ما بال التيار المحافظ الذي كان يتمتع بنفوذ كبير في السعودية يلوذ بالصمت ولا حراك له، وأين ذهبت تلك القوة التي كان يتمتع بها إلى وقت قريب؟ وهل تم إسكاته بالقمع والاستبداد بذريعة الإصلاحات؟
ففي مقال تحليلي مطول بصحيفة واشنطن بوست الأميركية، يقول الكاتب كريم فهيم إن الإسلاميين الأكثر محافظة في السعودية صاروا يعانون جراء فقدانهم نفوذهم، الأمر الذي جعلهم مرتبكين وحائرين.
فهؤلاء المحافظون لم يعودوا يقتربون من وسائل الإعلام الاجتماعية مثل تويتر منذ مدة طويلة إلا بحذر شديد، بل إنهم أيضا في المساجد وفي التجمعات المجتمعية لا يقدمون سوى بتردد وعلى مضض على انتقاد التغييرات الأخيرة في السعودية التي يعارضونها بشدة، مثل تخفيف الحدود الاجتماعية المتعلقة بالاختلاط بين الرجال والنساء.
وأما مهدنس هذا الاضطراب فهو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي شملت تعهداته لتحديث البلاد الحدّ من نفوذ المحافظين المعروفين باسم السلفيين.
ويلتزم هؤلاء السلفيون بصيغة صارمة من الإسلام يقولون إنها تتماشى مع طريقة ممارسته خلال عهد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في القرن السابع وأجيال الصحابة.
تحديث وصراع
ويسعى ابن سلمان إلى تحديث السعودية وإجراء إصلاحات اجتماعية تهدف في جزء منها للحد من نفوذ التيار السلفي المحافظ، الأمر الذي وضع ولي العهد في صراع مع تيار سلفي خارج نطاق الأسرة الحاكمة في البلاد.
واستخدم ابن سلمان مختلف أساليب الترهيب والترويع ضد من يعارضه، إذ زج بالعديد من مشايخ الدين السلفيين المعروفين باستقلالهم في غياهب السجون بسبب معارضة بعضهم منح حقوق أكبر للنساء أو تبنيهم وجهات نظر متشددة.
وسعى كثيرون لإحداث تغييرات اجتماعية في السعودية، بيد أنها كانت تفشل أمام سطوة التيار المحافظ، وأما ابن سلمان فقام بإحداث الكثير من التغييرات التي لم يسبقه إليها أحد في بلاده.
فقد سمح ولي العهد السعودي بإقامة الحفلات الغنائية والموسيقية ودخول النساء إلى الملاعب الرياضية ومنح المرأة حق قيادة السيارة، ويتساءل الكاتب “هل سعى ابن سلمان من وراء هذه التغييرات إلى إحداث نقلة اجتماعية في بلاده أم أنه كان يسعى لترسيخ سلطته عبر تحييد المنافسين المحتملين؟”.
سلمان العودة
ويقول عبد الله العودة نجل الداعية سلمان العودة المعتقل منذ أشهر عدة في السجن، إن السلطات تستهدف المعتدلين بينما تُبقى على المتطرفين قريبين منها.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس ستيفان لاكروا إن ابن سلمان يسعى إلى تحقيق توازن بين المتشددين والليبراليين في البلاد، بيد أنه ينتهج أساليب أكثر وحشية.
ويشير المقال إلى أن البعض يقدر عدد السلفيين في السعودية بنحو مئة ألف، لكن آخرين يقدرونهم بنحو مليون سلفي.
ويقول رجل الأعمال السعودي علي زيد إنه لا يشعر بالانزعاج من التغييرات الاجتماعية في بلاده، مضيفا أنه ليس أمام التيار المحافظ سوى القبول بها.
ويشير الكاتب إلى الدورة العالمية للمصارعة التي شهدتها السعودية في أبريل/نيسان الماضي، وأن المسؤولين اعتذروا عن لقطات كان قد تم بثها لبعض النساء اللواتي كن يرتدين ملابس ضيقة.
وشهدت السعودية مؤخرا اعتقالات طالت نحو 17 من الناشطين والناشطات المعروفين بالدفاع عن حقوق المرأة.
ويختتم بالقول إن ابن سلمان يعمل على إنشاء مظلة دينية داخل السعودية تكون أكثر طواعية للدولة، ومظلة إسلامية أكثر تسامحا وأكثر إدانة للتطرف، وذلك من خلال رابطة العالم الإسلامي التي أنشأتها المملكة منذ أكثر من سبعة عقود.
المصدر : الجزيرة,واشنطن بوست