تمر اليوم الذكرى الواحدة والخمسون لهزيمة حزيران (يونيو) 1967، دون أن تلوح بارقة أمل في أن غالبية الأنظمة العربية قد تعلمت أي درس مفيد في علاقتها مع شعوبها ومجتمعاتها، بل يبدو العكس هو الصحيح من حيث حالة التدهور السياسي والإخفاق التنموي وتبذير الثروات وتمكين الاستبداد واختلاق صراعات بين الأشقاء بلغت مستوى فرض الحصار.
وخلال هزيمة الأيام الستة تلك تمكنت دولة الاحتلال الإسرائيلي من إلحاق هزيمة نكراء بالجيوش العربية، فبسطت سيطرتها العسكرية على مساحة تقارب 70 ألف كيلومتر مربع، أي ما يفوق ثلاثة أضعاف مساحة الكيان بعد عام 1948، وبذلك احتلت القدس الشرقية وكامل الضفة الغربية وغزة وشبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان بما في ذلك مدينة القنيطرة.
ولقد سارع النظام العربي إلى إطلاق صفة «النكسة» على كارثة سياسية وعسكرية لا تليق بها إلا صفة الاندحار، ثم لم تجد الشعوب العربية أنّ أياً من الأنظمة المهزومة تكلف عناء إجراء مراجعة بسيطة لأسباب الانهزام، بل أمعنت في مفاقمة الشروط ذاتها التي كانت وراء الهزيمة، وعلى رأسها استفحال الاستبداد والفساد وتغييب الشعوب عن القرار الوطني. والمأساوي في الأمر أن تلك الأنظمة ظلت تتفاخر بأنها «وطنية» و»تقدمية» و»اشتراكية»، في حين أنها لم تتوقف عن ممارسة نقائض هذه الصفات، ولم تتأخر أيضاً في الذهاب بأنماط قمع الشعوب إلى مستوى المجازر.
ومن نافل القول أن الكثير من آثار تلك الهزيمة ما يزال ماثلاً اليوم أيضاً في واقع الهلهلة والانحطاط والتدهور التي باتت بمثابة الخصائص الأصدق تعبيراً عن الواقع الفعلي في غالبية الأنظمة العربية. وليس غريباً أن تمارس دولة الاحتلال الإسرائيلي أقصى الوحشية في حصار قطاع غزة، ولا يوقفها رادع في فرض الاستيطان وقوانين الفصل العنصرية ومصادرة الأراضي وتهديم البيوت في الضفة الغربية، فضلاً عن العربدة في أجواء سوريا متى شاءت.
وليس غريباً أيضاً أن يجري تسليم أقدار الأوطان والشعوب إلى قوى خارجية تعيث فيها فساداً وتقسيماً، لا لأي اعتبار آخر سوى تمسك الحاكم بالسلطة أياً كان الثمن، حتى إذا استوجبت هذه المقايضة الخيانية تدمير العمران وتمزيق لحمة المجتمع وتقسيم المكون الوطني، وفتح البوابات عريضة أمام هيمنة إسرائيل وأمريكا وروسيا وإيران. وفي المقابل، من المنطقي أن تتكاثر قوى التشدد الديني والمذهبي، وأن تلجأ إلى استغلال عذابات الشعوب وانهيار ثقتها بكامل «البرامج» التي بشرت بها الأنظمة المهزومة طيلة عقود، وأن تطرح بدائلها العقائدية والسياسية والاجتماعية والثقافية والعسكرية.
كذلك كان محتماً أن تفرز الهزيمة طوراً في حياة بعض الأنظمة العربية يبلغ درجة إنفاق المليارات على عقود التسلح، التي لا تستهدف تطوير بنية دفاعية وطنية متينة بقدر ما تقدم الرشوة مقابل سكوت القوى الكبرى عن برامج الأنظمة في إدامة الاستبداد والنهب، وانتهاج سياسات عدوانية وتآمرية على الشقيق الجار، بما في ذلك فرض الحصار على الشعوب. ولعل أركان هزيمة 1967 لم تتجسد خلال 51 سنة كما تتجسد اليوم في سياسات المملكة العربية السعودية، إذ أن الهزيمة لا تقتصر على ساحات القتال، وجبهات الداخل ليست أقل قدرة على تصنيع الاندحار وجعله مستمراً مستداماً.
القدس العربي