لم يعد تصدر قائمة”سائرون” بزعامة السيد مقتدى الصدر، نتائج الانتخابات النيابية التي أجريت في 12 مايو/أيار الحالي بحصوله على 54 مقعدا. المفاجئة الوحيدة فيها، وإنما هناك مفاجئة أخرى وهي ان حزب العمال الكردستاني التركي حجز مقعدا داخل مجلس النواب العراقي من خلال يسرى رجب كمر مرشحة قائمة الجيل الجديد الكردية التي يتزعمها رجل الأعمال الكردي شاسوار عبد الواحد في مدينة السليمانية، وهي حركة كردية برزت مطلع العام الماضي كحركة معارضة للحزبين الرئيسين في إقليم كردستان العراق” حزب الديموقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكوردستاني”. وتترأس يسرى رجب كمر، حركة “حرية المجتمع الكردستاني” في منطقة كرميان التابعة لمدينة السليمانية، التي فازت في الانتخابات الأخيرة عن دائرة السليمانية، وتعدّ عملياً واحدة من كوادر “حزب العمال الكردستاني” المعارض لأنقرة، وهي تعمل أيضاً أستاذة جامعية وحاصلة على شهادة الماجستير في القانون الدولي العام.
وحركة “حرية المجتمع الكردستاني”، تأسّست عام 2014 من قبل حزب “العمال الكردستاني التركي” كواجهة له للعمل المدني والإعلامي، عقب سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على بعض محافظات العراق في حزيران/ يونيو عام 2014م ، ودخول مسلحي “العمال الكردستاني” إلى محافظة نينوى وعدد من المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، مثل الموصل وسنجار ومخمور. وجنّد “العمال الكردستاني” المئات من الأكراد العراقيين في السليمانية ودهوك ومناطق أخرى داخل إقليم كردستان وخارجه، مثل كركوك وسنجار، للعمل لصالحه، سواء ضمن العمل المسلح أو في جمعيات ومنظمات مختلفة، كما هو الحال مع حركة “حرية المجتمع الكردستاني”.
وتتهم هذه الحركة إلى جانب واجهات أخرى، بدعم حزب “العمال الكردستاني”، وتتبنّى خطاباً معادياً لتركيا، ولا سيما من خلال المواقع والصحف الإلكترونية التابعة لها، التي بلغ عددها حتى الآن أكثر من 10 مواقع إلكترونية. وفي هذا السياق، ويرى مختصون بالشأن الكردي، أنّ حركة “حرية المجتمع الكردستاني”، هي “امتداد أو بديل عن حزب الحلّ الديمقراطي الكردستاني الذي تأسّس عام 2002 في إقليم كردستان، كواجهة لحزب العمال، قبل أن ينحلّ عام 2012″، مضيفة أنّ الحركة “تعتبر تنظيماً سياسياً اجتماعياً يتخذ من أفكار عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني، مرجعاً فكرياً له، كما للحركة مقرات ومكاتب بعموم إقليم كردستان”. وأشار ناجي إلى أنّ أبرز مواقف الحركة هي “رفضها لإجراء استفتاء انفصال إقليم كردستان عن العراق، بالإضافة إلى المطالبة بخروج القوات التركية من الأراضي العراقية”.
وفي أول تصريح ليسرى رجب كمر بعد إعلان النتائج، أدلت لوسائل إعلام مقربة من حزب العمال الكردستاني بتصريحات مناهضة لتركيا، وقالت إن إحدى نقاط برنامجها في البرلمان هو جمع الأصوات المناهضة للتدخل الخارجي والاحتلال والتصدي لها. مضيفة أن «المادة الأولى من الدستور العراقي تؤكد على وطن موحد ذو سيادة، كما أن المادة الثامنة من الدستور تنص على أن العراق لا يسمح بأي تدخل من أية دولة». ودعت كمر بشكل صريح إلى مواجهة تركيا، وقالت إن «الدولة التركية اجتاحت أراضي العراق عشرات الكيلومترات وبنت ثكنات وقواعد عسكرية ولها نية سيئة، لذا يجب علينا إفشال هذا المخطط الاحتلالي و التصدي له». وتحفل الصفحة الرسمية لكمر بصور عبد الله أوجلان وأعلام “العمال الكردستاني” وشعاراته، فضلاً عن عرضها لقاءات مع قيادات الحزب وتناولها مواضيع تهاجم فيها عمليات تركيا في سورية والعراق ضد “العمال الكردستاني”.
