شذى خليل*
يعاني العراق منذ سنوات من انخفاض معدلات المياه المتدفقة و مناسيب نهري دجلة والفرات ، من الجارتين تركيا وإيران، وحذرت الحكومة العراقية من تداعياته على مياه الشرب والزراعة، وتتأهب لدخول حرب مياه ضد كل من تركيا وإيران بدعوى قيامهما بشكل متزامن بقطع عدد من روافد دجلة والفرات وتقليل حصة العراق من مياه النهرين.
وأكدت مصادر في الحكومة التركية ،انها أكملت العمل الأساسي بسد “أليسو” على نهر الفرات، إن السد الذي يقع جنوبي الأناضول يمتلك طاقة تخزين هائلة تقدر سعتها بـ 10.4 مليارات متر مكعب، مما يؤثر على الإطلاقات المائية لنهر دجلة.
اما بالنسبة الى ايران فهي أيضا خفضت واردات المياه لروافد نهر دجلة (الزاب و العظيم و ديالى ) بسبب المشاريع والسدود التي اقامتها على منابع الروافد خلال الاعوام الماضية.
حيث قامت ببناء سد داريان على نهر سيروان احد منابع الأنهر اللتي تصب في يَصْب في بجيرة سد دربندخان ، و يشمل نفق يبلغ طوله 47 كم، و يحول مسار نهر سيروان وهذا يسبب مصدر قلق للعراقيين، خصوصا بعد ات تعطل سد دربندخان بعد زلزال العام الماضي اً.
استمرار الازمة
ويحذر خبراء من استمرار وتفاقم أزمة الجفاف في العراق، والتي أدت إلى انخفاض واضح في مياه دجلة والفرات، أدى إلى انحسارهما بشكل شبه كامل، كما حصل في فبراير/شباط الماضي بعدد من مدن وقرى محافظة ميسان جنوبي البلاد، عدم وجود خزانات مياه داخلية وعدم استغلال المياه الجوفية وقلة السدود فاقم الازمة بشكل كبير.
وقال رئيس المركز الإنمائي للطاقة والمياه في العراق ، ليث شبر إن من المحتمل أن ينخفض منسوب نهر دجلة إلى اكثر 50% عن وضعه الحالي، إذا لم تتدخل الحكومة ، وبما ان الأوضاع السياسية والأمنية غير المستقرة في البلد ” بالحرب ضد التنظيم الإرهابي داعش وتحرير المناطق ” بالإضافة الى المشاكل الداخلية وقلة الإيرادات والفساد الإداري والمالي و وعجز في الميزانية العامة للدولة، مما انعكس على اهمال هذا الملف.
ووصف شبر ، ان أزمة المياه عالمية، و من المفترض وجود خطة استراتيجية للتعامل مع هذا الوضع، وتجهيز البدائل وتحذير المواطنين بوقت مبكر.
وكشف رئيس لجنة الزراعة والمياه في البرلمان العراقي فرات التميمي أن أزمة المياه تتفاقم و لا توجد لها حلول جذرية، موضحاً أن الأمطار الأخيرة “أسعفتنا وصار لدينا مخزون جيد في البحيرات والسدود والخزانات .
وأضاف: “لكن تبقى إجراءات الحكومة دون الطموح في هذا الملف حتى الآن، كما أنه لم توضع خطة طوارئ لتقليل الاستهلاك
واتهم التميمي إيران وتركيا بالاستفادة من ضرب القطاع الزراعي كون العراق سيزيد الاستيراد منهما، واستغرب من غياب دور وزارة الخارجية بشكل كامل فيما يخص هذا الملف وقال: “نحن نسجل تحفظا على وزارة الخارجية لأنه لا يوجد لديها أي دور في ملف المياه وخصوصاً مع دول الجوار .
من جانبه وزير الموارد المائية العراقي حسن الجنابي إن هناك مخاوف من تعرض مناطق جنوب العراق إلى جفاف كبير، بسبب شح المياه في الصيف الحالي ، ضمن مناطق جنوب العاصمة بغداد ومدينة الناصرية ومدن أخرى، ومن المتوقع أن يشهد جفافاً قاسياً في العراق نتيجة الحرارة الشديدة المتوقعة وارتفاع نسبة التبخر وكل المؤشرات تدل على ذلك.
دجلة والفرات
ارتبط وجود العراق بحضاراته القديمة والحديثة بنهري دجلة والفرات، فهما مصدر النماء والبقاء لبلاد ما بين النهرين.
وينبع نهر دجلة من جبال طوروس جنوب شرق الأناضول في تركيا، ويمر على الحدود العراقية مع سوريا بمسافة ٢٨ كلم من مدينه القامشلي ليدخل العراق عند بلدة فيشخابور ثم الموصل وصولا إلى بغداد متوجها إلى أقصى الجنوب حتى القرنة حيث يشكل مع نهر الفرات شط العرب الذي يصب في الخليج العربي.
