فرانكفورت/الرياض – لم تخرج العلاقات الألمانية السعودية من دائرة البرود منذ تصريحات غير محسوبة لوزير الخارجية الألماني السابق زيغمار غابرييل عن السعودية على خلفية إعلان رئيس الحكومة اللبنانية استقالته من الرياض قبل التراجع عنها، وسط حديث متزايد عن خيار سعودي يتم تنفيذه يقوم على استثناء الشركات الألمانية من الصفقات المختلفة.
وقالت مجلة دير شبيغل الألمانية إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أصدر أمرا بألا تتم ترسية أي عقود حكومية على شركات ألمانية بعد الآن، في دلالة على استمرار حالة الغضب من سياسة برلين الخارجية في الشرق الأوسط.
وتوترت العلاقات بين ألمانيا والسعودية في العام الماضي، واستدعت المملكة سفيرها في ألمانيا للتشاور بعد تصريحات لوزير الخارجية الألماني آنذاك زيغمار غابرييل عن الأزمة السياسية في لبنان.
ويقول مراقبون إن ألمانيا لم تسع في ما يبدو لتطويق تلك الأزمة، وأنها زادت في إرباك علاقتها بالسعودية من خلال حماسها للحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران دون مراعاة مصالحها في دول الخليج، مشيرين إلى أن برلين لم تستوعب أن نقطة الخلاف الرئيسية في الاتفاق تتعلق بأنشطة إيران في الشرق الأوسط وتهديدها للأمن الإقليمي.
وتنظر ألمانيا للحفاظ على الاتفاق من زاوية مصالح شركاتها في إيران دون أن تقرأ حسابا لمصالحها في دول الخليج، وبالذات في السعودية التي تتحرك بقوة وتستثمر وزنها الاقتصادي لخلق مناخ دولي معارض لأنشطة إيران المهددة للاستقرار في المنطقة، وهي النقطة التي فهمها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ويتحرك وفقها حفاظا على مصالح بلاده في دول الخليج.
وتتعامل السعودية مع ألمانيا بأنها المحامي الأوروبي للنظام الإيراني من دون تقديم أي مبادرات للتأثير على سلوكه الطائفي، وعلى تدخله لإثارة القلاقل في محيطه الإقليمي. وما يرجع استمرار البرود بين الرياض وبرلين أن تأثير الموقف الألماني في الملف الإيراني هو المؤثر الأكبر على السياسة الأوروبية.
والسعودية شريك تجاري كبير لألمانيا، حيث استوردت منها ما قيمته 6.6 مليار يورو (7.7 مليار دولار) في 2017، وفقا لمكتب الإحصاءات الألماني.
وقالت دير شبيغل، التي لم تنقل عن أي مصادر، إن الخطوة ستلحق الضرر على الأرجح بشركات كبرى مثل سيمنس وباير وبورينجر إنجلهايم وكذلك دايملر لصناعة السيارات.
وفازت سيمنس العام الماضي بطلبية قيمتها نحو 400 مليون دولار لتسليم خمسة توربينات غاز لمحطة مزدوجة لإنتاج الكهرباء والبخار يجري تشييدها في المملكة. وبعد فترة قصيرة، حصلت دايملر على طلبية من الشركة السعودية للنقل الجماعي (سابتكو) لشراء 600 حافلة من طراز مرسيدس-بنز سيتارو.
وقال رجل أعمال ألماني بارز في السعودية لرويترز، إن قطاع الرعاية الصحية على وجه الخصوص يشعر حاليا بمزيد من التدقيق حين يتقدم بطلب للمشاركة في عطاءات سعودية.
وأضاف “هم يسألون: من أين ستأتي المنتجات؟ هل هي مصنعة في ألمانيا؟ هل لديكم مواقع تصنيع أخرى؟ وبمجرد أن يكون المنتج ألماني الصنع، فإنهم يرفضون أي طلبات ألمانية لتقديم عطاءات”.
وكانت وكالة بلومبرغ للأنباء ذكرت في مارس الماضي أن هيئات حكومية أُبلغت بعدم تجديد بعض العقود غير الضرورية مع شركات ألمانية.
ونقلت الوكالة عن مصادر قولها إن تفويضات لدويتشه بنك في المملكة من بين الأنشطة المعرضة للخطر، بما في ذلك دور محتمل في الطرح العام الأولي لأرامكو السعودية، الذي قد يكون أكبر بيع لأسهم على الإطلاق.
وكان المدير التنفيذي لغرفة التجارة الخارجية الألمانية في الرياض، أوليفر أومس، صرح منذ أيام بأن الشركات الألمانية في الرياض يساورها “قلق بصورة متزايدة” على أعمالها التجارية.
وبدأت أزمة صامتة بين الرياض وبرلين ثم تصاعدت قبل ستة أشهر، بعدما انتقد زيغمار غابرييل وزير الخارجية الألماني السابق المملكة العربية السعودية بعبارات واضحة في ذلك الوقت. واستدعت المملكة حينها سفيرها من برلين إلى الرياض احتجاجا على ذلك.
وحتى الآن لم تتم إعادة إرسال السفير السعودي الأمير خالد بن بندر بن سلطان بن عبدالعزيز آل سعود إلى العاصمة الألمانية.
وظلت محاولات الاسترضاء من الجانب الألماني بلا جدوى -على ما يبدو- بما في ذلك مقابلة لغابرييل قبل أن يتم تعيين بهايكو ماس خلفا له، خفف خلالها من حدة نبرته بشكل واضح. ولكن يبدو أن استياء السعوديين ذهب إلى مكان أعمق.
وقال أومس “شركاؤنا السعوديون لديهم انطباع بأن ألمانيا تمتنع عن الاعتراف بإصلاحاتهم التاريخية”.
العرب