرون ميناء حرا لتجارة الإمبراطورية البريطانية، ولا تنشأ معاملات مختلفة في رسوم الميناء، ولا تفرض تسهيلات خاصة للملاحة والبضائع البريطانية، وتباح حرية النقل للبضائع الإنجليزية عن طريق إسكندرونة وسكة الحديد في المنطقة الزرقاء، سواء كانت واردة إلى المنطقة الحمراء أو إلى المنطقتين “أ” و”ب” أو صادرة عنهما.
ولا تنشأ معاملات مختلفة مباشرة أو غير مباشرة على أي من سكك الحديد أو في أي ميناء من موانئ المناطق المذكورة تمس البضائع والبواخر البريطانية.
وتكون حيفا ميناء حرا لتجارة فرنسا ومستعمراتها والبلاد الواقعة تحت حمايتها، ولا يقع اختلاف في المعاملات ولا يرفض إعطاء تسهيلات للملاحة والبضائع الفرنسية، ويكون نقل البضائع حرا بطريق حيفا وعلى سكة الحديد الإنجليزية في المنطقة السمراء (فلسطين) سواء كانت البضائع صادرة عن المنطقة الزرقاء أو الحمراء أو من المنطقتين “أ” و”ب” أو واردة إليها.
ولا يجري أدنى اختلاف في المعاملة بطريق مباشر أو غير مباشر يمس البضائع أو البواخر الفرنسية في أي سكة من سكك الحديد ولا في ميناء من الموانئ المذكورة.
المادة السادسة:
لا تمد سكة حديد بغداد في المنطقة “أ” إلى ما بعد الموصل جنوبا، ولا إلى المنطقة “ب” إلى ما بعد سامراء شمالا إلى أن يتم إنشاء خط حديدي يصل بغداد بحلب مارا في وادي الفرات، ويكون ذلك بمساعدة الحكومتين.
المادة السابعة:
يحق لبريطانيا العظمى أن تنشئ وتدير وتكون المالكة الوحيدة لخط حديدي يصل حيفا بالمنطقة “ب”، ويكون لها ما عدا ذلك حق دائم بنقل الجنود في أي وقت كان على طول هذا الخط.
ويجب أن يكون معلوما لدى الحكومتين أن هذا الخط يجب أن يسهل اتصال حيفا ببغداد، وأنه إذا حالت دون إنشاء خط الاتصال في المنطقة السمراء مصاعب فنية أو نفقات وافرة لإدارته تجعل إنشاءه متعذرا فإن الحكومة الفرنسية تسمح بمروره في طريق بربورة-أم قيس-ملقا-إيدار-غسطا-مغاير إلى أن يصل إلى المنطقة “ب”.
المادة الثامنة:
تبقى تعريفة الجمارك التركية نافذة عشرين سنة في جميع جهات المنطقتين الزرقاء والحمراء في المنطقتين “أ” و”ب”، فلا تضاف أي علاوة على الرسوم، ولا تبدل قاعدة التثمين في الرسوم بقاعدة أخذ العين إلا أن يكون باتفاق بين الحكومتين، ولا تنشأ جمارك داخلية بين أي منطقة وأخرى في المناطق المذكورة أعلاه، وما يفرض من رسوم جمركية على البضائع المرسلة يدفع في الميناء ويعطى لإدارة المنطقة المرسلة إليها البضائع.
المادة التاسعة:
من المتفق عليه أن الحكومة الفرنسية لا تجري مفاوضة في أي وقت للتنازل عن حقوقها، ولا تعطي ما لها من الحقوق في المنطقة الزرقاء لدولة أخرى سوى للدولة أو لحلف الدول العربية، من دون أن توافق على ذلك مقدما حكومة جلالة الملك التي تتعهد بمثل ذلك للحكومة الفرنسية في المنطقة الحمراء.
المادة العاشرة:
تتفق الحكومتان الإنجليزية والفرنسية -بصفتهما حاميتين للدولة العربية- على ألا تمتلكا ولا تسمحا لدولة ثالثة بأن تمتلك أقطارا في شبه جزيرة العرب، أو تنشئ قاعدة بحرية على ساحل البحر المتوسط الشرقي، على أن هذا لا يمنع تصحيحا في حدود عدن قد يصبح ضروريا بسبب عداء الترك الأخير.
المادة الحادية عشرة:
تستمر المفاوضات مع العرب بنفس الطريقة السابقة من قبل الحكومتين لتحديد حدود الدولة أو حلف الدول العربية.
المادة الثانية عشرة:
من المتفق عليه ما عدا ذكره أن تنظر الحكومتان في الوسائل اللازمة لمراقبة جلب السلاح إلى الدول العربية.
ما بعد سايكس بيكو
بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، وإطباق بريطانيا على أراضي فلسطين والعراق تخلت بريطانيا عن فكرة تقسيم أملاك السلطنة وفق مخطط سايكس بيكو، واستبدلتها بنظام الانتداب الذي أقره مؤتمر “سان ريمو” الذي عقدته مع فرنسا في الـ26 من أبريل/نيسان 1920 بهدف تحديد مصير ولايات المشرق العربي المحتلة.
ومع نهاية الحرب العالمية الأولى لم يبق من اتفاق سايكس بيكو عمليا سوى الترسيم المبدئي لحدود لبنان والعراق والأردن وفلسطين.
وبقي الاستعمار الفرنسي البريطاني حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939 مهيمنا في بلدان المشرق متسلحا بسلطة الانتداب الممنوحة له من قبل عصبة الأمم في مؤتمر لندن عام 1922 مع استثناءات في اليمن والسعودية والأردن، وارتبطت مصر والعراق مع بريطانيا بمعاهدات حدت عمليا من استقلالهما إلى حين الإطاحة بالأنظمة الملكية فيهما تباعا عامي 1952 و1958.
ومع تراجع دور الإمبراطوريتين الفرنسية والبريطانية عالميا لصالح الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي انتقلت بريطانيا في الستينيات والسبعينيات إلى تصفية وجودها في شبه الجزيرة العربية فانسحبت من الكويت عام 1965 ومن محمية عدن عام 1967، وتلتها ترتيبات مماثلة في مسقط وعمان (1970) وقطر والإمارات والبحرين (1971).
ومنذ ذلك التاريخ لم تشهد دول المشرق العربي تغييرا يذكر في حدودها إلا بعد توحيد شطري اليمن عام 1990، كما أن اتفاق أوسلو عام 1993 بين إسرائيل والفلسطينيين لم يؤد عمليا إلا إلى سلطة حكم ذاتي محدودة السيادة في الضفة وغزة، وغير متواصلة جغرافيا.