ويغذي نهر دجلة مجموعة كبيرة من الروافد النابعة من الأراضي الإيرانية والتركية الحدودية مع العراق منه والزاب الكبير والزاب الصغير والعظيم ونهر ديالى، وهذه الروافد تمثل ١٠ بالمائة من مياه النهر و ثلثين تأتي من ينابيع الأناضول التركية ويعيش بمحيطه حاليا أكثر من 20 مليون عراقي، حيث يعتبر المصدر الأول لمياه الشرب والزراعة والصناعة.
أما الفرات فهو أطول نهر في المنطقة العربية وينبع من جبال طوروس في تركيا، وتنضم إليه عدة روافد قبل دخوله الأراضي السورية عند مدينة جرابلس مرورا بدير الزور ثم البو كمال، ومنها يدخل العراق عبر مدينة القائم بمحافظة الأنبار غربي البلاد مرورا بالفلوجة ثم يتجه إلى مناطق محاذية لبغداد ثم جنوب العراق ليلتقي مع دجلة في البصرة أيضا، ويعتبر الفرات والنيل في مصر أغزر نهرين عربيين، حسب تقارير دولية.
خطر شح المياه
وحسب مستشار وزارة الموارد المائية ظافر عبد الله فإن العراق يمر بسنة مائية شحيحة، قلت فيها الإيرادات المائية عن معدلاتها العامة، بحيث أصبحت لا تلبي حاجات الاستهلاك الطبيعي.
واضاف عبد الله أن الحكومة كثفت من مفاوضاتها مع الجانب التركي من أجل زيادة الإطلاقات المائية في نهر دجلة، وأدت هذه المباحثات إلى موافقة أنقرة على المطلب العراقي بتأجيل العمل على اكتمال سد أليسو إلى يونيو/حزيران بدلا من موعده السابق في مارس/آذار المنصرم.
وتم الاتفاق مع الحكومة التركية قبل نحو أسبوعين على زيادة منسوب نهر دجلة من 60 إلى 90 مترا مكعبا، عبر زيادة الإطلاقات المائية.
وفي هذا السياق، أكد وزير عراقي بارز بحكومة حيدر العبادي رفض ذكر اسمه ، أن العراق يعتبر سياسة إيران وتركيا الحالية بمثابة إعلان حرب وخاصة مع صدور أرقام وتقارير تشير إلى تصحر أكثر من ربع مليون هكتار زراعي (الهكتار = 10000 متر مربع) في العراق بفعل الجفاف الذي ضرب مدن جنوب العراق خلال الأشهر الماضية.
وأكد الوزير، أن مجلس الوزراء شكل لجنة عليا والتي تشمل ممثلين من وزارات الخارجية والموارد المائية والزراعة والصناعة والداخلية لبحث الإجراءات اللازمة لمواجهة الأزمة شبه ما تكون بخلية أزمة لبحث الرد أو التصرف المناسب حيال تلاعب الجيران بحصة العراق المائية خلاف المعاهدات والمواثيق الدولية.
وبين ان “تركيا وإيران سرقتا من حصة العراقيين المائية، الأولى عبر بنائها سدودا على دجلة والفرات، والثانية عبر تحويل مجرى روافد دجلة إلى بحيرات وأنهر داخلية وتحريف مساره ومنعه من دخول العراق.
وأن ما لا يقل عن 30 نبع ماء من إيران تم تحريف مجراها من قبل الإيرانيين، وهناك حتى الآن 17 قرية جنوب العراق وشماله بدأت فيها هجرة من قبل السكان بفعل شح المياه خاصة أنهم يعيشون على صيد السمك والزراعة”.
وتوقع مستشار مركز التخطيط الحضري والريفي بالعراق محمد عبد اللطيف العمري أن تبلغ خسائر العراق في مجمل القطاعات المتضررة من الجفاف خلال العام الحالي أكثر من 10 مليارات دولار.
وأشار العمري الى أن الجانب التركي يرفض حتى الآن اعتبار دجلة والفرات نهرين دوليين مشتركين بين ثلاث دول هي تركيا وسورية والعراق، ويصر على أنها أنهر تركية، وهذا ما يعيق أي تحرك دولي بهذا الإطار خاصة في مسألة بناء السدود والقضية ولا يمكن أن تتحول إلى ملف مثل نهر النيل وأزمة مصر مع دول الجوار.
و أن “الخسائر لن تقتصر على المادية فقط بل ستكون لها آثار وخيمة على المجتمع والتغيير الديمغرافي الذي سيطرأ في مدن الجفاف”.
ويرى الخبراء أن “أزمة المياه خطيرة جداً وتنذر بحروب مياه داخلية بين المحافظات وأخرى بين الدول كون قضية المياه خطرة، وتتجه نحو حروب مياه شرسة.
