الشركات الكبرى تحدد مصير العقوبات على إيران أكثر من الحكومات الأوروبية

الشركات الكبرى تحدد مصير العقوبات على إيران أكثر من الحكومات الأوروبية

لندن – اختارت شركات أوروبية بارزة أن تحسم الجدل السياسي بشأن العقوبات على إيران بشكل عملي بإعلان وقف أنشطتها هناك لتجنب العقوبات الأميركية من ناحية، وقطع الطريق أمام المناورات السياسية التي قد تطيل الأزمة لكنها ستفضي في الأخير إلى تنفيذ الشروط الأميركية من ناحية ثانية.

وأعلنت مجموعة ميرسك تانكرز الدنماركية لناقلات النفط، الخميس، أنها ستوقف أنشطتها في إيران بعد قرار الولايات المتحدة الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني وإعادة فرض عقوبات على طهران.

وقالت المجموعة إنها ستلتزم بالاتفاقات المبرمة التي دخلت حيز التنفيذ قبل 8 مايو لكنها ستختتمها بحلول 4 نوفمبر “بموجب العقوبات الأميركية التي أعيد فرضها”. وأضافت أنها “تتابع عن كثب تقييم الآثار المحتملة على أنشطتها، مع البقاء على اتصال مع زبائنها لإبلاغهم بالتطورات المحتملة”.

ويأتي قرار شركة ميرسك بعد قرار آخر شبيه به من شركة الطاقة الفرنسية العملاقة توتال التي لوحت بالانسحاب من مشروع ضخم لتنمية حقل الغاز، إذا لم تحصل على استثناء من العقوبات الأميركية.

وامتدت قرارات الابتعاد إلى شركات كثيرة أخرى بينها شركة أم.أس.سي، ثاني أكبر شركة في العالم لشحن الحاويات، التي أعلنت أنها ستوقف تلقي حجوزات جديدة لإيران بسبب قرار الولايات المتحدة إعادة فرض عقوبات على طهران بعد الانسحاب من الاتفاق النووي.

وكانت شركة أم.أس.سي ومجموعة ميرسك لاين أكبر شركة في العالم لشحن الحاويات أعلنتا الأسبوع الماضي أنهما تراجعان عملياتهما المتعلقة بإيران. وتقدم أم.أس.سي وميرسك خدمات لإيران عبر سفن طرف ثالث أصغر حجما من مراكز إعادة الشحن.

وقال خبراء اقتصاديون ومحللون إن الشركات الكبرى ستكون صاحبة القرار الأخير في حسم الجدل بشأن العقوبات الأميركية، وإن مواقف الساسة الأوروبيين البارزين سيكون في النهاية صدى لمواقف تلك الشركات التي لا يمكن أن تضع مصالحها في سلة السوق الإيرانية وتهدد أنشطتها في أسواق أخرى أكثر أهمية، فضلا عن تأثير العقوبات عليها على المدى البعيد.

وأشار هؤلاء إلى أن موقف الشركات الكبرى من الالتزام بالعقوبات الأميركية سيكون أكثر تأثيرا على إيران من كلام السياسيين، وأنه من الصعوبة بمكان أن تقبل هذه الشركات التضحية بمصالحها والوقوف في وجه الولايات المتحدة خدمة لهذا الزعيم أو ذاك، أو أن تكون أداة ضغط على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتراجع عن قراره بالانسحاب من الاتفاق النووي الذي يقدم امتيازات كثيرة لإيران دون أن يكبح جنوحها لإنتاج صواريخ باليستية وجرّ المنطقة إلى سباق تسلح محموم.

وأعلن الرئيس الأميركي في مطلع مايو قراره بسحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني المبرم في يوليو 2015 وإعادة فرض العقوبات التي رفعت في هذا الإطار، وهو ما يشمل كل الشركات التي لها أنشطة على الأراضي الأميركية أو التي تتعامل بالدولار.

ويعتقد المحللون أن موقف توتال وميرسك سيشجع شركات أخرى على رفع عصا الطاعة في وجه قادة أوروبا الذين يضغطون لاستمرار مختلف تلك الشركات في إيران بانتظار البحث عن “حل وفاقي” مع إدارة ترامب، وهو أمل تغذيه وعود إيرانية مغرية لأوروبا، وتنظر إليه طهران في صورة صراع بالوكالة بينها وبين إدارة ترامب، وأن من مصلحتها إدامته لكسر التوافق التقليدي بين واشنطن والعواصم الأوروبية ضدها في قضايا أخرى.

