شهدت الأسواق العراقية خلال الأيام التي سبقت بدء شهر رمضان المبارك زيادة ملحوظة في نسبة إقبال الزبائن على شراء السلع، متجاهلين أي طارئ يستدعي التقشف. واعتاد العراقيون منذ عقود طويلة على سياسات تتحكم بطريقة معيشتهم وإنفاقهم، بحسب الظروف التي تمر بها البلاد، فتجد المواطن العراقي يلجأ في ظروف معينة إلى الادخار السلعي والتقشف في النفقات واستخدام البدائل السلعية، وفي ظروف أخرى يتجه نحو ادخار الأموال والذهب كنوع من الضمانات لمستقبل غامض.
وفي جولة على عدد من الأسواق المركزية التي تعد عصب التجارة العراقية، ومنها سوقا الجملة «الشورجة» و «جميلة»، التي تعتمد عليها كل أسواق المحافظات الأخرى في تأمين سلعها المصنعة داخل العراق وخارجها، ظهرت حركة تبضع كبيرة خلال الأيام التي سبقت حلول شهر رمضان المبارك. وكان التوجه نحو شراء الأغذية الضرورية لرمضان مثل الرز والبقول والسكريات والمكسرات والعصائر.
وقال التاجر لطيف الباوي في تصريح إلى «الحياة» إن «حركة السوق في شهر رمضان أفضل كثيراً من السنوات الماضية، حين سجلت حالات تقشف وإحجام عن التبضع بسبب الحرب مع تنظيم داعش وخشية الناس من مستقبل مجهول، وفضلوا ادخار الأموال والمواد الغذائية». وأضاف: «أسعار السلع حالياً لا يحددها التجار، كما لا توجد قوانين تنظم هذه العملية وتمنع الاحتكار والتلاعب بالأسعار أو استغلال المواطنين ببضائع غير رصينة، بل المنافسة تتحكم بكل شيء تقريباً، إذ أصبح المستهلك هو الذي يسيّر التاجر لجهة السلع التي يرغب بها وأسعارها وجودتها، وعلى رغم ذلك تشهد السوق أحياناً هزات ناجمة عن تصرفات بعض التجار الجشعين الذين اعتادوا الغش».
وأكد الخبير الاقتصادي رحيم الشمري أن «حجم الإقبال على الشراء يحدده أولاً وأخيراً حجم الدخل الإجمالي والدخل الحقيقي، ولكن في شهر رمضان هناك شبه تنظيم للموضوع، إذ يضطر رب العائلة إلى الادخار أو التقشف في شهور أخرى أو الحصول على قرض بهدف الإبقاء على إنفاق مرتفعاً خلال هذا الشهر».
واستبعدت اللجنة الاقتصادية في مجلس محافظة بغداد ارتفاع الأسعار في الأسواق المحلية خلال رمضان الحالي، مؤكدة أن إجراءات التقشف دفعت باتجاه الحفاظ على استقرار الأسعار لأن المواطن قلل نفقاته مقارنة بالسنوات الماضية.
وأعلنت وزارة التخطيط تراجع معدل التضخم السنوي 0.8 في المئة، والشهري 0.3 في المئة. وأكدت في بيان أن «انخفاض التضخم الشهري جاء نتيجة تراجع أقسام التبغ والنقل 0.2 في المئة لكل منهما، والسكن 1 في المئة، والاتصال والسلع والخدمات المتنوعة 0.3 في المئة، لكل منهما، والمطاعم 0.1 في المئة». وأضافت أن «عملية جمع الأسعار لشهر آذار (مارس) الماضي شملت كل المحافظات العراقية باستثناء محافظة نينوى بسبب الأوضاع فيها».
وكان الناطق الرسمي باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي أكد أن «نسبة دخل الفرد العراقي قبل عام 2003 كانت تبلغ نحو 300 دولار سنوياً»، مشيراً إلى أن «نسبة الفقر ارتفعت إلى 22 في المئة حالياً بسبب الأزمة الاقتصادية الناتجة عن تراجع أسعار النفط، فيما تبلغ نسبة متوسطي الدخل وميسوري الحال 78 في المئة». وأوضح أن «المتوسط العام لدخل الفرد العراقي ارتفع ما بين ستة وسبعة آلاف دولار سنوياً أخيراً، ما شجع على تحرك الاقتصاد واندفاع آخرين من ميسوري الحال نحو شراء العقارات في الخارج».
وأكد أن «ارتفاع معدلات دخل الفرد لا تعني بالضرورة تحسن مستواه المعيشي، بل على وزارة التخطيط تبيان الفرق بين دخل الفرد النقدي والدخل الحقيقي لمعرفة مستوى الرفاهية التي بلغها الفرد». وأضاف: «مقارنة بسيطة تعتمد مقدار السلع والخدمات التي يحصل عليها المواطن مقابل 500 أو 600 دولار شهرياً، تظهر أن المبلغ لا يكفي لإعالة عائلة مؤلفة من 5 أفراد لمدة شهر واحد». ولفت إلى أن «معدلات تضخم أسعار السلع والخدمات تثبت أن غالبية العائلات العراقية لجأت إلى التقشف الحاد واستبعدت الكثير من الفقرات الرفاهية، في حال اعتبرنا أن لهذه العائلة مصدر دخل واحد يتراوح بين 500 و700 دولار شهرياً».
إلى ذلك وافقت اللجنة العليا لسياسات التخفيف من الفقر على المشروع الطارئ لدعم الاستقرار الاجتماعي والصمود لقرض البنك الدولي، على أن يوزع على مشاريع التشغيل والقروض لأغراض العمل. وكشف البنك الدولي أخيراً عن توقعاته وتقديراته للاقتصاد العراقي خلال العام الحالي، حيث طغت المؤشرات الإيجابية على المشهد، على رغم تحذيرات من هشاشة الوضع بسبب أخطار محدقة.
وتوقع التقرير تسارع وتيرة النمو بفضل تحسن الأوضاع الأمنية، إذ بلغ 4.4 في المئة في القطاع غير النفطي عام 2017، على رغم البطء في نشاطات إعادة الاعمار بسبب تداعيات الحرب وانخفاض أسعار النفط، وسط آمال معقودة على عمليات إصلاح هيكل الاقتصاد ومعالجة مشكلة النزوح، إذ لا يزال 10 في المئة من العراقيين يعانون النزوح.