أنقرة – قال المرشح لانتخابات الرئاسة التركية محرم إنجي، في حوار مشترك مع موقع “أحوال تركية” وصحيفة “العرب”، إن تركيا تحتاج إلى مصالحة عاجلة بعد 16 عاما من حكم حزب العدالة والتنمية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، وإنه يملك خططا لإنقاذ الليرة من التدهور المتسارع الذي تعاني منه، والذي كان سببا رئيسيا للدعوة إلى انتخابات مبكرة ستجرى الشهر المقبل.
ووعد إنجي مرشح حزب الشعب الجمهوري الذي شكله مصطفى أتاتورك عام 1923 بإعادة الآلاف من الأكاديميين والمعلمين الذين أصدر أردوغان قرارا بفصلهم من وظائفهم بسبب آرائهم السياسية من دون أحكام قضائية، بعد محاولة انقلاب فاشلة على حكمه في صيف 2016.
وفاجأت أحزاب المعارضة، المنقسمة على نفسها عادة، الكثيرين بالمسارعة إلى تقديم جبهة موحدة ضد أردوغان. وبفضل حملته النشطة وبرنامجه الإصلاحي، برز محرم إنجي مرشح حزب الشعب الجمهوري حزب المعارضة الرئيسي، ليس فقط باعتباره الأوفر حظا بين مرشحي المعارضة وإنما كمنافس جاد لأردوغان نفسه.
ويستغل إنجي التناقض الذي اتسمت به سياسات أردوغان الاقتصادية وتسبب في تراجع حاد في سعر صرف الليرة، أثر بشكل مباشر على حياة الأتراك العاديين، لكسب نقاط في انتخابات تقول معظم استطلاعات الرأي إنها ربما تصل إلى مرحلة ثانية يتنافس فيها أردوغان وإنجي.
وقال إنجي “أعددنا حزمة عاجلة للإصلاح الاقتصادي تهدف إلى التصدي لهبوط الليرة وخدمة الدين هذا العام. في الوقت الحالي، نحاول التخطيط للعام القادم يوما بيوم”.
وأضاف “يمكن للبنك المركزي أن يوقف هبوط الليرة مؤقتا فقط من خلال رفع أسعار الفائدة، لأنه ليس صحيحا أن انخفاض قيمة العملة ينبع في الأساس من كون أسعار الفائدة مرتفعة للغاية أو منخفضة للغاية. لذلك، فسوف يتدخل البنك المركزي، لكن الأشياء التي ينبغي فعلها حقا موجودة في المجالين السياسي والقانوني”.
وأكد أن تركيا تحتاج على الفور إلى انتشالها من وضع سياسي يولد غموضا اقتصاديا، وينبغي التعامل مع اقتصادها من خلال مؤسسات مستقلة وقائمة بذاتها. وقال “فريقي الاقتصادي مستعد، ونحن نعمل معا منذ وقت طويل”.
ويمتاز إنجي بقدرته على الخطابة وحشد الدعم السياسي بين الجماهير. ومنذ إعلانه الترشح، زار زعيم حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد صلاح الدين دمرداش في السجن، تعبيرا عن مساندته للأكراد، الذين يواجهون حملة قمع كبرى على يد أردوغان. كما طرح نفسه “مرشحا لكل الأتراك”.
وقال إنجي إن حلّ التعامل مع الأقليات في البلد “مرتبط بإرساء تقاليد ديمقراطية قوية في تركيا. ولذلك فلا توجد حاجة إلى أي إصلاحات نوعية تتعلق بتلك القضايا. ينبغي على الدولة ألا تعامل هؤلاء المواطنين بشكل مختلف بسبب عرقهم أو اعتقادهم الديني أو أي سمات أخرى مشابهة. مثل هذا النهج من شأنه فعليا أن يخلق وضع أقلية لتلك الجماعات يستند إلى هويتها الدينية أو العرقية”.
وأكد أنه “مع تزايد الحريات وتعزيز سيادة القانون وإزالة العراقيل التي تمنع المواطنين من ممارسة حقوقهم، كل تلك المشكلات ستنتهي. الهويات الدينية والعرقية المتنوعة يمكن أن تتعايش في مكان تحكمه عقلية تعددية قوية”.