ويحذر مراقبون للشأن العراقي من تبعات نجاح مرشحها، على محافظة السليمانية، كون الحزب مدرجاً على قوائم الإرهاب التركية والأمريكية. يشار إلى ان حزب العمال الكردستاني حاول سابقاً خلال الانتخابات السابقة ايصال مرشحيه إلى برلماني العراق وكردستان، لكن كافة محاولاته باءت بالفشل. ويرون سواء كان بحق أو لا، مصنف من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والحكومة التركية كتنظيم إرهابي، ومشاركة شخص محسوب على هكذا تنظيم في العملية السياسية بالبلاد سيكون لها آثار سلبية على العملية بأكملها، وليس مستبعداً أن تتقدم تركيا بدعوة قضائية ضد هذه المرشحة.
ويؤكدون أنه من الواضح أن حزب العمال الكوردستاني كان يعمل بكل ثقله لإنجاح مرشحته ضمن قائمة الجيل الجديد، حيث دعت قيادة جبل قنديل صراحة إلى انتخاب مرشحتهم».ويكشف نجاح يسرى رجب كمر عن اتساع تواجد ونفوذ الحزب، برضى من القوى المسيطرة على المحافظة، وهو الأمر ذاته الذي دفع بتركيا إلى عدم رفع الحظر عن مطار السليمانية الدولي. كما يكشف فوزها عن مدى تغلغل منظمات عسكرية إرهابية في داخل المؤسسات العراقية. وترى التحليلات السياسية ، إلى أن الاتحاد الوطني الكوردستاني دعم حزب العمال الكردستاني في مراحل سابقة بشكل كبير، حتى تمكن من الوصول إلى مجلس النواب العراقي، فنجاح هذه المرشحة سيكون له تأثير سلبي على الاتحاد الوطني، في الوقت الذي يسعى فيه الاتحاد لتحسين علاقاته مع تركيا، عدا عن الآثار السلبية التي ستترتب على كامل المحافظة، فتركيا حالياً هي لاعب أساسي في المنطقة، وليس من صالح إقليم كوردستان تدهور علاقاته مع تركيا أو إيران أو أي دولة أخرى بسبب العمال الكوردستاني».
وفي هذا السياق أيضًا ترى التحليلات السياسية إن العراق “وضعه حالياً أفضل، وهو لا يحتاج إلى تأزيم موقفه مع دول الإقليم المحيط به”، مضيفة أنّ التحزّب أكثر من اللازم، ومحاولة إبعاد العراق عن محيطه الإقليمي، أحدث خللاً في السابق ويجب ألا يتكرر، لأنه أخيراً ثبت أن المحيط الإقليمي مهم جداً للعراق. فعندما انفتحت علاقة العراق مع دول الجوار، وتحديداً مع تركيا والدول العربية وإيران، وجدنا أن البلد ذهب باتجاه الاستقرار والانتصار في الحرب على تنظيم داعش الإرهابي، وأعتقد أنه يجب على الجميع الالتزام بالقانون العراقي والالتزام بالخطاب السياسي العراقي الموحّد.
فالعراق في مرحلة ما بعد اندحار تنظيم داعش الإرهابي بأمس الحاجة على المستوى الداخلي إلى إعادة إعماره وإعادة بناء الوحدة الوطنية، والتماسك الشعبي، والالتفاف حول هدف حركة الإصلاح من أجل النهوض بالعراق، وعلى المستوى الخارجي العراق بأمس الحاجة أيضًا أن يحافظ على علاقات إيجابية مع دول الجوار الإقليمي كتركيا فليس من مصلحته معاداة دولة ذات وزن إقليمي مهم في منطقة الشرق الأوسط. فالعراق بحاجة إلى نواب يعملون من أجل خير العراق ورفعته وليس نواب ينفذون جدول أعمال لصالح أحزاب غير عراقية وتوصف إقليميا ودوليا على إنها إرهابية. ليس هذا ما يحتاجه العراق.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية