كرجل دين شاب قليل الخبرة، وصاحب اسم عائلي أثقل وزناً من إنجازاته الخاصة، بدأ مقتدى الصدر مسعاه نحو صدارة المشهد العراقي بعد الإطاحة بنظام صدام حسين. واستند مسعاه إلى شعور بالقومية الناشئة محلياً، ومعارضة شديدة للهيمنة الأجنبية، ورغبة في القتال.
انتقد الصدر الشخصيات السياسية المدعومة من إيران أو التي يروج لها الأميركيون باعتبار أنها غير جديرة بالقيادة. وقال: “إن الناس الذين يستحقون أن يحكموا هم الذين ظلوا هنا”. وقام بإرسال الموالين له لمحاربة القوات الأميركية بشكل متكرر في السنوات الأولى للاحتلال الأميركي.
تعكس الأوصاف التي أطلقها عليه المسؤولون الأميركيون شهرته المتزايدة: فمع مرور الوقت، تحول من “مثير القلاقل” و”محرض الدهماء” إلى “الخارج على القانون”، والمطلوب للحكومة الأميركية.
والآن، أصبح الصدر في موضع يؤهله لنيل لقب جديد: صانع الملوك، بعد قيادة ائتلاف سياسي إلى ما بدا أنه صدارة مبكرة في الانتخابات الوطنية التي أجريت في العراق قبل أيام. ولم يخض الصدر الانتخابات بنفسه، لكنه ربما سيستطيع اختيار الزعيم العراقي التالي.
إذا صمدت نتائج الانتخابات الأخيرة، فإنها ستحقق تحوُّلاً مذهلاً في مسيرة الصدر، والذي يؤذِن بتحوله من زعيم مرهوب الجانب لميليشيا شيعية إلى زعيم سياسي شعبوي نبذَ الطائفية المتجذرة في العراق. ويمكن للتحالف الذي شكله من أجل الانتخابات، والذي يضم شخصيات شيوعية وعلمانية، أن يقلب النظام السياسي العراقي وأن يخفف من تأثير الولايات المتحدة، وكذلك إيران أيضاً.
لم يكن الشيء الذي أخرج الصدر من هامش السياسة المتمحورة على الشيعة عسكرياً ولا دينياً، وإنما كان احتضانه لموجة من المظاهرات الشعبية التي تحتج على نوعية الحياة والسياسة الراكدة في العراق.
يقول أحمد الميالي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، إن صورة الصدر تطورت من متشدد طائفي إلى زعيم شعبوي في أعقاب هجوم (داعش) في العام 2014، والذي ترك الجماعة الإسلامية السنية المتشددة مسيطرة على قسم كبير من شمال وغرب العراق. وقد استخدم الصدر سلطته التي يعتد بها لتعبئة مئات الآلاف من الناس للانضمام إلى حركة احتجاجات شعبية مستمرة تدعو إلى إجراء إصلاحات سياسية في البلد.
يقول ميالي: “بدأ يطالب بما يطالب به الشارع. وقد احتجّ معهم وخاطب جميع العراقيين بلغة بسيطة يفهمها الجميع. لغة ‘أنا واحد منكم. أنا لست من النخب’”.
وأضاف ميالي: “وقد منحه ذلك من المؤيدين أكثر مما كان لديه في السابق”.
في أعقاب الغزو الأميركي للعراق مباشرة في العام 2003، جاء الدعم الذي يتمتع به الصدر أساساً من اسمه البارز. كان والده، آية الله محمد صادق الصدر، رجل دين مبجل وبارز قامت قوات أمن صدام حسين باغتياله مع اثنين من أبنائه في العام 1999.
في فوضى ما بعد الغزو، نشر الصدر الأصغر أعضاء الشبكة التي كان قد أسسها والده لتزويد سكان الأحياء الفقيرة في بغداد بالمساعدات.
في كتابه “الليل يقترب” Night Draws Near، وهو تأريخه للغزو الذي قادته الولايات المتحدة في العراق وما أعقبه، كتب الكاتب ومراسل صحيفة الواشنطن بوست، أنتوني شديد: “في إخلاص لرؤية والده المتمتعة بالشعبية، أصبحت منظمته نوعاً من حركة الشارع، لتشكل المكافئ العراقي لحركة الباريو (الأحياء)، المتشبعة بنفور عميق من السلطة الشيعية التقليدية والقوة التي كانت تمثلها تلك العائلات”.
وكتب شديد أن الصدر كان متمايزاً عن المنفيين العراقيين العائدين الذين يبحثون عن السلطة في بغداد، لأنه بقي في العراق خلال أسوأ فترات القمع الذي مارسه صدام حسين.
وأضاف: “مثل الفقراء الشيعة، عانى الصدر من الخسارة والفقدان: والده، إخوته، والعديد من أقاربه الآخرين الذي كانوا شهداء المجتمع. وقد تكلم مثل المحرومين؛ حتى بدا مثلهم”.
تحولت لهجة خطابه –عن الثورة والمقاومة للنفوذ الأجنبي- إلى مواجهة عنيفة عندما قاد جيش المهدي التابع للصدر انتفاضات عديدة ضد قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في العديد من المدن العراقية، وأصبح واحداً من أكثر الميليشيات المرهوبة خلال سنوات الحرب الأهلية الطائفية في العراق.
بعد سنوات من التقاعد الذي فرضه على نفسه من السياسة، قام الصدر بعودة درامية إلى الأضواء قبل بضع سنوات، مرتبطاً بحركة تتظاهر ضد الفساد الذي تمارسه النخبة السياسية في العراق وداعياً إلى تشكيل حكومة جديدة.
بحلول شباط (فبراير) 2016، تولى الصدر دوراً مهيمناً في المظاهرات؛ حيث أظهر موهبته في سياسة التعامل مع مواقف حافة الهاوية، وترويج الذات وقدرته على قيادة الشارع. ونظم أنصاره احتجاجات جماهيرية قبل أن يقوموا باقتحام جدران المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد، حيث قام رجال ميليشياه التي أعيدت تسميتها لتصبح “ألوية السلام” بتأمين المحيط.
عندما دخل الصدر بنفسه إلى المنطقة الخضراء، كانت تلك لحظة غنية بالرمزية: ها هو رجل الدين المنشق، الذي استبعدته المؤسسة واعتبرته مدعياً، واستهزأ به الغربيون، يتمشى في قلب معقل النخب السياسية في العراق. والجنود الذين كانوا هناك لحراسة المكان عانقوه، وقبَّل أحد كبار الضباط يده.
في الخيام الاحتجاجية، أخرج الصدر من قبعته خدعة أخرى غير متوقعة: كسب ثقة الحركات العلمانية والإصلاحية لتشكيل تحالف غير عادي يتحدى النظام السياسي الجامح والمتصلب في العراق، والذي تمكن من تكريس بطاقته الانتخابية المتنوعة في الانتخابات الأخيرة.
كما كسب المزيد من الحلفاء لقاعدته السياسية المتنامية من المؤيدين -وهي حركة تتميز بنوع من الولاء الذي كان يتمتع به والد الصدر قبل جيل مضى، والذي سمح لرجل الدين الشاب بالخروج من ظل عائلته.ويقول ميالي: “إنهم يتبعونه لأنهم مقتنعون به”.
تامر الغباشي؛ وكريم فهيم
الغد