لكن في حال فوزه سيضطر لمواجهة إرث كبير من القمع، ليس للأقليات على أسس المعتقد أو العرق، لكن أيضا لعشرات الآلاف من المعارضين السياسيين الذين ألقت بهم حكومة أردوغان في السجن، أو فقدوا وظائفهم أو صودرت ممتلكاتهم وأموالهم.
وقال محرم إنجي “الناس يبلغون موقعا ما من خلال المهارات والتجارب التي يكتسبونها من خلال التعليم. لكي تصبح مهندسا أو معلما أو أكاديميا ينبغي لك أولا المرور بفترة تدريب طويلة. ولهذا ينبغي ألا تتدخل وجهات النظر السياسية عندما يتم اختيار مرشحين للقيام بدور ما، وينبغي ألا تكون مبررا أيضا لفصل شخص من العمل”.
وأضاف “لكن هذا ما حدث مع الكثيرين من الأكاديميين المفصولين من العمل في تركيا، الذين فقدوا وظائفهم لتعبيرهم عن آرائهم (على سبيل المثال من خلال توقيع عريضة تنتقد حملة تركيا على المسلحين الأكراد في جنوب شرق البلاد)، لم يفقد معلمونا وظائفهم فحسب، بل إنهم منعوا أيضا من العثور على وظائف جديدة”.
وقال إنجي “أنا شخصيا ضد نشر الأكاديميين للعريضة وضد محتواها. لكن معارضتي لا تجعل ولا يمكن أن تجعل أفعالهم جريمة. يمكنك أن تدلي برأيك، تنتقد وحتى تستنكر ما فعلوه، طالما أنك لا تشجع على العنف. لكن من الخطأ النظر إليهم باعتبارهم أعضاء في منظمة إرهابية أو متعاونين معها”.
وأكد إنجي “هؤلاء الأكاديميون والمعلمون الذين فصلوا من أعمالهم بسبب آرائهم السياسية فقط ومن دون حكم قضائي ستتم إعادتهم إلى وظائفهم”.
ولعبت أجهزة الأمن دورا محوريا في حملة القمع الواسعة التي تشهدها تركيا، بعدما تمكن أردوغان من ضمان ولائها المطلق عبر حملة تطهير واسعة، خصوصا من أنصار رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة وحليف أردوغان السابق فتح الله غولن.
ومهد أردوغان بذلك لاستفتاء على تحويل تركيا من نظام الحكم البرلماني إلى الرئاسي، في استفتاء أجري في أبريل 2017.
وتعهد إنجي لـ”أحوال تركية” و”العرب” بإعادة فتح المدارس العليا العسكرية في حال تولى منصب الرئيس، لكنه قال أيضا إنه لا يخطط شيئا للمؤسسات الأمنية الأخرى. وأكد “لا يهم كيف حصل هؤلاء الضباط على مناصبهم الحالية، بدلا من التشكيك في ذلك، نحن بحاجة إلى ضمان أن يتصرفوا الآن وفقا للقانون”.
ولكي يتغلب على أردوغان، سيتعين على إنجي في حال وصوله إلى جولة الإعادة في الانتخابات التي ستجرى في 26 يونيو المقبل، التوصل إلى اتفاق للتحالف مع قوى سياسية أخرى تعارض أردوغان خلال 24 ساعة فقط من إعلان النتيجة، وفقا للقواعد التنظيمية للانتخابات.
ولم يفصح إنجي عن خططه للتوصل إلى اتفاق مع القوى السياسية الأخرى. وقال “هذا موضوع ستتم مناقشته عندما يحين ذلك الوقت. ما أخطط له هو الفوز بالانتخابات في الجولة الأولى”.
كما عارض دعوة زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي بإصدار عفو عام على جميع المعتقلين. وقال محرم إنجي “المصالحة لن تتحقق نتيجة عفو.. الحل ليس في العفو وإنما في العدالة. وأن تجرى التحقيقات بشكل سليم وتصدر المحاكم أحكامها بإنصاف وبما يتفق مع القانون”.
العرب