وتعرف إيران أن مواقف قادة الاتحاد الأوروبي قد تعطيها دفعة سياسية حينية بمواجهة ضغوط البيت الأبيض، لكنها في النهاية لن تعطيها أي ضمانات طالما أن الشركات المنفذة للمشاريع تستعد للمغادرة، وأن العقوبات الأميركية ستخلق لها تعقيدات كبيرة.

ويشير الخبراء إلى أن إيران قد استثمرت فترة رفع العقوبات لاستخراج النفط في الحقول الحالية، لكن هذه الحقول قد تصبح في نهاية المطاف مغمورة، ولن يكون بإمكان إيران البحث عن حقول جديدة للتشغيل من دون شركاء ورأس مال.

واتفق قادة الاتحاد الأوروبي على السعي للحفاظ على الاتفاق النووي الإيراني والإبقاء على تعاونهم الاقتصادي مع طهران بعد انسحاب ترامب منه، لكنهم لم يتوصلوا الأربعاء إلى قرارات ذات بال، مما يبرز قدرة النفوذ الأميركي في التجارة والتمويل الدولي على تقييد نطاق التحركات الأوروبية.

وعرض جان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد، خيارات القادة لحماية الاستثمارات الأوروبية في إيران والتعاون الاقتصادي الذي يتعافى بوتيرة بطيئة، وهو ما تأمل الكثير من دول الاتحاد الأوروبي بالاستفادة منه.

وقال مصدر في الاتحاد بعد المحادثات إن القادة اتفقوا على البدء في “العمل على حماية الشركات الأوروبية المتأثرة سلبا بالقرار الأميركي”. وتتضمن الخيارات السماح لبنك الاستثمار الأوروبي بالاستثمار في إيران وترتيب خطوط ائتمان باليورو من دول الاتحاد الأوروبي.

وأقر مسؤول كبير بالاتحاد الأوروبي بأنه لا يوجد حل سحري وأن الأمر قد “يستغرق بعض الوقت” كي يتوصل الاتحاد إلى ما سيكون مزيجا معقدا من الخطوات الوطنية والمشتركة.

وسيقوم ميجيل آرياس كانيتي مفوض الطاقة بالاتحاد بزيارة إلى إيران في الفترة بين 18 و21 مايو لإجراء محادثات بشأن التعاون في قطاع الطاقة، في إشارة رمزية من الاتحاد الأوروبي إلى رغبته في أن يظل ملتزما بالاتفاق على الرغم من الانسحاب الأميركي.

وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخميس إن على الاتحاد الأوروبي أن يحمي شركاته العاملة مع إيران من العقوبات الأميركية. وأضاف، ردا على سؤال لدى وصوله لحضور قمة زعماء الاتحاد الأوروبي في بلغاريا، إن كان قلقا من إعلان شركة النفط الفرنسية العملاقة توتال أنها قد تنسحب من إيران بعد انسحاب أميركا من الاتفاق النووي الإيراني، أن “الأمر متروك للشركات العاملة في أسواق شتى لاتخاذ قراراتها بنفسها”، لافتا إلى أن الاتحاد يجب أن يساند الشركات الأصغر التي تريد مواصلة العمل مع إيران.

وعبر عن تفهمه لقلق الشركات الكبيرة الراغبة في حماية مبيعاتها في السوق الأميركية، لكنه أضاف أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يساند الشركات الأصغر التي تريد مواصلة العمل مع إيران.

وقال “الشركات الكبيرة التي لديها مصالح في العديد من الدول تتخذ قراراتها وفقا لمصالحها. ينبغي أن تكون لها حرية القيام بذلك”.

ويعتقد مراقبون أن رهان إيران على توسيع الفجوة بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين من بوابة الخلاف على الاتفاق النووي سيكون محدودا، خاصة أن السياسيين الأوروبيين يعبرون في تصريحاتهم عن أفكار وأمنيات أكثر منها مواقف مثل الوقوف بوجه تمسك ترامب بإنهاء العمل بالاتفاق النووي، وأن الرئيس الفرنسي أو المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لن يضطر أي منهما في النهاية إلى معاداة واشنطن لأجل عيون إيران.

ويستبعد المراقبون أي تراجع أميركي بخصوص العقوبات على إيران، لافتين إلى أن الأمر أكبر من العقوبات، وأنه يرتبط برغبة أميركية واضحة لدفع إيران إلى التراجع عن رغبتها في إنتاج أسلحة نووية، أو خلق تقدم عسكري يهدد جيرانها الخليجيين، فضلا عن الدور التخريبي لها في ملفات المنطقة.

العرب