منذ أن انتُخب قائدا لحركة حماس في قطاع غزة في فبراير/شباط 2017، دأب يحيى السنوار (56 عاما) على الإدلاء بتصريحات مثيرة للجدل، لا سيما حول علاقة حركة حماس بإيران، والدعم الذي تقدمه للمقاومة الفلسطينية. وتتفاوت ردود الفعل الغاضبة -غالبا- بين من ينتقد مبدأ العلاقة مع طهران لأسباب مذهبية وسياسية، ومن يتجاوز البعد المذهبي لكنه يتحسس من توقيت هذه التصريحات، نظرا للصورة الذهنية السلبية التي خلقتها إيران في الوعي العربي في سوريا واليمن والعراق.
مديح السنوار السخي لإيران ودورها في دعم المقاومة الفلسطينية خصوصا في غزة، تكرر في أكثر من حديث إعلامي وحواري، فهل كان ذلك متعمدا، أم في سياق زلة لسان أو سوء تعبير، أو عدم إدراك لتبعات هذه التصريحات وردود الفعل المتوقعة عليها، حتى من قبل مقربين ومتعاطفين مع حماس.
السنوار عرف بنشاطه الأمني والعسكري منذ بداية تشكل النواة الأولى لحركة حماس في قطاع غزة وبدء عملها العسكري، وقضى بسبب نشاطه 24 عاما في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وأفرج عنه في صفقة الأحرار عام 2011، وكان محكوما عليه بأربعة مؤبدات. وقبل أن ينتخب رئيسا للحركة في غزة كان على رأس هرم قيادة كتائب القسام، وممثلها في المكتب السياسي لحماس.
طبيعة عمل الرجل في الجهاز العسكري لحماس واعتماد هذا الجهاز على الدعم العسكري الإيراني لسنوات طويلة في التدريب والتسليح والتمويل، يُسهّل فهم إصراره على الإشادة بالدعم الإيراني للحركة في كل مناسبة، حتى وإن رأى البعض غياب الدبلوماسية وسوء توقيت أو منسوب هذا المديح في ظل الظروف السياسية الراهنة في المنطقة.
الغزل الأحدث
أحدث تصريحات يحيى السنوار التي أثارت الجدل على وسائل التواصل الاجتماعي، وردت في حوار أجراه مع قناة “الميادين” الفضائية يوم 21 مايو/أيار الجاري وأكد فيها أن علاقة حركة حماس مع حزب الله اللبناني في أحسن أحوالها، ويجري التنسيق والعمل المشترك معه ضمن اتصالات شبه يومية بين الطرفين. كما أكد على قوة العلاقة مع قيادة الحرس الثوري الإيراني وقاسم سليماني، مشددا على أن إيران لم تقصر في دعم الحركة بكل أشكال الدعم منذ العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014.
ورأى الكاتب الفلسطيني الإسلامي ياسر الزعاترة أن السنوار “بالغ في المديح على نحو مستفز للأمة”، وأن خطابه لا ينطوي على الحد الأدنى من الحكمة، رغم تفهم حساسية وضع حماس بسبب الحصار المضروب عليها وعلى القطاع.
أما عزام التميمي -وهو ناشط فلسطيني مقرب من حركة حماس ومقيم في بريطانيا- فقد كتب تغريدة مطولة انتقد فيها سوء أداء السنوار إعلاميا، واعتبره غير موفق في تصريحاته. واعتبر ما ورد في حوار قناة “الميادين” تبييضا لصحائف إيران السوداء وحليفها حزب الله.
وطالب التميمي حركة حماس في غزة بإعفاء السنوار من الظهور الإعلامي، وهو ما رد عليه المغرد عزمي بالقول إن “كلام السنوار صحيح 100%، ولولا إيران ودعمها الله أعلم بالوضع”.
ومن خارج الدائرة الفلسطينية انتقد السياسي الكويتي وليد الطبطبائي تصريحات السنوار الذي “كال المديح لدولة الإجرام إيران”، معربا عن اعتقاده بأن إيران وإسرائيل وجهان لعملة واحدة. واستبق انتقاده بمديح حركة حماس، واعتبرها مهجة القلب وبؤرة العين، وأن الأمة كلها تدعم جهادها.
ولا تبدو هذه الانتقادات تعبيرا عن قناعات فردية محدودة، فوسائل التواصل الاجتماعي تفيض بالتعليقات المهاجمة والشاتمة أحيانا لتصريحات السنوار. وحتى من داخل منظومة حماس وصفها القيادي الأول، هناك من عبّر عن انتقاد حاد لإيران، فقد سبق لعضو المكتب السياسي موسى أبو مرزوق أن هاجم طهران في تسريب صوتي مسجل، ووصف دعمها للمقاومة بالكذب، قبل أن يغير موقفه ويعبّر بخلاف ذلك.
انتقادات حادة وجهت ليحيى السنوار على تصريحاته الممتنة لإيران في دعم المقاومة الفلسطينية (مواقع التواصل)
موقف حماس الرسمي!؟
هذه التصريحات لم تكن الأولى لقائد حماس في غزة يحيى السنوار حول الموقف من إيران، كما أنها لم تصدر عنه حصرا، فعدد من قادة الحركة في غزة سبق أن أشادوا بالدور الإيراني “الإيجابي” في دعم الحركة وكافة فصائل المقاومة بغزة.
القيادي الحمساوي محمود الزهار وفي أكثر من مناسبة، امتدح الدعم السخي ماليا وعسكريا للحركة والقطاع، في ظل التخلي -أو التآمر أحيانا- من قبل الأنظمة العربية تجاه حماس وبرنامجها المقاوم للاحتلال.
ومن القيادات العسكرية للحركة التي تناولت هذا الأمر، القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف والناطق باسمها أبو عبيدة، فقد عبرا بقوة عن ذات الموقف الممتن للدعم الإيراني للحركة، وهو ما يشير إلى أن الجهاز العسكري للحركة هو من أكثر المستفيدين من العلاقة مع إيران، وخصوصا الحرس الثوري المعني بدعم فصائل المقاومة، والمعني بعلاقة حسنة مع الجانب الإيراني.
ويبقى التصريح الأقوى دعما لما ورد على لسان السنوار، ما جاء في حديث صالح العاروري نائب رئيس حركة حماس لقناة “القدس” الفضائية في ديسمبر/كانون الأول 2017، حيث أكد أن الدعم الإيراني لكتائب القسام وفصائل المقاومة الأخرى لم يتوقف حتى في فترة انقطاع العلاقة السياسية بين حماس وإيران.
كما أكد العاروري الذي يمثل موقف الحركة الرسمي، أنه بينما تدعم دول عربية إسرائيل وتتآمر معها ليل نهار، “تقدم إيران الدعم لمواجهة الكيان الإسرائيلي، وتواجهه معنا ومع حزب الله”، مشددا في حديثه على أن حماس لا ولن تكون ضد حراك الشعوب وتطلعها إلى الحرية، لكنه دعا للوقوف إلى جانب كل ما يقوي مقاومة المشروع الصهيوني.
ما جاء على لسان العاروري بموقعه الرسمي في الحركة، يؤكد أن حديث السنوار -بموقعه الرسمي أيضا- يمثل الموقف الرسمي لحماس في توصيف العلاقة مع إيران وحزب الله، وليس زلة لسان أو سوء أداء إعلامي كما يتردد.
المصدر : الجزيرة