يود بائعو الجوازات أن يستمروا في عملهم السري متوارين عن أنظار الإعلام، وهو ما عكسه قلق الفاعلين الرئيسيين في هذه التجارة أثناء اجتماعهم السنوي المنعقد حاليا في جنيف بسويسرا.
“الآن، ندعوكم للمغادرة”، “توقفوا عن إمعان النظر في البطاقات التعريفية للضيوف”، “توقفوا عن التحدث إلى المشاركين، وإلا سنستدعي الشرطة”.
هكذا خاطب المنظمون صحفيي جريدة “لوموند” الفرنسية الذين حضروا لتغطية اجتماع “منتدى المواطنة عبر الاستثمار” الذي يضم أهم الفاعلين في هذه التجارة الشرعية وإن كانت مثيرة للجدل.
فهذه التجارة الرائجة توفر لأثرياء العالم وثائق تمكنهم من التجول بسهولة أكبر في أرجاء المعمورة، وذلك مقابل مبالغ تتراوح بين مئات الآلاف ومليونين من الدولارات يتم تقديمها على شكل تبرعات أو استثمارات عقارية.
ويمكن لهؤلاء -وينحدرون في الغالب من الصين وروسيا والشرق الأوسط- أن يحصلوا على جوازات سفر من دول الكاريبي أو قبرص أو مالطة، مما يعطيهم حرية أكبر للتنقل في دول الاتحاد الأوروبي مثلا.
غير أن هذا الإجراء تسبب أحيانا في فضائح حساسة، فهناك مقربون من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بجوازات سفر قبرصية، وإيرانيون بجنسية سانت كيتس ونيفيس (الكاريبي)، اشتروها للالتفاف على العقوبات الدولية.. إلخ.
وقد لفتت الفضائح انتباه المفوضية الأوروبية ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، فبدآ يفكران في كيفية تنظيم هذا القطاع الخارج عن السيطرة تقريبا. وما يقلق هاتين المؤسستين أن تستخدم جوازات السفر “الذهبية” هذه كوسيلة للتحايل على الإجراءات الضريبية أو القضائية في بلدان المنشأ.
يقول جورغ ستيفن مدير “هانلي آند بارتنرز” -أحد أهم الوسطاء في بيع الجوازات- إنه “وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن زبائننا متهربون من الضرائب، لكن الحقيقة هي أنهم يأتون أساساً لأسباب تتعلق بالأمن أو تعليم أطفالهم أو أسلوب حياتهم”.
كما يرى برينو لوكويي مدير أهم هيئة منظمة للمنتدى الحالي أن هناك الكثير من سوء الفهم من جانب الصحافة التي ما زالت تجهل الكثير عن موضوع الاتجار في الجوارزات.
وينسجم هذا مع رأي الخبير في الأمن العام ومكافحة الإرهاب بيتر فينسان، إذ يقول “لا يعرف الصحفيون كيف نعمل، كما أنهم يجهلون إجراءات مراقبة العملاء لدينا.. إننا بحاجة إلى تثقيف الحكومات ووسائل الإعلام لضمان أن تكون لديهم نظرة أكثر شمولية لهذا الموضوع”.
من ناحية أخرى، يؤكد المتاجرون في الجوازات أن هذه السوق أصبحت تدر مبالغ كبيرة على بعض البلدان، بل غدت حاسمة بالنسبة لبعض البلدان الجزرية، فهي تمثل مثلا بالنسبة للدومينيكان 25% من الدخل القومي، حسب المسؤول عن هذا البرنامج في تلك الجزيرة.
ويؤكد أن أموال الجوازات هي التي مكنت الجزيرة من إعادة بناء ما دمرته أعاصير 2017، حيث استخدمت لتشييد ألف بيت مقاوم للتغيير المناخي.
وفي هذا السياق، تزداد حدة المنافسة بين الدول البائعة للجوازات، مما نتج عنه انخفاض سعرها، حتى لم يتجاوز في الأشهر الأخيرة في بعض الجزر مئة ألف دولار.
المصدر : لوموند الجزيرة