وفي السياق ذاته: طالب النائب عن التحالف الوطني أحمد صلال الحكومة العراقية، بالضغط اقتصادياً على تركيا لضمان توفير كميات مناسبة من المياه للعراق، واقترح تدويل قضية أزمة المياه وعرضها أمام الأمم المتحدة، لأنها تنذر بكارثة بيئية وإنسانية في العراق.
تدهور الزراعة في ظل الازمة :
اما خبراء الزارعة في العراق ، فانهم يرون ، إن حرب المياه “بدأت منذ فتره ليست بالقصيرة حيث قامت إيران بقطع 38 رافدا مائيا كانت تصل للعراق وأدخلتها لبلدها، أما بالنسبة لتركيا، فمنذ سنين طويلة بدأت تخفض مناسيب نهر الفرات إلى أن وصل إلى نسب متدنية جداً
وان بناء سد أليسو وستقطع اكثر من 45 % من إيرادات نهر دجلة القادمة إلينا من تركيا، وعلى العراق مطالبة ايران تفعيل اتفاقية شط العرب.
أوضح الخبير الجيولوجي العراقي إبراهيم المرشدي، أن إيران عملت على تغيير مجرى مياه الأنهر المغذية لنهر دجلة إلى أنهر وخزانات جديدة داخل أراضيها ضمن خطة لقطع المياه المتدفقة إلى الأراضي العراقية، وقطعت إيران المياه عن نهري الوند المار عبر مدينة خانقين (في محافظة ديالى شمال شرقي بغداد) ونهر الزاب الصغير في مدينة السليمانية شمال العراق.
ويرى عضو لجنة الزراعة والمياه والأهوار في البرلمان العراقي محمد الصيهود ، أن الحكومة هي التي تتحمل أزمة المياه هذه، بسبب إخفاق سياستها في التعامل مع دول المنابع تركيا وإيران.
ويشير إلى أن عدم وجود خزانات مياه داخلية وعدم استغلال المياه الجوفية وقلة السدود قد أسهمت في تفاقم الأزمة، وتناقص استحقاقات العراق من مياه النهرين التي تصل إلى 75%، على حد قوله.
اذ تعاني الزراعة في العراق -وفقا لمختصين- من الاعتماد على الأساليب التقليدية، وهو ما يسهم في تناقص مستوى الأنهار، بسبب قيام الفلاحين بسحب كميات كبيرة من المياه بالمضخات “الري السيحي”، وهو ما يؤدي إلى زيادة في الاستهلاك بدلا من الاعتماد على التنقيط ووسائل الري الحديثة الأخرى.
ويقول الصيهود إن على الحكومة العراقية استخدام أوراق ضغط على دول المنابع لغرض الحصول على كامل استحقاقات البلاد المائية، وذلك عن طريق التلويح بخفض التبادل التجاري مع أنقرة، الذي يصل إلى أكثر من عشرين مليار دولار سنويا.
واعتبر الصيهود أن المفاوضات بين بغداد وأنقرة ليست بذات قيمة كبيرة، لأنها يجب أن ترتقي لتتم مع المسؤول الأول عن ملف المياه في تركيا، وهو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وليس بين وزارتي الموارد المائية، كونه ملف خطير.
وبالإضافة إلى ذلك فإن على الحكومة التحرك لبناء سدود جديدة لاستيعاب المياه التي تذهب هدرا إلى الخليج دون الاستفادة منها بشيء
ويشير إلى أن عدم وجود خزانات مياه داخلية وعدم استغلال المياه الجوفية وقلة السدود قد أسهمت في تفاقم الأزمة، وتناقص استحقاقات العراق من مياه النهرين التي تصل إلى 75%.
اذ تعاني الزراعة في العراق -وفقا لمختصين- من الاعتماد على الأساليب التقليدية، وهو ما يسهم في تناقص مستوى الأنهار، بسبب قيام الفلاحين بسحب كميات كبيرة من المياه بالمضخات “الري السيحي”، وهو ما يؤدي إلى زيادة في الاستهلاك بدلا من الاعتماد على التنقيط ووسائل الري الحديثة الأخرى.
وأضاف الصيهود، ان على الحكومة العراقية استخدام أوراق ضغط على دول المنابع لغرض الحصول على كامل استحقاقات البلاد المائية، وذلك عن طريق التلويح بخفض التبادل التجاري مع أنقرة، الذي يصل إلى أكثر من عشرين مليار دولار سنويا.
يبدو أن أزمة المياه ستبقى خطرا داهما يهدد العراقيين بالجفاف والعطش مالم تبذل جهود حقيقية ومحاولات التدارك والإنقاذ، وتتطلب وقفة جادة ، في اتخاذ عددا من التدبيرات الاحتياطية لمواجهة خطر الجفاف، وحل المشكلة بالطريق المفاوضات السلمية ، واذا تعذر ذلك فيجب الحكومة العراقية تدويل قضية أزمة المياه وعرضها أمام الأمم المتحدة، لأنها ستتسبب بكارثة بيئية وإنسانية تعيشها محافظات العراق
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية