الصدر يخلع رداء “الثائر” ويخاطب المجتمع الدولي بلسان رجل الدولة

الصدر يخلع رداء “الثائر” ويخاطب المجتمع الدولي بلسان رجل الدولة

بغداد – تجاوزت الاتصالات السياسية المكثّفة التي يجريها مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري منذ إعلان فوز تحالف “سائرون” المدعوم من قبله بالانتخابات البرلمانية في العراق، طابع المحلية لتتّخذ بعدا دوليا، مع عقده الأربعاء اجتماعا في بغداد مع مبعوث الأمم المتحدة يان كوبيتش، في وقت يجري فيه الحديث عن فتح الولايات المتّحدة لقنوات اتّصال مع أعضاء في التحالف المذكور.

ووضعت نتائج الانتخابات الصدر وتياره في موضع يستطيع من خلاله لعب دور في السياسة العراقية خلال المرحلة القادمة، بما في ذلك إمكانية المشاركة الفاعلة في اختيار رئيس للوزراء وتحديد التوجّهات العامّة للحكومة.

وبالنسبة لقوى إقليمية ودولية، فإنّ الصدر الذي يحظى بقدر من الجماهيرية أكّدتها نتائج الانتخابات، يتمتّع بميزة هامّة قياسا بغالبية أعضاء العائلة السياسية الشيعية العراقية، وهي إظهاره قدرا من الاستقلالية عن إيران ذات التأثير الكبير في القرار العراقي، ومجاهرته بالرغبة في إرساء علاقات مختلفة مع طهران وباقي عواصم الإقليم تقوم على التوازن واستقلالية القرار العراقي.

وهذه الميزة قد تشكّل دافعا للولايات المتحدة التي دخلت عمليا في تنفيذ استراتيجية شاملة لمحاصرة إيران والحدّ من نفوذها في المنطقة، للتواصل مع مقتدى الصدر وتشجيع منحى الاستقلال عن دائرة القرار الإيراني التي يسلكها.

غير أنّ الإشكال بالنسبة لواشنطن يتمثل في أنّ الصدر لم يظهر منذ الغزو الأميركي للعراق ودّا لها وكان من دعاة مقاومتها، بما في ذلك حمل السلاح في وجهها، حتى بدا في هذا الجانب أقرب إلى المعسكر الإيراني.ويقول متابعون للشأن العراقي إنّ الصدر الذي واجه الكثير من الظروف الصعبة وخرج سالما من صراعات سياسية شرسة، يمتلك مرونة وحنكة وأيضا براغماتية تؤهله لتغيير خطابه “الثوري” وانتهاج خطاب رجل الدولة الأنسب للمرحلة الجديدة التي دخلها وللدور الذي يستعد لممارسته كأحد كبار قادة العملية السياسية في العراق وكصانع للقرار فيها.

ويرى مراقبون أنّ من حق مقتدى الصدر أن يستشعر الخطر ويعمل على تفاديه بكلّ السبل؛ فالرجل الذي خاض تياره معركتين منقصلتين، الأولى ضد القوات الأميركية في النجف والثانية ضد القوات الحكومية في البصرة يوم كان نوري المالكي رئيسا للوزراء، يعاني من شتى أنواع العزل والنبذ والتهميش من قبل أعضاء التحالف الوطني المشكّل من مجموعة الأحزاب الشيعية الحاكمة. والقبول به عضوا في ذلك التحالف لا يعني الموافقة على آرائه التي ينظر إليها الكثيرون باستخفاف، بل هو محاولة للحيلولة دون تهدم البيت السياسي الشيعي ومن أجل عدم إثارة استياء أتباع الصدر الذين يقدر البعض عددهم بسبعة ملايين فرد، وهو ما يعني أن الرجل يحظى بشعبية لا يحظى بها سياسي عراقي آخر.

وكما يُتوقع فإن دعوة الصدر إلى حل ميليشيا الحشد الشعبي بعد انتهاء معركة الموصل ستؤدي بالضرورة إلى ردود أفعال متشنجة من قبل دعاة تحويل الحشد الشعبي إلى قوة سياسية لإدارة البلد بأسلوب الطوارئ. وإذا عرفنا أن نوري المالكي وهو عدو دائم للصدر يتصدر صفوف المتحمسين للحشد الشعبي يمكننا أن نفهم دواعي شعور الصدر بدنو الخطر، ناهيك عن أن الصدر شخصيا لا يثق بإيران التي بدورها لا تثق به، بالرغم من أن طهران كانت ولا تزال حريصة على أن تغطي كل الفرقاء الشيعة بخيمتها. وانعدام الثقة بين الطرفين قد يشجع أطرافا شيعية على التمادي في عزل الصدر أو إلحاق الأذى به وتياره.

وأكد زعيم التيار الصدري، الأربعاء، خلال استقباله المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق يان كوبيتش على أهمية زيادة دعم ومساندة المجتمع الدولي والأمم المتحدة لخروج العراق من نفق الطائفية والمحاصصة.

وقال مكتب الصدر في بيان إنّه “عرض على كوبيتش آخر ما توصلت إليه النقاشات والحوارات المستفيضة حول تشكيل الحكومة المقبلة”.

ونقل البيان عن الصدر قوله “رؤيتنا للمرحلة القادمة أنها نابعة من رغبة جماهيرية وضرورة المرحلة لأن الشعب العراقي قد عانى الكثير من الفساد وسوء الخدمات، وأن يكون القرار وطنيا عراقيا”، مؤكدا “على أهمية زيادة دعم ومساندة المجتمع الدولي والأمم المتحدة لخروج العراق من نفق الطائفية والمحاصصة المقيتة ومنع التدخل في ملف الانتخابات حكوميا وإقليميا، وضرورة تقديم الدعم في المجال الانساني والخدمي في المناطق المحررة وبالأخص الموصل ومساهمة المنظمات الدولية في أخذ العراق وضعه الطبيعي في العيش الحر”.

العرب