بغداد – أربكت النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات العراقية حسابات إيران في العراق، وأشعرتها بوجود تهديد حقيقي لنفوذها بالبلد، وذلك مع صعود تحالف “سائرون” المدعوم من رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر على حساب حلفاء موثوقين لطهران من بينهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
وما يضاعف الإرباك الإيراني حساسية المرحلة الراهنة التي تواجه فيها إيران أوسع عملية محاصرة لنفوذها تتزعّمها الولايات المتحدة بمساندة عدد من الدول الحليفة لها.
وبالنسبة لطهران فإنّ تنصيب حكومة غير موالية لها في العراق لأوّل مرّة منذ سنة 2003 سيكون بمثابة ضربة كبيرة لنفوذها.
ومع بدء المشاورات والاتصالات بين الأطراف الحاصلة على مقاعد في البرلمان العراقي، ستكون طهران تحت ضغط الوقت لمنع خروج السلطة من يد حلفائها.
ويعتمد تشكيل الحكومة العراقية القادمة على تأليف الكتلة النيابية الأكبر عن طريق تحالف عدّة أطراف فائزة بالانتخابات.
التغيرات التي أحدثتها الانتخابات البرلمانية في المشهد السياسي العراقي، جاءت بالنسبة لإيران في اللحظة غير المناسبة التي تواجه طهران خلالها أكبر حملة لمحاصرة نفوذها في المنطقة بقيادة الولايات المتحدة، وتخشى صعود قوى عراقية ذات نوازع استقلالية قد تعمل على جرّ العراق بعيدا عن الفلك الإيراني ما يعني خسارتها إحدى أهمّ ساحات صراعها ضد واشنطن وحلفائها في الإقليم
ولا يبدو هامش التحرّك واسعا أمام طهران، إذ أنّ نتائج الانتخابات جعلتها أمام صعوبة جمع حلفاء لها في كتلة تمتلك الأغلبية التي تتيح لها تشكيل الحكومة.
ومن هذا المنطلق قد يصبح التعامل مع صعود مقتدى الصدر بالنسبة لإيران أمرا واقعا يحسن التعامل معه ومحاولة احتوائه ودفعه إلى التقارب مع حلفائها حتى يشاركوه تشكيل الحكومة القادمة وليكونوا بمثابة حرّاس لها من داخلها على غرار ما هو جار في لبنان حيث يقوم حزب الله بذلك الدور.
واجتمع الصدر بالعامري حيث شدّد زعيم التيار الصدري، بحسب بيان لمكتبه، على “ضرورة أن يكون قرار تشكيل الحكومة قرارا وطنيا وأهمية مشاركة جميع الكتل الفائزة التي تنتهج مسارا وطنيا في تشكيل الحكومة المقبلة”.
ونفى المتحدّث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، الإثنين، أن يكون تحالف “سائرون” المدعوم من زعيم التيار الصدري والفائز في الانتخابات العراقية الأخيرة، بصدد السعي لإخراج إيران من العراق.
وقال قاسمي في مؤتمر صحافي إنّ “ما يشاع عن أن سائرون في العراق يريد إخراج إيران من العراق أمر غير صحيح”.
وفازت قائمة ائتلاف “سائرون” بالمرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية العراقية بعد إعلان نتائج 16 محافظة من أصل 18، بحصوله على 54 مقعدا نيابيا، فيما حل ائتلاف “الفتح” الذي يتزعمه زعيم ميليشيا بدر هادي العامري الحليف لإيران بالمرتبة الثانية بـ47 مقعدا، بينما حلّ ائتلاف “النصر” بزعامة رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي في المرتبة الثالثة بـ42 مقعدا.
ويقول نائب سابق بالبرلمان العراقي إنّ “العقدة التي تحاول إيران القفز عليها تكمن في أن تحالف سائرون يقف خارج نظام المحاصصة الطائفية الذي كان يتيح لها موقعا مريحا في العراق من غير أن تبذل جهدا كبيرا في إقناع أطراف سياسية مهيمنة على الحكم للانضواء تحت مظلتها العقائدية ومن ثم السياسية”.
ويضيف المتحدّث ذاته “مع تركيبة سائرون والنصر سيكون ذلك الأمر عسيرا وبالأخص في ظل ما ينتظر إيران من أوقات عصيبة بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من الولايات المتحدة والآخذة في التصاعد والتوسّع” .
ويستدرك بالقول “إن من المبكر الحديث عن ملامح مستقبل إيران في العراق، ذلك لأنه سيكون جزءا من الطبخة العالمية التي تتعلق بمرونة إيران في تعاملها مع الشروط الأميركية المتعلقة بأي اتفاق نووي جديد يمكن إبرامه بينها وبين العالم. وهو أمر يقع خارج قدرة ائتلاف سائرون وسواه من الكتل السياسية العراقية المناهضة للوجود الإيراني. فأحد الشروط الأميركية يؤكد على احتواء الوجود الإيراني في المنطقة. وهو ما يعني إخراجها من العراق ومنعها من تمويل ودعم ميليشياتها”.
ولا يعلن مقتدى الصدر عداء صريحا لإيران ولا صداقة لغريمتها الولايات المتّحدة، لكنّه في المقابل يكشف عن نوازع استقلالية ويدعو إلى فصل القرار العراقي عن دوائر التأثير الخارجي. كما أنّه لم يخف خلافاته مع كبار القادة العراقيين الموالين لإيران على رأسهم المالكي، وعدد من قادة الميليشيات الشيعية التي كثيرا ما نعتها بـ”الوقحة”.
الإبقاء على حراس للنفوذ الإيراني داخل الحكومة العراقية القادمة على غرار الدور الذي يقوم به حزب الله داخل الحكومة اللبنانية
كذلك يبدي الصدر تقاربا في التوجّه العام مع العبادي الأمر الذي قد يدفع ائتلافيهما “سائرون” و”النصر” للتحالف وضم عدد من الائتلافات الأخرى لتشكيل الكتلة النيابية القادرة على تشكيل الحكومة.
ولم يبد الصدر ممانعة في تولي العبادي رئاسة الحكومة لولاية ثانية، لكنّه طرح شروطا بشأن الخطّ السياسي العام الذي يتوجّب أن تسلكه حكومته. ويلتقي الصدر والعبادي بشأن وجوب محاربة الفساد، وإضفاء نوع من التوازن على علاقات العراق مع دول الإقليم، ما يعني الانفتاح على دول الإقليم التي عملت طهران دائما على إقصائها من الساحة العراقية.
ولم يستطع العبادي خلال ولايته الأولى على رأس الحكومة سوى إدخال تعديلات جزئية على علاقات العراق الإقليمية، بالتواصل مع المملكة العربية السعودية التي زارها مرّتين.
لكنّ مراقبين يقولون إنّه إذا عاد مجدّدا لرئاسة الحكومة وكان مدعوما من قبل كتلة نيابية وازنة فإنّه يستطيع أن يمضي أبعد في تمتين العلاقات مع الدول العربية وفي مقدمتها السعودية، وهو ما لا ترغب فيه إيران.
العرب